الزيتون محصول استراتيجي مهمل رسمياً وتراجع معدلات استهلاك زيت الزيتون أكثر إهمالاً!
ما زالت سورية تعتبر من أهم الدول المنتجة للزيتون، فوفقاً لآخر ترتيب للدول المنتجة، الصادر من قبل المجلس الدولي للزيتون للعام 2022، فإن سورية تحتل المرتبة الثالثة في إنتاج زيت الزيتون عربياً، والمرتبة السابعة عالمياً.
وعلى صعيد الاستهلاك فإن وسطي استهلاك الفرد السوري من زيت الزيتون يقدر بحوالي 4,6 ألتار سنوياً، محتلاً في ذلك المرتبة الأولى عربياً، والمرتبة الرابعة عالمياً على مستوى استهلاك الفرد. ما يعني أن الاستهلاك الإجمالي للسوريين من زيت الزيتون يقدر بحوالي 90–100 ألف طن بشكل سنوي تقريباً، وفقاً لتقديرات المصدر الدولي نفسه.
وعلى الرغم من أهمية هذا المحصول فإن السياسات المتبعة خلال السنوات والعقود الماضية لإدارته لم تأخذ بعين الاعتبار أهميته الاستراتيجية والوطنية، لا على مستوى تنميته وتطويره وزيادة إنتاجيته وتحسين نوعيته، ولا على مستوى تصنيع منتجاته، الغذائية وغير الغذائية، والاستفادة من القيمة المضافة إليها، وخاصة المعد منها للتصدير!
فجل ما يمكن أن يرصد على مستوى جزء من إدارة هذا المحصول رسمياً هو الموافقات بما يخص عمليات تصدير زيت الزيتون، بين السماح والمنع المؤقت، وبما يلبي غالباً المصالح الضيقة والشخصية لعدد من كبار التجار والحيتان المحتكرين والمهربين، وبما ينعكس سلباً على المزارعين المنتجين، من خلال انخفاض الإنتاج من جهة، وارتفاع تكاليفه من جهة أخرى، إضافة إلى الآثار السلبية التي تنعكس على المستهلك المحلي عبر ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، بالتوازي مع انخفاض القدرة الشرائية، ما يضطر السوريين للتقليل من معدلات استهلاكه، أو عدم استهلاكه بالمطلق!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن استهلاك هذه المادة بالنسبة للسوريين مرتبط بعادات اجتماعية وبثقافة غذائية تاريخية، وقد ذهبت أدراج الرياح بفعل جملة السياسات الظالمة طيلة العقود الماضية!
تدهور الإنتاج!
وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء، فإن إنتاج الزيتون وزيت الزيتون بلغ ذروته ضمن السنوات السابقة في العام 2006، حيث بلغ إنتاج الزيتون في ذلك العام ما يقارب 1,190,781 طناً، استخدم منها 897,248 طناً لإنتاج الزيت، أي ما يقارب 75,3% من إجمالي إنتاج الزيتون استخدم لإنتاج الزيت، الذي نتج عنه 252,353 طناً من زيت الزيتون.
وخلال العام التالي، أي 2007، انحدر إنتاج الزيتون بنسبة لا تقل عن 58,4%، حيث بلغت كمية إنتاج الزيتون حوالي 495,310 طن، وكمية إنتاج زيت الزيتون بلغت حوالي 98,294 طن، بنسبة انخفاض لا تقل عن 61,04%!
ويوضح الجدول التالي بيانات الإنتاج في بعض السنوات «عينةً» بحسب المكتب المركزي للإحصاء من العام 2006 وحتى العام 2022:
يتضح من الجدول السابق، بحال اعتمدنا العام 2006 سنة الأساس، فإن الإنتاج في السنوات اللاحقة استمر بالتراجع منخفضاً عنه بنسب تتراوح بين 74% للعام 2014، وبين 17,4% للعام 2011، في حين أن نسبة الانخفاض في العام 2022 بلغت 24,93% تقريباً.
معدل استخراج الزيت مؤشر على تراجع الإنتاجية!
يقدر معدل الاستخراج للزيت من الزيتون عموماً بين 0,15 إلى 0,25، بمعنى أن كل كيلو زيتون ينتج ما بين 150 إلى 250 غراماً من زيت، ويختلف هذا المعدل تبعاً لاختلاف نوعية الزيتون المستخدمة لاستخراج الزيت، إضافة إلى مستوى الخدمة والرعاية والاهتمام بأشجار الزيتون، سواء من خلال الري، أو مكافحة الآفات والأمراض التي تصيب هذه الأشجار.
