أسعار عظيمة ومدروسة!

أسعار عظيمة ومدروسة!

«أسعار عظيمة ومدروسة... وينك يا أبو العيال» هي عبارة لافتة يبدأ العم أحمد نهاره بها في سوق الخضار بمنطقة كشكول!

عند النظر للشق الأول من عبارة العم أحمد بتعميمها وبعمقها، وإسقاطها على واقع الأسعار الحالية في الأسواق، نجدها فعلاً مدروسة، ولكنها مدروسة فقط لتحقيق الأرباح الفاحشة لمصلحة جيوب كبار حيتان السوق، وعظمتها لا تتأتى إلا من ارتفاعها الخيالي، المستمر وغير المسقوف، والبعيد عن الرقابة الجدية!
أما الشق الثاني من العبارة، المرتبط بـ «أبو العيال»، فهي ليست للتعميم، وربما المقصود بها الأسعار التي يبيع بها العم أحمد دون غيره في السوق بغاية الاستقطاب، من بوابة المنافسة المعتادة عبر هذا النمط من الترويج المتبع في أسواق الخضار عادة!
فبورصة أسعار المواد، الغذائية وغير الغذائية، لا تستقر، فكل يوم سعر جديد يختلف عن سابقه دون التقيد بالتسعيرة الرسمية طبعاً، ودون رقيب أو حسيب، بل وتختلف من محل إلى آخر دون أي تفسير، بما في ذلك ذرائع متغيرات سعر الصرف المعتادة باعتبارها مستقرة نسبياً!
فموضة ارتفاع الأسعار، وخاصة المواد والسلع الغذائية الأساسية، باتت حديث الساعة، مما عمق حالة الانفلات السعريّ في الأسواق غير المبررة، والنتيجة الطبيعية لذلك مزيد من العوز والجوع والفقر للغالبية العظمى من الأسر المفقرة!

لقمة المواطن رهن لعبة الأسعار والمتحكمين بها!

جالت قاسيون في بعض الأسواق الشعبية راصدةً المتغيرات في أسعار الفواكه والخضار، وبعض السلع الغذائية الأساسية، ومما تم رصده نختصر فنذكر الآتي:
وصل سعر كيلو السكر إلى ما يقارب 15 ألفاً، أما كيلو الأرز الفرط فيبدأ من 16 ألف ليرة وصولاً إلى 40 ألف ليرة، في حين بلغ سعر كيلو البرغل 14 ألف ليرة بحده الأدنى، أما سعر كيلو الفريكة فيبدأ من 40 ألف ليرة وصولاً إلى 50 ألف ليرة، وبلغ سعر كيلو الطحين الفرط 10 إلى 12 ألف ليرة، أما سعر كيلو الشعيرية فبلغ 14 ألف ليرة!
أما القهوة فقد تأرجحت بين 150 ألفاً وصولاً إلى 170 ألفاً للكيلو، في حين بلغ سعر كيلو الشاي الفرط 180 ألفاً، وعلبة المتة نصف الكيلو 40 ألف ليرة!
كما وصل سعر كيلو السمنة النباتية الفرط إلى 36 ألف ليرة، ولتر الزيت النباتي الفرط 25 ألف ليرة!
الفواكه لم تسلم من متلازمة الانفلات السعري أيضاً، حيث بلغ سعر كيلو الدراق 55 ألف ليرة، فيما وصل سعر المشمش إلى 40 ألف ليرة، والموز 30 ألف ليرة، والجانرك 35 ألف ليرة، والتوت الشامي العلبة بوزن نصف كيلو 25 ألف ليرة، على الرغم من بدء موسم الفواكه الصيفية، إلا أن الأسعار لا تزال مرتفعة بشكل ملحوظ، وتظل ثابتة عند الأسعار الحالية، ما ينذر بعدم انخفاضها قريباً!
الخضار كان الأرخص فيها هو البصل الذي سجل 2500 ليرة للكيلو، أما البطاطا فلم تنخفض أسعارها عن 10 آلاف ليرة للكيلو، رغم بدء موسم القلع الجديد، ورغم استيراد كمية كبيرة منها، بذريعة تخفيض وضبط أسعار هذه المادة الأساسية في السوق، إلا أن الواقع لم يتغير!
كذلك أسعار الخضار الموسمية كالبندورة والخيار التي سجل الكيلو منها 8 و10 آلاف ليرة، في حين بلغ سعر كيلو الكوسا 8 آلاف ليرة، والفول 7 آلاف، أما البازلاء فقد بلغت 10 آلاف ليرة، لتتجاوز 25 ألف ليرة للكيلو المفروط منها!
أما عن أسعار الحليب ومشتقاته فقد سجل كيلو الحليب البقري 8500 ليرة، أما الغنم فقد تجاوز 12 ألفاً، وعليه سجلت اللبنة 36 ألفاً (الفرط العادية)، أما البلدية فقد تجاوزت 45 ألفاً، في حين بلغ سعر كيلو الجبنة الشلل 70 ألفاً!

