سعر الصرف مستقر نسبياً ومع ذلك تستمر الأسعار بالارتفاع!
سؤال بسيط مشروع على ألسنة المواطنين بما يخص علاقة سعر الصرف بأسعار السوق، مقابل الكثير من الإجابات المعقّدة وغير الشافية من قبل الرسميين وحتى بعض الأخصائيين، مع الكثير من الإبداعات المقترحة كحلول تزيد التشوه ولا تنهيه!
فهناك ما يفقأ العين بما يخص سعر الصرف بانعكاساته على أسعار السلع والخدمات، وعلى حركة الأسواق، وعلى مجمل الأنشطة الاقتصادية في البلاد!
فسعر الصرف الرسمي مستقر نسبياً منذ فترة لا بأس بها، وهو ما يتم التغني به كإنجاز رسمي، أما سعر الصرف في السوق الموازي فما زال متذبذباً مع تسجيل انخفاض نسبي بسيط عليه، لكن بالمقابل فإن الأسعار في الأسواق للسلع والخدمات ما زالت تسجل المزيد من الارتفاعات دون أي مبرر أو ذريعة!
التساؤل عن المبررات والأسباب لا إجابات شافية عنها، فالأمر معقد بشكل يصعب على الأخصائيين سبر أغواره وصولاً إلى تحليل عوامله المتراكبة، خاصة في ظل التشوهات الاقتصادية والمالية العميقة التي تكرست خلال السنوات الماضية من خلال جملة السياسات المتبعة التي لا تقل تشوهاً!
فعلى الرغم من الاستقرار النسبي بسعر الصرف في الرسمي والموازي إلا أن سعر الصرف التحوطي الذي يتم تسعير السلع والخدمات بموجبه يبدو أنه ما زال يرتفع، بدليل الزيادات السعرية المطردة دون توقف في الأسواق!
فخلال السنوات الماضية سجل سعر الصرف الرسمي المزيد من التراجع في قيمة الليرة مقابل الدولار، في سباق محموم من التنافسية مع السوق الموازي لاستقطاب الدولار، انتقالاً من عتبة سعرية إلى عتبة سعرية أعلى، كان من نتائجها المباشرة، بالتوازي مع جملة السياسات المتبعة، وخاصة سياسات تخفيض الإنفاق العام وتخفيض الدعم وتحرير الأسعار، زيادة نسبة التضخم وسقوف مفتوحة على أسعار السلع والخدمات بالزيادة المطردة عليها استناداً للسعر التحوطي، والتي دفعت ضريبتها الغالبية المفقرة من المواطنين على حساب معاشها وخدماتها، وصولاً إلى انعدام الأمن الغذائي بنسبة تجاوزت 50% من السكان، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة!
فالاستقرار النسبي الحالي بسعر الصرف، على الرغم من كثرة التغني الرسمي به على أنه إنجاز إيجابي يسجل في خانة السياسات النقدية والمالية، لم ينعكس إيجاباً على الأنشطة الاقتصادية ومعيشة المواطنين كما هو مفترض، بل على العكس فما زالت المؤشرات تقول إن التضخم مستمر والأسعار بارتفاع، وبالتالي فإن المعرضين للانزلاق إلى عتبة الجوع من المفقرين تتزايد أعدادهم!
فهل السبب بكل ذلك هو السعر التحوطي الذي يتم التعامل به على مستوى تسعير السلع والخدمات، أم بالسياسات النقدية والمالية والاقتصادية، أم بسياسات تخفيض الإنفاق العام، أم بسببها جميعاً مع غيرها الكثير من الأسباب الأخرى التي لا تقل أهمية؟!
ومع ذلك وبعيداً عن التعقيد، أو الإجابات المكررة المبسترة والجاهزة من قبل الرسميين، أو اقتراحات بعض الحلول التي تزيد الطين بلة من قبل بعض الاقتصاديين، مثل اقتراح حذف صفر من العملة أو طباعة أوراق نقدية جديدة بقيم أعلى، أو غيرها من الاقتراحات الشبيهة التي تزيد التشوه تشوهاً والتضخم تضخماً، فالمواطن البسيط استنتج ذاتياً، وبحكم تجربته المريرة المعاشة يومياً طيلة السنوات الماضية، أن من يتحكم بسعر الصرف (الرسمي والموازي والتحوطي)، وهم شريحة القلة من كبار أصحاب الأرباح والناهبين والفاسدين، هي نفسها من تتحكم بمجمل الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وهي نفسها من تعزز التشوه وتفاقمه عبر خلق الأزمات والمزيد منها بين الحين والآخر، وهي نفسها من تجني المزيد من المرابح السهلة والسريعة على حسابه ومن جيبه، وكذلك على حساب تكريس المزيد من التشوه في بنية الاقتصاد الوطني، ووصولاً إلى التضحية بالمصلحة الوطنية، مقابل الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1183