أزمة مياه عميقة ومتفاقمة وحلول مجتزأة وخطط غائبة!
تتفاقم الأزمات وتعصف بالمواطن المنهك، بعد أن جردته السياسات الرسمية من أبسط حقوقه، فوجد نفسه عارية تماماً أمام زوابع الأزمات المتلاحقة، والتي إلى الآن لم تجد الحكومة حلولاً لها، فتراكمت وتعاظمت عاماً تلو آخر!
فمن أزمة الغاز إلى أزمة الخبز والكهرباء والمحروقات، إلى أزمات الأسعار والبطالة والسكن، وصولاً إلى أزمة المياه التي لم تنهِ قائمة أزمات السوريين المستمرة!
فقائمة معاناتنا تطول وتكبر دون أي بوادر لانفراجات أو حلول، وخير دليل على ذلك أزمة المياه التي تشهدها معظم المحافظات، والتي زادت وطأتها مع قدوم فصل الصيف وموجات الحر الشديد!
وهنا نتساءل كيف واجهت الجهات المعنية الأمر، خاصة مع وجود أكثر من 1,8 مليون مواطن بحاجة إلى مساعدة عاجلة للحصول على مياه الشرب، وفق ما أعلنه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة «أوتشا» بتاريخ 24/6/2024؟!
العطش ينتهك مناطقنا الساحلية!
في اللاذقية، كما حال معظم المحافظات، بات الحصول على «دوش» صيفي في هذه الأجواء الحارة والدبقة من الكماليات، وبات أيضاً للتنظيف موعد غير مؤكد، ولسقاية المزروعات برنامج غير واضح، فقد أصبح شريان الحياة شبه مقطوع عن المنطقة الساحلية عموماً واللاذقية خصوصاً، حتى على مستوى مياه الشرب بحدودها الدنيا!
فجارة البحر تعيش أياماً جافة يعجز فيها سكانها عن إيجاد حاجتهم من مياه الشرب، فما بالك بباقي الاحتياجات، من نظافة وزراعة وأعمال!
فأزمة المياه وانقطاعها شبه الدائم لم يقتصر على أرياف المحافظة فقط، بل شملت الكثير من أحياء المدينة أيضاً (بسنادا- سقوبين- سنجوان- مروراً بالدعتور وتشرين والرمل الشمالي- كذلك الفاروس والمشروع السابع- إضافة إلى صليبية والعوينة...) والقائمة تطول!
فالانقطاع شبه دائم للمياه، ومنذ ما يزيد عن الشهر في بعض المناطق، الأمر الذي دفع العديد من الأسر إلى اللجوء للصهاريج، التي استغل أصحابها الأزمة فوصل سعر برميل المياه الواحد لما يزيد عن 12 ألف ليرة، وكعائلة مكونة من 5 أفراد تحتاج إلى ما يقارب البرميلين يومياً، أي ما يعادل 25 ألف ليرة يومياً، أي ما يقارب راتب موظف بالحد الأدنى أسبوعياً!
فأي عائلة تستطيع تحمل هذا العبء الكبير الذي لا بديل عنه، فهل تستقيم الحياة دون ماء؟!
وأمام تفاقم أزمة مياه الشرب في اللاذقية ماذا فعلت الجهات المعنية؟
وكيف واجهت الأمر؟
اجتماعات وتوجيهات بنتائج خجولة!
بتاريخ 11/6/2024 عقد المكتب التنفيذي لمحافظة اللاذقية جلسة برئاسة المحافظ عامر اسماعيل هلال بحث خلاله واقع مياه الشرب وإجراءات المؤسسة لتحسين واقع التغذية والضخ.
وبرغم الوعود والجهود الحثيثة، وفق ما نشره المكتب الصحفي للمحافظة، إلا أن الواقع لم يتحسن قيد أنملة، بل ازدادت المشكلة وتفاقمت!
فكعادة الجهات الرسمية لم يكن الاجتماع سوى لذر رماد في العيون، فلم يثمر عنه شيء يذكر بالملموس لحل المشكلة على المدى البعيد وبشكل نهائي ومستمر!
وما يثير الاستغراب حقاً هو أنه وعلى الرغم من كميات الهطولات المطرية الكبيرة خلال الشتاء الماضي، خاصةً في المناطق الساحلية، إلا أن أزمة المياه هذا الصيف هي الأشد، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على انعدام التخطيط الحكومي، وغياب الدور الفعال لمؤسسات الدولة المعنية!
والأمر لم يقف هنا، فبعد علو أصوات الآلاف من المواطنين، ووصول العديد من الشكاوى إلى الصحف المحلية والمواقع الإخبارية، قرر محافظ اللاذقية التحرك الميداني، ربما يستطيع درء كارثة إنسانية صحية على مشارف التعمق والتوسع في المحافظة!
ومن جملة ما قام به المحافظ هو الإشراف على عمل اللجنة المكلفة بالتدقيق في عمليات ضخ مياه الشرب من محطة نبع السن، كما وقام بجولة لضبط بعض المخالفات أزال خلالها بعض التعديات على الشبكة، رافقه تصريح عن وضع استراتيجية عمل لضبط الهدر ومعرفة أسبابه، والحلول اللازمة التي تمحورت حول تشكيل لجنتين، الأولى مهمتها دراسة كميات المياه المنتجة والمسلمة والموزعة، أما الثانية فمهمتها تأمين مياه الشرب للأحياء المحتاجة، وفق ما نشرته صحيفة الوطن بتاريخ 4/8/2024!
