الكتاب المدرسي لم يعد مدعوماً وكذلك التعليم؟!

الكتاب المدرسي لم يعد مدعوماً وكذلك التعليم؟!

أعلنت المؤسسة العامة للمطبوعات بتاريخ 6/7/2024 عن رفع أسعار الكتب المدرسية للمرحلة الثانوية بنسبة 100%، وذلك اعتباراً من مطلع العام الدراسي 2024-2025.

حسب تصريحات مدير مؤسسة المطبوعات والكتب المدرسية فهمي الأكحل، لموقع «أثر برس» فإنه تم رفع أسعار الكتب للمرحلة الثانوية، وللمدارس الخاصة والمدارس الافتراضية ومدارس المنظمات الدولية بنسبة 100% بعد تعديلها، حيث وصل سعر كتاب الفيزياء للثانوية العلمية إلى 17300 ليرة سورية، وكتاب الرياضيات إلى 18400 ليرة، أما كتاب اللغة العربية فبسعر 20600 ليرة، وكتاب الجغرافيا بسعر 19500 ليرة.

مبررات وذرائع!

ذرائع زيادة الأسعار ليست بجديدة، فشماعة ارتفاع التكاليف حاضرة دائماً لدى الرسميين، وعليه فقد أرجع مدير مؤسسة المطبوعات والكتب المدرسية فهمي الأكحل السبب إلى ارتفاع سعر الورق وكلفة الطباعة، مضيفاً «إن كلفة صفحة الكتاب الواحدة أصبحت 200 ليرة سورية.»
على ذلك يبدو أن مؤسسة المطبوعات تجاوزت مفهوم دعم الكتاب المدرسي للمرحلة الثانوية وبدأت تحذو حذو مثيلاتها من المؤسسات الحكومية بحسابات تكاليفها واعتماد أسعارها، وضمناً التكاليف المتضخمة المتضمنة بعض هوامش النهب والفساد طبعاً!
فالتكلفة المعلنة أعلاه معممة على مطبوعات الكتب المدرسية كافة لكل المراحل التعليمية، على ذلك فإن نسخة الكتب التي يحتاجها طلاب مراحل التعليم الأساسي (حلقة أولى وثانية)، والتي سيتم شراؤها من مستودعات الكتب المدرسية، سيتم تسعيرها وفقاً لسعر التكلفة المعلن عنه أعلاه، وأيضاً بزيادة وقدرها 100%!
فأسعار الكتب المبينة أعلاه لا تختلف كثيراً عن أسعار الكتب المطبوعة في المطابع الخاصة بدور النشر والمباعة في المكتبات مع هوامش أرباحها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الورق المستخدم لطباعة الكتب المدرسية أقل جودة نسبياً من الورق المستخدم لطباعة الكتب في دور النشر الخاصة!
ومن الواضح أن التكلفة التي صرح عنها مدير المؤسسة، البالغة 200 ليرة/صفحة، مبالغ بها، فعند سؤالنا للعديد من المكتبات وبعض بائعي الأحبار في منطقة الحلبوني بدمشق تبين أن تكلفة طباعة الورقة الواحدة لا تتعدى 100 ليرة (ثمن ورق وأحبار فقط) يضاف إليها بعض التكاليف الأخرى مع هوامش الربح، والتي لا تصل إلى 200 ليرة/ورقة، وهي الأسعار التي يتم تقاضيها عند طباعة بعض الأوراق والكراسات أو مشاريع التخرج وغيرها!
مع العلم أن مؤسسة المطبوعات تطبع ملايين الكتب سنوياً، وتؤمن مستلزماتها من ورق وأحبار وغيرها بأسعار الجملة افتراضاً، وكذلك من المعروف أنه كلما زادت كمية الكتب المطبوعة انخفضت التكلفة، وبالتالي من المفترض أن ينعكس ذلك على الأسعار!
وعليه نتساءل من أين أتت نسبة الزيادة التي وصلت إلى 100٪؟
وما مدى دقة حسابات التكلفة الواردة في التصريحات الرسمية أعلاه؟

أسعار الكتب والضرورات المدرسية تبتلع أجور نصف عام!

