توضيحات رسمية حول الدعم النقدي لا تقل التباساً وذرائعية عما سبقها!
في حديث توضحي جديد منقول عبر وسائل الإعلام عن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية عن آلية الدعم النقدي المستحدثة أن «أغلبية أشكال الدعم تستهدف السلعة ولا تستهدف وفق مبادئ العدالة الاجتماعية المستحق الفعلي».
العبارة المقتضبة أعلاه تعيد إلى الأذهان مجدداً التساؤل المشروع حول من يستحق الدعم ومن لا يستحقه وفقاً للرؤية الرسمية عن العدالة الاجتماعية؟!
ولا ندري ما في جعبة الحكومة بعد التحول إلى الدعم النقدي من شرائح جديدة سيتم استبعادها منه تحت عنوان العدالة الاجتماعية المزعومة!
فالآليات التي تم اتباعها سابقاً بهذا المجال أخرجت الكثير من الشرائح الاجتماعية من مظلة الدعم، وبالضد من مبدأ العدالة الاجتماعية، فغالبية السوريين باتوا بحاجة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى، باستثناء القلة الناهبة والفاسدة التي تستفيد عملياً من ملف الدعم واعتماداته ومخصصاته، سواء كان هذا الدعم عينياً أم نقدياً!
وبهذا الصدد زاد الوزير من الإيضاح بقوله: «لكي تصل المادة في شكل الدعم الحالي إلى المستحق النهائي يوجد ضعفاء نفوس ومحاولات تكسب من خلال حالات فساد مع الهدر نتيجة توفر المادة المدعومة بقيمة صغيرة».
ويضيف: «تطورت المبالغ المخصصة للدعم مع تغيرات الأسعار وارتفاعها، والحاجة إلى الاستيراد بدلاً من أن تكون محلية ومع حالة التضخم أصبح عبؤها كبيراً»!
ولمزيد من التوضيح يقول الوزير: «ذلك بمجمله سبّب عبئاً مادياً كبيراً على مالية الدولة وعلى الوضع الاقتصادي بانعكاسه على سعر صرف الليرة وعلى ارتفاع الأسعار في السوق»!
فعلى الرغم من أن الإيضاحات أعلاه فيها اعتراف بحجم الفساد الذي طال ملف الدعم طيلة السنوات السابقة، إلا أنها تفتقد إلى الاعتراف بأن التحول إلى الدعم النقدي لن يحول دون استمرار حالات الفساد والهدر فيه، فالتبريرات أعلاه لا يمكن اعتباره إلا تبريرات ذرائعية لتسويق الانتقال إلى الدعم النقدي بدلاً من العيني!
فجزء رئيسي من المكاسب التي يتم جنيها من ملف الدعم تتمثل بالتكاليف المحسوبة على السلع والمواد التي تندرج ضمنه، والتي تقتطع منها هوامش النهب والفساد والهدر وغيرها من التكاليف المضافة التي تضخم التكلفة عملياً، وهذه التكاليف ستستمر على ما هي عليه، ولن تؤثر عليها آليات الدعم سواء كانت عينية أم نقدية!
والجزء الآخر من المكاسب النهبوية يتم جنيها من خلال وضع سقوف للمخصصات أقل من الحاجات الفعلية، ما يعني فتح البوابات المشرعة للسوق السوداء لتأمين استكمال هذه الحاجات عبر شبكاتها وبأسعارها الكاوية، وهذه أيضاً ستستمر على ما هي عليه طالما بقيت المخصصات مسقوفة وأقل من الحاجة الفعلية!
أما بخصوص الحديث عن «الحاجة إلى الاستيراد بدلاً من أن تكون محلية» ففيه الكثير من الإدانة للسياسات الرسمية تجاه الإنتاج المحلي والصعوبات والعراقيل التي تحول دون الاستمرار بعتبة الإنتاج والإنتاجية على ما كانت عليه، بل تدفع بها إلى عتبات تراجعية عاماً بعد آخر، ولعل محصول القمح خير دليل على ذلك بمؤشرات إنتاجه المتراجعة كل عام!
بجميع الأحوال فإن الحكومة ماضية بسياساتها بما يخص ملف الدعم، فعبر الانتقال من العيني إلى النقدي يبدو انها ستقلص عدد المستفيدين منه ضمن رؤيتها للعدالة الاجتماعية، عبر آليات الفرز التي ستتبعها على مستوى من يستحق ومن لا يستحق الدعم النقدي هذه المرة، توافقاً مع نهجها المتمثل بتخفيض الدعم إلى أبعد الحدود، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل التضخم المعترف بها رسمياً، لكنها ستكون عاملاً إضافياً لتقليص الدعم عملياً من خلال تآكل القيمة الشرائية للبدل النقدي الذي قد لا يتم أخذ متغيرات الأسعار الفعلية مقابله!
فالواضح والجلي تماماً أن الحكومة ستستمر بالمحافظة على ملف الدعم، وهو ما تؤكد عليه دائماً، ليس من أجل الحفاظ على مصلحة المواطنين ممن سيتبقى منهم مستحقاً له، بل من أجل الحفاظ على بوابات الفساد والنهب بعمقه!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1183