ومن طريف الحلول، المجتزأة والترقيعية واللحظية، كان الأمر الإداري رقم «17» الذي أصدره محافظ اللاذقية الأسبوع الماضي، والقاضي بوضع صهاريج مياه من الجهات العامة تحت تصرف اللجنة المشكلة في المحافظة، برئاسة عضو المكتب التنفيذي لقطاع المياه ومجالس المدن والبلدان، لتأمين المياه للأهالي في التجمعات السكانية التي يوجد فيها اختناقات بتوزيع مياه الشرب!
وعلى إثره تم الإعلان عن وضع مجموعة من الصهاريج من «مديرية الخدمات الفنية- مؤسسة المياه- الموارد المائية- الزراعة- فوج الإطفاء»، لتعبئة المياه تحت إشراف المؤسسة العامة لمياه الشرب، وتأمين المياه وفق الاحتياج!
لكن المشكلة أكبر من ذلك الحل الجزئي والمؤقت بكثير، فهي معممة على مستوى المحافظة، وتفريغ الصهاريج التابعة للجهات أعلاه لا يعدو أنّه أعراض نخوة مفاجئة، ستزول مع انسحاب هذه الصهاريج من العمل تباعاً، لتعود إلى عملها المعتاد بحسب مهام جهاتها، ولتبقى أزمة المياه تتفاقم على مستوى المحافظة!
المشكلة ليست بجديدة وهي متفاقمة ومتسعة!
سيناريو المنطقة الساحلية هو سيناريو متكرر في جميع المحافظات، فها هم مواطنو ريف دمشق يرفعون أصواتهم، علّ شكواهم تصل إلى المعنين!
والأمر ذاته شح في المياه وانقطاع لساعات طويلة، إضافة إلى تأخر صيانة الأعطال في المناطق التي تعتمد على الآبار والغطاسات، بالإضافة إلى انعدام التنسيق الأزلي بين مؤسستي المياه والكهرباء!
وأرجع مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي في دمشق وريفها عصام طباع، تفاقم أزمة المياه في ريف العاصمة السورية إلى شح المصادر المائية، ونقص الطاقة والهدر في شبكات المياه!
وليست دمشق وريفها من يعاني فقط، فمحافظات المنطقة الجنوبية (السويداء ودرعا وريفهما) لها تاريخ حافل ونصيب وافر من الوعود الرسمية بتحسين واقع الضخ، والعمل على صيانة الأعطال!
لكن إلى متى، لا أحد يعلم؟!
فشماعة الذرائع الرسمية ما زالت موجودة، ومبرراتها لم ولن تنتهي!
حلول حكومية مبتكرة!
في ظل أزمة العطش التي استباحت البلاد والعباد جل ما خرجت به الحكومة حلول خلبية ووعود زائفة!
فبالإضافة إلى التوجيه الحكومي مطلع الشهر الحالي من أجل التنسيق بين مؤسسة المياه والكهرباء من أجل حل جزء من مشكلة المياه، وإعداد مذكرة بهذا الشأن، لم يتم الإعلان عما حل بها حتى تاريخه، قرر مجلس الوزراء بجلسته الأسبوع الماضي الموافقة على تخصيص وزارة الموارد المائية بمساحة من عقار حراجي في منطقة الشقراء العقارية التابعة لمحافظة اللاذقية لإنشاء خزان بيتوني، ومساحة من أجل طريق لتطوير وتأهيل نبع قاسم لإرواء القرى في المنطقة!
لكن ما هي المدة الزمنية لتنفيذ هذه المشاريع، لا أحد يعلم؟!
وكم سيبقى المواطن المنهك تحت وطأة العطش والاستغلال؟
وهل ستجدي هذه المشاريع وتغطي الحاجة فعلاً؟
فلا توجد دراسات وخطط استراتيجية واضحة، مما يؤكد اعتباطية القرارات الحكومية والتوجيهات الرسمية، وبعدها كل البعد عن واقع المواطن ومآسيه المعاشة!
مشاريع مكلفة مقابل هدر الموارد!
عاد الحديث الرسمي حول مشروع تحلية مياه البحر للسطح مجدداً، هذا المشروع القديم الذي غاب منذ فترة، ليعاد طرحه خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، وبتهليل كبير!
وهنا نتساءل هل فكر المعنيون بكل الموارد المائية المهملة وغير المستثمرة، قبل التفكير بمشروع تحلية مياه البحر المكلف؟!
وبهذا الصدد من الجدير التذكير بما دونه الباحث والخبير الجيولوجي الأستاذ الجامعي د. محمد رقية في عام 2021 عن مشروع محطات تحلية مياه البحر عندما طرح بذلك العام:
قبل أن تفكروا بهكذا محطات غير العملية خذوا حقكم من مياه دجلة والفرات!
فكروا بالاستفادة من أكثر من مليار متر مكعب من المياه التي تذهب هدراً إلى البحر كل عام في المناطق الساحلية بإقامة السدات والسدود ومشاريع الري ومشاريع مياه الشرب!
فكروا في استثمار الينابيع العذبة البحرية، التي حددناها بالمسح الجوي الحراري في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد عام 1998، وأهمها:
نبع الباصية جنوب مدينة بانياس الذي يشكل مياهاً عذبة ضمن البحر بقطر 800 م بسبب تصريفه العالي.
منطقة العيون شمال طرطوس.
نبع السن البري والبحري إلى الشمال من مدينة بانياس.
فكروا باستثمار المياه في جبل الشيخ والجولان، التي يذهب الجزء الأكبر منها باتجاه الأرض المحتلة، ويستفيد منها الكيان الغاصب لأرضنا.
أديروا موارد المياه المتوفرة بشكل سليم وسنكون بخير!
هل فكر المعنيون بكل الموارد المائية المهملة وغير المستثمرة قبل التفكير بمشروع تحلية مياه البحر المكلف
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187