جرمانا المدينة القلقة التي لا تنام... وتئن تحت وطأة انعدام الخدمات شبه التام!

جرمانا المدينة القلقة التي لا تنام... وتئن تحت وطأة انعدام الخدمات شبه التام!

كما في كل مرة، تباينت المواقف مؤخراً بين مؤيد ومعارض حول التجمعات الأهلية التي نزلت إلى الشوارع اعتراضاً على واقع مدينة جرمانا المزري، والمطالبة ببعض أبسط الحقوق!

فمعاناة السكان كبيرة ومستمرة نتيجة تردي وسوء الوضع الخدمي فيها، فلا يكاد يخلو حي من مشكلة في الصرف الصحي أو من الحفريات أو من أكوام القمامة، والأهم المشكلة الشاملة المركبة من الانقطاع الكهربائي وانعدام التزود بالمياه!

كثافة سكانية واحتقان متزايد!

الكثافة السكانية كبيرة في جرمانا، وقد رافقها توسعٌ عمراني عشوائي كبير، ولكن على البنى التحتية القديمة والمتهالكة نفسها، سواء صرف صحي أو كهرباء واتصالات، وحتى الطرقات وشبكة المياه!
فمشاكل مدينة جرمانا المتراكبة ليست وليدة السنة الحالية أو التي سبقتها، بل هي جملة من المشاكل القديمة والمتفاقمة والمزمنة منذ ما قبل انفجار الأزمة، وما زالت مستمرة من سيء إلى أسوء حتى الآن، رغم وعود المعنيين بإيجاد حلول جذرية من خلال تصريحاتهم الإعلامية أو جولاتهم وزياراتهم الميدانية، غير أن المواطن لم يلمس أي تحسن يذكر بشأنها، فكل الوعود المقطوعة لم تكن إلا لذر للرماد في العيون!
ومع عدم كفاية الإمكانيات المادية للبلدية، المسؤولة افتراضاً عن الخدمات ناحية الاعتمادات والإيرادات والتنفيذ، واستهتار الجهات الخدمية في محافظة ريف دمشق، واللامبالاة الشديدة من الوزارات المعنية، تفاقمت المشاكل دون طرح أية حلول شافية لها، ولو بالحدود الدنيا وبما يخفف من حالة الاحتقان المتزايدة لدى أهلها وسكانها!

اكتظاظ مدينة وخدمات أسوأ من أصغر بلدة ريفية!

تكتظ جرمانا اليوم بما يقارب 2 إلى 3 ملايين نسمة، حسب ما يتم تناقله في الأوساط غير الرسمية، وهنا وجب التنويه إلى غياب الإحصائيات الرسمية حول عدد سكان هذه الرقعة الجغرافية الممتدة عشوائياً والمهملة؛ والتي تتجمع فيها أطياف مجتمعية من محافظات القطر كافة، بل ومن خارجه أيضاً!
ويبدو أن الاعتمادات المخصصة للمدينة وإيراداتها محدودة وعاجزة عن تأمين الخدمات الكافية للعدد الكبير من سكانها ولمساحتها المتسعة، وخاصة ناحية ترحيل القمامة وصيانة الطرقات وشبكات الخدمات العامة، من كهرباء وصرف صحي ومياه وغيرها، وهو حديث مكرر من قبل مسؤولي البلدية، ويبدو أن محافظة ريف دمشق، ووزارة الإدارة المحلية والحكومة من خلفها، ما زالت تعتبر المدينة عبارة عن رقعة جغرافية صغيرة، كما كانت مليئة بالبساتين، ولا يتعدى عدد سكانها الـ٢٥٠ ألف نسمة، تهرباً من المسؤوليات ومن استدراك حجم النمو والاكتظاظ الهائل الذي شهدته هذه المدينة، مع ما يجب أن تكون عليه خدماتها مقابل ذلك!
والأمر على هذا النحو تجاوز الاستهتار واللامبالاة، فجميع الرسميين وعلى مستويات المسؤولية كافة يعلمون علم اليقين بالواقع الخدمي السيئ والمتردي للمدينة، وسبق لسكان المدينة أن طرقوا جميع الأبواب الرسمية مراراً وتكراراً من أجل ذلك دون جدوى!

شوارع جرمانا لوحات فسيفسائية مرقعة!

