موحسن وتوابعها... خنادق تصريف المياه مغلقة... والأرض(بَجّتْ)!
اشتكى لقاسيون عدد من الفلاحين في موحسن والقرى التابعة لها بأن خنادق تصريف المياه الزائدة تحولت إلى مستنقعات، وأدت إلى ارتفاع منسوب المياه والملوحة، وبالتالي إلى تلف مساحات كبيرة مزروعة بمحصول القمح، وانخفاض نسبة الإنتاج في بقية الأراضي المزروعة!
الخنادق مغلقة بسبب الإهمال!
بسبب الإهمال المتعمد وعدم تعزيل خنادق تصريف المياه الزائدة ضمن استصلاح الأراضي في المشروع الثالث، في أراضي (حاوي موحسن)، والذي يضم موحسن والقرى التابعة لها، والممتد من قرية المريعية شرقي دير الزور بـ10 كم، مروراً بقرية العبد ومدينة موحسن بطول 20 كم تقريباً، وبعمق 4 كم، أي بمساحة 80 ألف دونم تقريباً، ارتفع منسوب المياه ونسبة الملوحة في هذه الأراضي، وأدى ذلك إلى تلف مساحات كبيرة من حقول القمح، وانخفاض مستوى الإنتاج على الأقل بنسبة 20%!
وسبب ارتفاع منسوب المياه وتحول الخنادق إلى مستنقعات هو عدم تعزيلها ونمو نبات (الحلفا) فيها، والذي يعيق جريان المياه، حيث يتجمع الطين حوله أيضاً!
والأراضي مقسمة إلى مربعات بموجب الاستصلاح، وكل مربع فيه 3 خنادق رئيسة ويبلغ مجموعها 18 خندقاً، و12 خندقاً فرعياً، أي ما مجموعه 30 خندقاً تقريباً.
التكاليف والمردود
أكد أحد المزارعين بقوله: «كلفتني زراعة محصول القمح هذا العام 12 مليون ليرة، وكانت قيمة أقماحي الموردة 10 ملايين ليرة، أي خسرت مليوني ليرة، في ظل وضعنا المعيشي السيئ والغلاء المستفحل، إضافة إلى ضياع جهدي وجهد المزارعين معي هباءً منثوراً!»
وسبب انخفاض الإنتاجية، هو ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وانخفاض التسعير وعدم تناسبه مع التكاليف!
أما المستثمرون للأراضي من قبل المحافظة واتحاد الفلاحين، فبعد استثمارها خلال السنتين الماضيتين، وبعد توقف حوالي 10 سنوات بسبب سيطرة المسلحين، ارتفعت خصوبتها وأعطى الدونم ما يقارب 500 كغ، بينما الآن يعطي ما يقارب 150 كغ فقط!
تبريرات وذرائع!
رغم المطالبات العديدة للفلاحين لمعالجة المشكلة، والموجهة لمديرية الزراعة ومديرية استصلاح الأراضي، وللجمعيات الفلاحية ولاتحاد الفلاحين والمحافظة، إلا أن أحداً لم يستجب للمطالبات، وكأنهم يتعمدون وضع طينٍ في أذنٍ وفي الأخرى عجين حتى لا يسمعوا المطالبات!
والبعض يقدّم التبريرات الذرائعية، فمرة عدم وجود باكر يقوم بالتعزيل، ومرة عدم وجود مازوت إن وُجدَ الباكر!
خسائر وتلوث وموت!
إضافة إلى تلف الحقول وانخفاض الإنتاجية للمحصول، سيؤدي ارتفاع منسوب المياه إلى تملّح الأراضي، وبالتالي خروجها من الزراعة نهائياً، أي إن استصلاح الأراضي سيحتاج إلى إصلاح مرةً أخرى!
وأصبحت الخنادق مرتعاً للتلوث والحشرات والكائنات الخطرة أيضاً، كالثعابين، ومصدراً لأمراضٍ عديدة يذهب ضحيتها من تبقى من الفلاحين وأسرهم!
فمنذ أيام توفيت شابة من قرية البوليل بسبب تعرضها للسعة أفعى سامة!
قيمة القمح المورد
اشتكى مجدداً الفلاحون في دير الزور عموماً من التأخير في استلام قيمة فواتير أقماحهم الموردة، رغم تحديد يوم الاستلام، والوعود بأن يجري صرفها مباشرة، حيث تمتد إلى أكثر من أسبوع وأحياناً إلى شهرٍ، مما يحملهم تكاليف أكثر ومعاناة أكبر بسبب ظروف الحر الشديد وارتفاع تكاليف النقل، وتبرير المصرف الزراعي أن السيولة المحولة له غير كافية!