أسعار الفروج تحلق أيضاً!

لم تسلم أسعار الدجاج من جائحة الارتفاعات الخيالية، حيث بلغ سعر كيلو الفروج 40 ألف ليرة، بعد أن كان 32 ألفاً، أي بواقع 8000 ليرة زيادة، كما وبلغ سعر كيلو الشرحات 72 ألفاً، وهو مرشح للمزيد من الارتفاع!
وعن أسباب هذه الارتفاعات السعرية، صرح مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة محمد خير اللحام لموقع «أثر برس» بتاريخ 3/6/2024 بقوله: «إن ارتفاع أسعار الفروج هو نتيجة العرض والطلب... في العيد ترتفع الأسعار نتيجة طلب المطاعم ومحلات الشاورما، حيث يلجؤون إلى شرائها وتخزينها من الآن وحتى العيد». وتابع: «سعر الفروج ارتفع 4000 ليرة، ومن الممكن أن يرتفع أكثر».

لا أمل بانخفاض الأسعار!

هل هناك أمل بانخفاض أسعار السلع؟ هذا ما أجابنا عنه أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة حيث صرح لموقع «أثر برس» بتاريخ 28/5/2024 أن أسعار الفواكه الصيفية لن تنخفض، مضيفاً: «فبعد فترة يبدأ موسم التصدير بالنسبة لبعض الأصناف كالمشمش الذي يصدر لتصنيع الكونسروة والمربيات... في حال انخفاض سعر بعض الأصناف فسيكون انخفاضاً طفيفاً لأن كميات الأصناف من الفواكه التي توجد في الأسواق تكون قليلة وعندما تكثر يبدأ تصديرها، فتعود لتقل كمياتها فيرتفع سعرها!
في حين أكد مدير سوق الهال وليد العايش لصحيفة «الوطن» أن توريدات الفواكه إلى سوق الهال كافية للاستهلاك المحلي وجيدة جداً لكون الفترة الحالية تشهد بداية مواسم الكثير منها، وهي تزداد يوماً بعد يوم، وبالتالي لا يوجد أي حجج لحدوث أي ارتفاعات بالأسعار!

فماذا عسانا نقول، ومن نصدّق؟!

ففي حال عدم وجود سبب منطقي لارتفاع الأسعار، فلماذا تحلق بكوكب آخر إذاً؟!
لعل الجواب يكمن بتصريح عضو لجنة الخضار والفواكه في سوق هال دمشق محمد العقاد لـموقع «أثر برس» بتاريخ 11/5/2024 حيث كشف عن استئناف الحركة التصديرية للخضار والفواكه من سوق الهال إلى دول الخليج، بعد أن توقفت لأيام عدة بسبب وجود مشكلات على معبر نصيب الحدودي، وعدم وجود كميات جاهزة للتصدير في السوق. وتابع العقاد إن السوق أصبح يصدر يومياً نحو 5 برادات محملة ببعض الحمضيات، الجانرك، الكرز، والبندورة، على أن يرتفع عدد البرادات مع زيادة الكميات في السوق!

تسعير متحكم به!