يوجد في مدينة جرمانا شارع رئيسي وحيد وقديم يمتد من أول المدينة إلى آخرها، وهو ضيق جداً، ويغدو أكثر ضيقاً بسبب اصطفاف السيارات على طرفيه، بالإضافة إلى الإشغالات الخاصة، فمولدة مطعم من هنا وبعض الطاولات من هناك، وأحياناً بسطات مترامية، وخاصة على زوايا ونواصي الحارات الفرعية فيه، وكل هذا على مرأى من البلدية وبترخيصٍ منها لتحصيل بعض الرسوم، أو مع غض الطرف من باب المحسوبية، كل هذا حول الشارع الرئيسي الوحيد في جرمانا لشارع بمسرب واحد للسيارات في كل من طرفيه، يعاني الازدحام الشديد طيلة الوقت، مما يجعل الوصول إلى آخر المدينة يستغرق رحلة مدتها ساعة كاملة في أحسن الأحوال!
ورغم الوعود الكثيرة منذ أكثر من سنة عن دراسة لتحويل بعض الخطوط للشوارع الفرعية، غير المؤهلة فعلياً، ورغم ذلك لم ينفذ شيء حتى تاريخه!
والمشكلة لا تكمن هنا فحسب، فمدينة كبيرة مترامية الأطراف كجرمانا، وبهذا التعداد السكاني الكبير، تحتاج إلى الكثير من الشوارع الرئيسية لتتصل بشوارع فرعية تغطي المدينة وتلبي حاجة المواطن والفعاليات الاقتصادية فيها!
فنتيجة الوضع الحالي لا يعاني المواطن من شدة الازدحام وهدر الوقت وحسب، بل أيضاً يحتاج إلى السير ما يقارب النصف ساعة للوصول إلى بيته من موقف الباص في الشارع الرئيسي!
ولكم أن تتخيلوا حجم معاناة الموظف ورب الأسرة أثناء عودته إلى منزله سيراً على الأقدام وهو يحمل أكياساً من المستلزمات اليومية ويلهث من شدة التعب، سواء في أيام الصيف الحارة أو أيام الشتاء قارسة البرودة، وكذلك معاناة طلاب الجامعات والمدارس!
وما هو أعظم من ذلك أنه رغم ضيق الشوارع وعدم تلبيتها لحاجة المواطن إلا أنها أيضاً مليئة بالحفر الكبيرة والصغيرة، والتي تعج بالغبار صيفاً وتصبح طينية شتاءً، وتحتاج إلى تعبيد بمعظمها، فهناك طرقات ومنافذ لا تزال ترابية، وطرقات أخرى مرقعة ببقع أسفلت هنا وهناك، حتى الشارع الرئيسي في أجزاء كثيرة منه يحتاج إلى صيانة وترميم!

مشكلة الصرف الصحي ومصيدة الريكارات!

مشكلة الصرف الصحي في جرمانا معضلةٌ كبيرة وخطرة تعاني منها معظم الأحياء، وخاصة الشعبية ذات الكثافة السكانية الأعلى!
ففي كثير من الأحيان تطوف شبكة الصرف الصحي وتغرق البيوت الأرضية والأقبية وتملأ الشوارع، ورغم الشكاوى العديدة إلا أن الوضع من سيء إلى أسوأ!
موضوع خطير لا يستطيع المواطن الصبر معه ولا تدبير أموره بالمتاح، فنحن هنا أمام كارثة صحية سببها قدم القساطل وزيادة الكثافة السكانية، ما يتطلب إنشاء شبكة صرف صحي جديدة، أو إجراء إعادة تأهيل للشبكة القديمة وصيانة كاملة لها لتحسين وضعها الخدمي بما يلبي الحاجة منها، إلا أن الجهات المعنية قد صمت آذانها وأغلقت أعينها عن كل ذلك!
بالإضافة إلى ذلك تشكو المدينة أيضاً من عدم وجود أغطية لبعض الريكارات المتروكة مفتوحة، الأمر الذي يتسبب ببعض الحوادث للأشخاص جرّاء التعثر والسقوط بها في بعض الأحيان، وخاصة في الليل بسبب العتم جراء انعدام الإنارة في الشوارع!

1183-5

الكهرباء والماء قصصٌ وحكايات لا تنتهي!

المشكلات هنا كثيرة تبدأ بعدم انتظام برنامج التقنين، وصولاً إلى الإجحاف الكبير به مقارنةً بأحياء العاصمة، وليس انتهاءً بقدم شبكة الكهرباء وأعطالها الكبيرة، حيث شهدت العديد من أحياء جرمانا انقطاعات كهربائية تجاوزت 72 ساعة!
هذا بالإضافة إلى الأسلاك الكهربائية المتدلية، أو تلك المربوطة بقطعة خشبية بغية إبعادها عن بعضها، كذلك الانفجارات المتلاحقة ضمن الشبكة الكهربائية، الكابلات والخزانات، وكل ذلك وسط إهمال للجهات المسؤولة، رغم عدد الشكاوى الكبير التي تؤول بلا جدوى، ووسط عدم مبالاة قسم طوارئ الكهرباء وعدم اكتراث البلدية، وبرامج التقنين المجحفة، فلا حياة لمن تنادي!
أما عن واقع المياه فحدث ولا حرج فليس هناك برنامج موحد لضخ المياه التي تناساها مواطنو جرمانا منذ بداية فصل الصيف، وما فاقم الوضع أكثر هو تردي الواقع الكهربائي نتيجة ارتباط توريد الماء بتوفر الكهرباء، فاعتمادهم الأساسي بات على الصهاريج تحت شعار مجبرٌ آخاك لا بطل، فلا بديل آخر سواها رغم تكلفتها المرتفعة والباهظة، استغلالاً ونهباً من قبل المتحكمين بها!
فرغم الحديث عن تخصيص خط معفى من التقنين من أجل ضخ المياه في الشبكة، لكن بالواقع الملموس لم يتغير شيء، ليس هذا فقط، بل تم تخفيض عدد ساعات الوصل الكهربائي بعد وصل ما يسمى بالخط المعفى الذي سمع عنه الأهالي ولم يلمسوا جدواه، وعليه خسر أهل جرمانا الكهرباء والماء معاً!
فأين أصبح الخط المعفى من التقنين المخصص لضخ مياه الشرب، فالأزمة ما زالت موجودة وتتفاقم؟!
وهل صحيح ما يجري تداوله عن تواطؤ بعض الناهبين مع بعض النافذين وتحويل الخط المعفى المخصص للمياه لباب ترزق تحت مسمى خط ذهبي وضع للاستثمار بالأمبيرات، رغم عدم وجود مولدات لهذه الغاية؟
فخطوط الأمبير بدأت تتسلل للمدينة، رغم الاعلان الصريح عن معارضة البلدية دخول الأمبيرات إلى المدينة!