حيث سبق أن صرح مدير المصرف الزراعي في دير الزور المهندس محمد عكل لمراسل صحيفة تشرين بتاريخ 4/8/2024 في معرض رده على شكاوى المُزارعين حول تأخر عمليات الصرف «إن التسليم جارٍ وفق السيولة التي تصلهم من البنك المركزي، مُبيناً أن إجمالي المبالغ المرصودة كقيم للأقماح المستلمة يصل إلى 258 مليار ليرة سورية، بينما ما تم صرفه حتى الآن هو 108 مليارات، والمبالغ المُتبقيّة 150 ملياراً»!
ولفت عكل إلى أن ما يرد منها للصرف اليومي لا يُغطي الحاجة، مُنبهاً من أن بقاء الوضع هكذا سيُطيل وقت الاستلام لمن تبقوا من المُزارعين.
بالمقابل أكد مدير فرع السورية للحبوب المهندس أديب الركاض في تصريح لـ«تشرين» أن الكميات المُستلمة وصلت إلى 44600 طن حتى اليوم، من أصل المُتوقع تسليمه والبالغ وفق التقديرات 43 ألف طن، لافتاً إلى أن فرعه سلّم كل فواتير أثمان الأقماح المُنتجة من قبل المُزارعين لفروع المصرف الزراعي!
يُذكر أن المساحات المزروعة بالقمح في دير الزور تجاوزت وفق تقديرات مديرية الزراعة 21 ألف هكتار لهذا الموسم، فيما التوقعات الإنتاجية تصل إلى 47 ألف طن.
أي إن المبالغ المصروفة حوالي 40% فقط، علماً أن موسم التوريد شارف على الانتهاء. والمسؤولية بذلك تقع لا شك على الحكومة والمصرف المركزي!
ليس إهمالاً فقط!
مع الاستمرار بالسياسات الاقتصادية السيئة عموماً، والزراعية الأكثر سوءاً خصوصاً، والقائمة على تخفيض الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي، وصولاً إلى إنهائه بشكل كلي، وخاصة حوامل الطاقة، أصبحت النتائج الكارثية على الزراعة والمزارعين أكثر عمقاً ووضوحاً، بالإضافة إلى وضوح وتكشف النهج التدميري والتخريبي المتعمد للإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والأهم النتائج الكارثية على المحاصيل الاستراتيجية (القمح- القطن- الشوندر)، رغم الادعاءات الزائفة بتشجيع زراعة القمح، وتقديم التسهيلات للفلاحين!
فهذا النهج التخريبي المتعمد عبر تكريس الإهمال واللا مسؤولية، وإنهاء الدعم عن مستلزمات الإنتاج، والتسعير الجائر للمحاصيل، والتأخير في الصرف، سيؤدي إلى مزيد من التدمير للزراعة والإنتاج الزراعي، والانعكاسات الكارثية لذلك لن تقف عند حدود تكريس خسائر الفلاحين لدفعهم نحو هجرة الزراعة والأرض بما يؤمن ويضمن مصالح قوى النهب من مستوردين وفاسدين، بل سيكون لها انعكاسات أكثر كارثية على الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!
مطالب بسيطة وعميقة!
يمكن تكثيف مطالب الفلاحين العامة بالآتي:
إعادة الدعم لمستلزمات الإنتاج الزراعي، وتوفيرها بمواعيدها بأسعار مناسبة وبمواصفة جيدة، بعيداً عن تحكم حيتان الاستيراد والفاسدين!
قيام الجهات المعنية بالقطاع الزراعي بواجباتها ومهامها ومسؤولياتها، بعيداً عن اللامبالاة وأوجه المحسوبية والوساطة والولاء، مع المحاسبة الجدية على التقصير!
إعادة الاعتبار للمحاصيل الاستراتيجية ولأهميتها الاقتصادية!
الاهتمام الجدي بعمليات تسويق وبيع المنتجات الزراعية، وبالسعر الاقتصادي الذي يؤمن العيش الكريم للمزارعين، بعيداً عن تحكم شبكات الاستغلال والنهب والفساد!
أي وبكل اختصار انتهاج سياسات زراعية منصفة وعادلة، مغايرة تماماً للسياسات الظالمة المطبّقة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187