لم يتفاجأ المواطن بقرار رفع أسعار الكتب أعلاه، إذ طالما اعتاد من حكومته أن تحاربه بلقمة عيشة وقوت أسرته، والآن بحق أبنائه في الحصول على تعليم مجاني كفله القانون!
ولكنه بالمقابل تساءل عن سبيل تغطية تكاليف تعليم أبنائه في ضوء الأسعار الجديدة للكتب وغيرها من مستلزمات العملية التعليمية وضروراتها؟!
حيث ستصل تكلفة نسخة الكتب للصف الأول الثانوي إلى ما يتجاوز 145 ألف ليرة، في حين كانت العام الماضي 60 ألف ليرة، كذلك نسخة الكتب للصف الثاني الثانوي التي ستتجاوز 150 ألف ليرة، أما الثالث الثانوي فقد تتجاوز مبلغ 175 ألف ليرة!
وبالنظر لمعدلات أسعار نسخ الكتب أعلاه يتبين أنها في أحسن أحوالها تعادل نصف راتب الموظف، وبحال كان لدى هذا الموظف طالبين، وليس بالضرورة بالثانوية فقط، فطلاب مرحلة التعليم الأساسي يحتاجون غالباً إلى نسخة كتب جديدة أيضاً بسبب سوء وتلف النسخ الموزعة في المدارس، فإن قيمة الكتب وحدها ستبتلع أجره الشهري، ومع بقية اللوازم المدرسية من ألبسة ودفاتر وقرطاسية وغيرها، بالإضافة إلى الاضطرار للجوء إلى الدروس الخاصة التي أصبحت ضرورة حتى لتلاميذ الحلقة الأولى بمرحلة التعليم الأساسي، فإن العجز سيكون حائلاً أمامها، بحيث يتم ابتلاع أجر الموظف لمدة 6 أشهر على أقل تقدير، ومع ذلك هناك من يتغنى من الرسميين بمجانية التعليم، التي تهاوت وسقطت بالواقع العملي!

زيادة قادمة على رسم التعاون والنشاط!

خلال جلسة مجلس محافظة دمشق بتاريخ 10/7/2024 لفت مدير التربية بدمشق الدكتور عبد الحكيم الحماد إلى «وجود لجان وزارية قانونية تدرس زيادة بسيطة لرسم التعاون والنشاط الذي يدفعه الطالب للمدرسة لتتمكن المدارس من تأمين اللوازم الضرورية للعملية التعليمية».
لن نقف عند فكرة دراسة فرض زيادة على رسم التعاون والنشاط واللجان الوزارية المفرغة لهذه الدراسة، الذي يعتبره الرسميون «رمزياً» بينما قد يكون عبئاً على المفقرين، وخاصة من لديه العديد من الأبناء في المدارس، لكن سنقف عند المبرر المعلن «لتتمكن المدارس من تأمين اللوازم الضرورية للعملية التعليمية»!
فهذا المبرر يعني ضمناً مزيداً من التخلي الحكومي عن تأمين مستلزمات العملية التعليمية في المدارس، نتيجةً لسياسات خفض الإنفاق العام وتخفيض الدعم على العملية التعليمية، وتركها بعهدة ومسؤولية كادرها الإداري ومن مصادر تمويلها المتمثلة برسم التعاون والنشاط الذي تتم جبايته من الطلاب والتلاميذ كل عام!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن إجمالي هذا الرسم الذي يتم جمعه من الطلاب في المدارس لا يغطي إلا بعض المستلزمات الضرورية للعملية التعليمية فقط، بينما يتحمل بعضها الآخر المدرسون في كثير من الأحيان، مع تحميل الطلاب والتلاميذ جزءاً إضافياً منها، مثل أوراق المذاكرات والامتحانات أو أقلام السبورة وغيرها، لتسقط بالمقابل الكثير من المستلزمات المكلفة الضرورية للعملية التعليمية في المدارس، وليتهاوى معها شعار مجانية التعليم، وصولاً إلى تسجيل المزيد من التردي والتراجع على مستوى مدخلاته ومخرجاته!

تفاقم ظاهرة التسرب المدرسي!

فهل من المستغرب بعد كل ما سبق زيادة تفاقم ظاهرة التسرب المدرسي؟!
فهذه الظاهرة باتت معممة وفاقعة لتشمل نسبة متزايدة من طلاب وتلاميذ مرحلة التعليم الأساسي (حلقة أولى وثانية) والتي يشملها التعليم الإلزامي افتراضاً، بالإضافة طبعاً إلى مرحلة التعليم الثانوي غير المنظورة والمحسوبة بالإلزام، بسبب التكاليف المرهقة للأهل، وبسبب الفقر الذي يدفع ببعض الأهالي إلى استثمار إمكانات أبنائهم في سوق العمل كي يتحملوا معهم تكاليف المعيشة المرتفعة والمتزايدة!
فعمالة الأطفال في السن المدرسي تتزايد، سواء في بعض الأعمال المهنية أو في الأعمال الهامشية، ومشاهد بائعي بسطات الخبز من الصغار باتت مألوفة، وكذلك تتفاقم ظاهرة نابشي القمامة والمتسولين!
وفي ظل الاستمرار بهذا النهج وبهذه السياسات، وفي ضوء سلسلة القرارات الرسمية غير المسؤولة، نتساءل مع غيرنا كيف سيكون الحال بعد عدة أعوام من الآن، وما هو المستقبل المنشود رسمياً بعد هذا التفريط بإلزامية التعليم ومجانيته؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183