مشكلات إضافية!

النظافة واقع لا يسعنا وصفه بأكثر من معدوم للأسف، فأقل ما يمكن قوله هنا أن زوايا معظم الأحياء مليئة بالقمامة، فرغم وجود الحاويات إلا أنها لا تكفي من حيث العدد، فانتشارها لا يغطي الحارات الفرعية كافة، عدا عن افتقاد عدد كبير من الشوارع والأحياء السكنية لها، فعدا عن المظهر غير الحضاري وما يرافقه من روائح كريحة، هناك الجانب الصحي!
فهذه المكبات العشوائية المتروكة لعبث الحيوانات الشاردة والقوارض، تعتبر بيئة خصبة لنمو الحشرات والذباب وما تنشره من أمراض وأوبئة وسط إهمال رسمي واضح، يبدأ من قلة عدد الحاويات الموجودة لانعدام وجودها في بعض الأحياء، وصولاً إلى عدم ترحيلها بمواعيد ثابتة، بالإضافة إلى نقص عدد عمال النظافة، وطبعاً لا مبيدات ولا من يحزنون أيضاً!
ومما يزيد الطين بلة في المدينة هي ظاهرة النباشين التي زادت الأمر سوءاً فيها على مستوى بعثرة القمامة، بالإضافة إلى المتسولين المتزايدة أعدادهم بشكل كبير كظاهرة مستجدة بضخامتها نتيجة سوء الوضع المعيشي وتزايد الفقر، ولا ننسى بهذا السياق بقية الظواهر السلبية الهدامة، مثل الدعارة والمخدرات، لتتضافر السلبيات من كل حدب وصوب لتشوه ما تبقى من روح حية ونظيفة في المدينة!
فالزائر لمدينة جرمانا يستطيع الجزم بأنها لوحة كاريكاتورية تراجيدية تعكس حجم التقصير والتقاعس والإهمال الرسمي تجاه ملايين المواطنين، القاطنين في دهاليز شوارعها الممتلئة بالقمامة والطرقات المحفرة ومشاكل الصرف الصحي في كل مكان وحي!

بين الإنهاك المتعمد والاحتقان!

كل ما سبق من مشاكل وأزمات مزمنة غير محلولة عزز وفاقم من حالة الاحتقان عند السكان، حيث وجد بعضهم أن النزول إلى الشوارع للتعبير عن حال الاستياء والاعتراض على ما وصلت إليه حال مدينتهم من ترهل مقابل اللامبالاة والاستهتار الرسمي بحقوقهم، بل بأدنى حق من هذه الحقوق وهو الحصول على الماء كمطلب حق قذفت به رياح الاستهتار الرسمي!
وهذه ليست المرة الأولى، فاللامبالاة الرسمية دفعت بالبعض العام الماضي إلى النزول إلى الشوارع والمطالبة بأبسط الحقوق، ليحصلوا بالمقابل على وعود فقط!
ففي أحسن الحوال، وكتجاوب مصطنع من قبل المسؤولين، يتحسن الوضع جزئياً وبشكل نسبي ومحدود زمنياً، لكن ما يلبث أن يعود إلى أسوء من ذي قبل!
فالتلاعب بساعات التقنين، بين الفترة الصباحية والمسائية والليلية، بات ملعب المسؤولين عند زيادة الاحتقان الشعبي وصولاً إلى النزول للشوارع، وفي كل مرة يتم العبث بالبرنامج المعلن لتتفاقم مشكلة الكهرباء والمياه مجدداً!
ويقول بعض المواطنين إن هذا الاجراء بحد ذاته ما هو إلا إلهاء للأهالي وصولاً إلى مرحلة الإنهاك، سواء خلال سهر الليالي من أجل تعبئة المياه مع ما يرفق ذلك من تعب وجهد، أو من خلال اللجوء إلى الصهاريج بتكاليفها المرتفعة كفاتورة شهرية مرهقة تتجاوز إمكانات الغالبية المفقرة في المدينة!
فهل سيستمر سيناريو الإنهاك المتعمد والمعتمّد، أم سيكون لرد الفعل مقابل الحقوق المهدورة حديث مغاير على الأرض؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183