الانفلات السعري كبير وفاقع وغير مبرر، وهو احتكاري ومتحكم به من قبل كبار الحيتان، مع تغطية شبه رسمية لذلك!
وتأكيداً على ذلك صرح عبد الرزاق حبزة أمين سر جمعية حماية المستهلك لصحيفة «الثورة» بتاريخ 28/5/2024 بأن التسعيرة الرسمية غير مطبقة في المحال التجارية، كما أن الفواتير التي يقدمها البائعون والمنتجون ليس بالضرورة أنها تعبر عن قيمة المادة وسعرها الحقيقي، فليس هنالك ضابط للكلفة يمكن من خلاله الاستدلال على السعر الحقيقي للمادة المستوردة وتكاليفها. وأضاف إن تطبيق آلية التسعير الفعلي أو الحقيقي استغلّها التجار والمنتجون، وبدأوا بوضع تكاليف غير واضحة، وبالتالي الفواتير هي الأخرى لا تعبر عن القيمة الحقيقية للمادة!

ماذا تبقّى للبطون الجائعة؟!

منذ عدة سنوات، صرح مسؤول حكومي بأن الجوع ليس قضية في سورية، و«ليس هنالك أحد جائع»!
لن نعلق على هذا التصريح فالواقع الذي يحدثنا به العرض السعري أعلاه يشي بالمدى الذي وصل إليه سوء الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسرة السورية؛ مما يدفعنا إلى طرح تساؤل محق على الحكومة والجهات المعنية:
هل من الممكن إشباع بطون السوريين الجائعة، في ظل هذا النمط من التوحش السعري المنفلت الذي تجاوز كل الحدود، وبرعاية رسمية مباشرة وغير مباشرة؟!
فرغم التصريحات الحكومية والبيانات الرسمية الواعدة بتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، إلا أن الواقع يفضح المساعي الحقيقية للجهات الرسمية التي انتهجت من سياسات تخفيض الإنفاق وإلغاء الدعم سبيلاً لها، مورثةً المزيد من الفقر والجوع والعوز!
وخير دليلٍ على ذلك متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد، الذي قارب 13 مليون ليرة، في حين أن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 280 ألف ليرة!
لا شك هي مفارقة كبيرة، فكيف لـ 280 ألف ليرة أن تسد رمق العائلة في ظل همجية الأسواق؟! فهنالك ملايين السوريين الذي لا يعانون من الجوع فحسب، بل من الجوع الفاقع والمدقع!
فماذا فعلت السياسات الاقتصادية المعيشية لتتعامل مع هذه الأزمة؟ لا شيء طبعاً! فالجهات الرسمية التي سعت إلى تعميق أزمة الجوع بسياساتها الممنهجة، استمرت كذلك بفرض المزيد من الضرائب والرسوم، وبطرق الجباية المختلفة بمسمياتها، مثل الضميمة التي يتم فرضها على بعض السلع بذريعة دعم الإنتاج المحلي، والتي يتم تحصيلها من جيوب المواطنين بالمحصلة!
مقابل ذلك لا دعم للإنتاج الصناعي بل مزيد من التقويض له، ولا دعم للإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، بل مزيد من الصعوبات للإجهاز على ما تبقى منه! فحيتان المال من كبار أصحاب الأرباح، المحميين بالسياسات والتوجهات الرسمية، هم المتحكمون بالسوق وبالأسعار، وكذلك باتوا متحكمين بلقمة عيش المواطن، بل وبقدرته على البقاء على قيد الحياة مع أفراد أسرته!
فإلى متى سنستمر بهذا الحال؟ فسياسة الشراء بالحبة، والتقشف والتقنين بالغذاء، التي فرضت على المفقرين، استنفدت حتى الرمق الأخير، والوضع ما زال يزداد سوءاً وجوراً على مدار الساعة!
فالناهب يستمر بنهبه، والفاسد يستمر بفساده، والدولة مغيبة، وتم ابتلاع الكثير من مهامها، والحكومة متملصة من مسؤولياتها وواجباتها، ليس تجاه الرقابة على السوق ومصلحة المواطن فقط، بل تجاه مصلحة المجتمع والوطن!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1178