وبالنظر إلى البيانات الإنتاجية الموضحة أعلاه، يمكننا استخلاص معدل الاستخراج لكل سنة من السنوات المذكورة، وذلك بحسب الجدول التالي:
الواضح من الجدول السابق، أن معدل الاستخراج يتراوح بين قيم تعتبر طبيعية، وقيم خارج السياق العام المتعارف عليه!
فعلى سبيل المثال، معدل الاستخراج في العام 2014 بلغ حوالي 41%، أي إن كل كيلو زيتون ينتج نصف كيلو زيت تقريباً، وهذه النسبة تعتبر مبالغاً فيها، فأفضل أنوع الزيتون لا تتجاوز نسبة الاستخراج منه 30%. وهذا يدل على نتيجة من اثنتين، إما كمية الزيت المنتج خلال العام 2014 هي أقل من البيانات المعلن عنها من قبل المكتب المركزي للإحصاء، أو أن كمية الزيتون المستخدم لاستخراج الزيت أكبر من حجم الإنتاج المعلن عنه في هذه البيانات!
وبالعودة إلى تباين قيم معدلات الاستخراج التي تنخفض مع مرور السنوات، بحال اعتمدنا سنة الأساس هي 2006، فهذا الانخفاض ربما يدل على تراجع نوعية الزيتون المنتج كثمرة، ناهيك عن تراجع كميات الإنتاج، ويتضح ذلك من خلال زيادة كميات الزيتون المستخدمة لاستخراج الزيت، من إجمالي إنتاج الزيتون لتعويض التراجع النوعي في جودته!
ويتضح مع أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار أن نسب انخفاض الإنتاجية خلال هذه الأعوام هي أعلى من النسب المحسوبة بشكل أولي، فالأمر هنا لا يقتصر على تراجع الكميات المنتجة من الزيت فقط، إنما أيضاً لا بد من إضافة انخفاض نسب استخراج الزيت!
وهذا الانخفاض بنوعية الزيتون على مر السنوات يدل على تراجع الاهتمام بهذا المحصول بشكل عام على المستوى الرسمي، بسبب عدم توفير المستلزمات الأساسية له من ري ووقود ومبيدات وأسمدة وأدوية مكافحة، بالشكل الذي يساعد على رفع إنتاجية المحصول وتحسينه، أو على الأقل بالشكل الذي يحافظ على ثبات مستويات الإنتاجية ونوعيته كما كانت عليه في أعوام ذروة الإنتاج!
عدد الأشجار مؤشر إضافي!
يقدر المعدل الوسطي لإنتاجية شجرة الزيتون الواحدة، بعد دخولها عمر الإنتاج (أي بعد 4 إلى 5 سنوات من غرسها) بين 22–80 كغ بالموسم، مع الأخذ بعين الاعتبار ظاهرة المعاومة، وأيضاً تختلف الإنتاجية تبعاً لاختلاف نوعية الزيتون وظروف زراعته، ومدى الخدمة المقدمة لهذه الأشجار، على الرغم من أنه يمكن التقليل من آثار ظاهرة المعاومة على الإنتاج، وذلك من خلال تقديم الخدمة الزراعية للأشجار، عبر ريها بشكل كافٍ، ومكافحة الآفات الأساسية التي تصيبها، إضافة إلى تسميد الأراضي بالعناصر الحيوية اللازمة، إلا أن معدل الإنتاجية للأشجار المزروعة على امتداد الأراضي السورية آخذ بالانخفاض عاماً بعد آخر!
ويوضح الجدول التالي عدد الأشجار الإجمالي والأشجار المثمرة منها، ومعدل إنتاجية الأشجار المثمرة تبعاً للسنوات المذكورة بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء:
أول ما يلفت النظر ضمن بيانات الجدول السابق، المفارقة الحاصلة في العام 2014 أيضاً، حيث بلغ عدد الأشجار الإجمالي 106,150,000 شجرة، ونسبة الأشجار المثمرة منها قدرت بما يقارب 81,1%، وبالتالي فإن ترتيب هذه السنة هو الثالث من حيث عدد الأشجار المثمرة، إلا أن الكمية المنتجة من الزيتون هي الأدنى على الإطلاق بين هذه السنوات، حيث قدر وسطي إنتاجية الشجرة الواحدة ما يقارب 4,56 كغ للشجرة.
وبشكل عام، فإن وسطي الإنتاجية آخذ بالتراجع عام بعد آخر، ولا يمكن بشكل من الأشكال إرجاع أسباب انخفاض الإنتاجية إلى ظاهرة المعاومة فقط، إنما توجد أسباب أكثر جوهرية، لعل أهمها سنوات الحرب وتأثيراتها، إضافة إلى سياسات الدولة بتخفيض الدعم عموماً، وعن القطاع الزراعي فيما يخص موضوعنا خصوصاً، وبالتالي عدم قدرة المزارعين على تلبية احتياجات الأشجار من السقاية ومواجهة الآفات وما إلى ذلك!
ليتضح مرة أخرى أن معدلات الإنتاج بعيدة بشكل كبير عما كانت عليه قبل حوالي 20 سنة، على الرغم من زيادة عدد الأشجار بنسبة 22,9% ضمن العام 2022 عما كانت عليه في عام 2006، وبالتالي فإن تكاليف الإنتاج آخذة بالارتفاع، نظراً لانخفاض معدلات الإنتاجية إلى النصف تقريباً!
إضافة إلى ذلك، يتضح من بيانات الجدول أيضاً النزف الحاصل بعدد الأشجار بين العام 2014 والعام 2022، حيث بلغ عدد الأشجار الكلي ضمن عام 2014 ما يقارب 106,150,000 شجرة، إلا أنه انخفض بما يقدَّر 5,000,000 شجرة، على الرغم من زيادة عدد الأشجار المثمرة بين هذين العامين كما هو موضح، إلا أن هذه الزيادة تمت على حساب الأشجار المعمرة مرتفعة الإنتاجية، ودخول الأشجار الفتية منخفضة الإنتاجية إلى مراحل الإنتاج. حيث يعود السبب الرئيسي لانخفاض عدد الأشجار إلى القطع الجائر لها للتحطيب والتدفئة من قبل شبكات تعمل وتتربح من خلالها، بالإضافة إلى ما تم حرقه وإتلافه من حقول بفعل العمليات العسكرية في بعض المناطق، وصولاً إلى تخلي بعض المزارعين عن هذه الزراعة نتيجة لتكاليفها المرتفعة، وانخفاض إنتاجيتها عاماً تلو آخر، وبالتالي انخفاض العائد الاقتصادي المجدي منها!
تدهور الإنتاج وارتفاع الأسعار وتراجع معدلات الاستهلاك!
توضح البيانات التاريخية لاستهلاك السوريين من زيت الزيتون، الصادرة عن المجلس الدولي للزيتون، انخفاض معدل الاستهلاك بين عامي 2006 و2022 بما يقارب 27,72%، وبين عامي 2011 و2022 انخفض استهلاك السوريين بنسبة تقارب 41,1%!
ووفقاً لبيانات المصدر نفسه، فقد بلغت الكميات المستهلكة ضمن هذه الأعوام كما هو موضح بالجدول التالي، وقد أضفنا متوسط السعر المحلي من واقع الأسواق خلال السنوات المرصودة
من المعلوم اقتصادياً أن ارتفاع سعر المادة يؤدي بالضرورة إلى انخفاض الكمية المستهلكة منها، والعكس بالعكس، وذلك ما يوضحه الجدول السابق!
حيث كان سعر الكيلو الواحد من زيت الزيتون في عام 2006 حوالي 250 ليرة، وقدرت كمية الاستهلاك وفقاً لبيانات المجلس الدولي لزيتون بحوالي 110,000 طن، وانخفض سعر الكيلو الواحد ضمن عام 2011 ليصبح 200 ليرة للكيلو، بنسبة انخفاض 20% تقريباً، وبناء على بيانات المصدر نفسه، فإن كميات استهلاك المادة ارتفعت ضمن هذا العام بالتوازي مع انخفاض سعرها، وقدرت الكميات المستهلكة ضمن عام 2011 بما يقارب 135,000 طن، ويقفز سعر الكيلو من زيت الزيتون في عام 2022 بمقدار 160 ضعف عن السعر في عام 2011، وذلك بالتوازي مع انخفاض الكمية المستهلكة من زيت الزيتون بنسبة لا تقل عن 41,1% عما كانت عليه ضمن عام 2011.
وبحسبة بسيطة وأولية، وبالنظر لأسعار المادة ضمن العام الحالي، والتي بلغت ما يقارب 100,000–150,000 ليرة لسعر الكيلو، فإن معدل الاستهلاك آخذ بالانخفاض أكثر فأكثر، وبتقديرات تصل إلى 43,991 طناً فقط لا غير، أي إن وسطي استهلاك الفرد السوري لزيت الزيتون من المقدر انخفاضه إلى 2,5 كيلو خلال العام الحالي، بعد أن كان 6 كغ سنوياً بحسب بيانات عام 2011!
التصدير بين البيانات الرسمية والدولية!
لا يخفى على أحد أهمية سورية العالمية فيما يخص إنتاج زيت الزيتون وتصديره إلى مختلف الدول حول العالم، ولكن انعكاس هذا الأمر على الداخل السوري مختلف كلياً ومأساوي، وذلك بالنظر إلى السياسات المتبعة فيما يخص هذا المحصول الاستراتيجي!
فعمليات التصدير محصورة بعدد قليل من التجار والمحتكرين هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تصدير هذه المادة، بالشكل الذي سنوضحه، يساهم بشكل كبير برفع أسعارها محلياً، وبالتالي يقلل من استهلاكها!
والجدير بالذكر أن انعكاس هذا الأمر على مستوى المزارعين لا يقل سلبية، وذلك بالتوازي مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الإنتاجية، وغياب دور الدولة في دعم المزارعين وتوفير المستلزمات الأساسية من وقود وأسمدة وغراس وما إلى ذلك!
وبالتالي فإن المستفيد الوحيد من عمليات التصدير هم التجار فقط، الذين يشترون المادة بالسعر المحلي بالليرة السورية، ويصدرونه إلى مختلف دول العالم بالعملة الصعبة!
إضافة إلى ذلك، فإن معظم الكميات المصدرة تتم بشكل غير رسمي، عبر قنوات وطرق التهريب سواء إلى تركيا أو إلى لبنان، ومنها إلى مختلف دول العالم!
ويمكن توضيح ذلك من بيانات الصادرات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في سورية، بالمقارنة مع بيانات وزارة الزراعة الأمريكية التجميعية للصادرات من واقع بيانات الدول المستوردة، بحسب الجدول التالي:
الجدول أعلاه يبين بوضوح التباين في المعطيات التصديرية الكمية، فالكميات المصدرة بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء هي المصدرة بشكل نظامي إلى بعض الدول، أما الكميات بحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية التجميعية فتتضمن أيضاً الكميات المصدرة تهريباً إلى مختلف دول العالم، ولعله من الواضح أن الفارق بين البيانات التصديرية أعلاه كبير، وأن حصة التهريب مضاعفة عن حصة التصدير الرسمي!
وكذلك نستنتج أن ترتيب سورية، الثالث في إنتاج زيت الزيتون عربياً، والسابعة عالمياً، وعلى مستوى استهلاك الفرد الأولى عربياً والرابعة عالمياً، ليس بالاستناد إلى بيانات المكتب المركزي للإحصاء، أو الجهات المحلية الرسمية المعنية بنشر بعض الأرقام والإحصاءات، بل بما يتم تجميعه من بيانات إضافية من بقية الدول تقاطعاً مع البيانات المحلية!
أما الاستنتاج التكثيفي الأهم من كل ما سبق فهو حجم الأرباح الكبيرة الذي يجنيها المصدّرون والمهربون، على حساب المزارعين والمستهلكين والاقتصاد الوطني، بسبب الإهمال الرسمي للمحصول الاستراتيجي ومنتجاته التصنيعية الكثيرة، الغذائية وغير الغذائية، التي لا تقتصر على زيت الزيتون فقط، وبما تحمله من قيم مضافة بحال الاهتمام الجدي بها، وبما هو قابل للتصدير منها بشكل خاص!
تمهيد رسمي جديد يصب بخانة المصدرين والمهربين على حساب المستهلكين!
صرحت مديرة مكتب الزيتون بوزارة الزراعة عبير جوهر، بأن التقديرات الأولية لإنتاج الزيتون في 2024 تصل إلى ما يقارب 740 ألف طن، أي بزيادة نحو 6% عن العام الماضي، مقسمة ما بين 20% زيتون للمائدة، و80% للعصر من أجل الزيت. ولفتت إلى أن الكميات المتوقع تصديرها هي الفائض عن حاجة السوق المحلية، أي 7 آلاف طن، وأوضحت أن السعودية ودول الخليج من أكثر الدول استيرادا للزيت السوري، بالإضافة إلى بعض الدول العربية والأوروبية غير المنتجة للزيت، كذلك أكدت انخفاض معدل استهلاك الفرد سنوياً من الزيت من 5-6 كيلو إلى 3 كيلو، بسبب ضعف القدرة الشرائية!
التصريح أعلاه شبيه تماماً بالتصريحات السنوية الرسمية التي تسبق صدور موافقة اللجنة الاقتصادية بالسماح بتصدير زيت الزيتون، وهو تمهيد مسبق للموافقة القادمة من أجل السماح بتصدير كمية 7 آلاف طن من زيت الزيتون بالحد الأدنى رسمياً، وأضعاف هذه الكمية تهريباً، بغض النظر عن الاعتراف الرسمي بتراجع معدلات الاستهلاك بسبب ضعف القدرة الشرائية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187