ممهدات جديدة... فهل سترتفع أسعار الغاز المنزلي المدعوم؟

ممهدات جديدة... فهل سترتفع أسعار الغاز المنزلي المدعوم؟

حلقة أسبوعية جديدة من مسلسل الزيادات السعرية، البطل فيها هذه المرة هو الغاز (المنزلي الحر والصناعي)، حيث أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، كما عودتنا دائماً، قراراً ليلياً يقضي بتعديل أسعار المحروقات يوم الأحد الماضي بتاريخ 12/5/2024، بحيث حددت سعر مبيع أسطوانة الغاز المنزلي الحر بـ100,000 ليرة، والصناعي بـ190,000 ليرة! فما هي تداعيات هذا القرار الجديد؟ وهل هو مقدمة مع غيره لقادم سعري أكثر كارثية سيطال الغاز المنزلي المدعوم؟

تداعيات تبدأ ولن تنتهي... والمواطن المتضرر الأكبر!

مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار أسطوانة الغاز الصناعي، لتعادل 190 ألف ليرة بعد أن كانت بـ 119 ألف ليرة، أي بنسبة زيادة 59,66٪، له تأثيرات كبيرة على العديد من المهن والحرف والمحال التي تعتمد عليه كأحد مصادر الطاقة التشغيلية!
فأي زيادة سعرية ستنعكس سلباً على التكاليف التشغيلية للمهن والحرف والمحال، وبالتالي ستزيد من أسعار سلعها وخدماتها، وبالتالي فنحن أمام سلسلة من الزيادات السعرية على العديد من السلع والخدمات!
ولعلنا فعلاً بدأنا نلمس هذه الزيادة بأسعار المعجنات مثلاً، وبعض المأكولات كالشاورما والفتات والحمص والفول والفلافل!
في هذا السياق صرح رئيس جمعية الغاز سليم كلش لـموقع «أثر برس» بتاريخ 14/5/2024 بقوله: «خاطبنا مديرية التموين وأرسلنا إليها كُتباً لتتم إعادة النظر بإصدار تسعيرة جديدة لأسطوانات الغاز الصناعي؛ وبعد ذلك تصدر تسعيرة جديدة للمأكولات كونها تعمل على الغاز الصناعي»، مضيفاً: «من الطبيعي أن ترتفع أسعار المأكولات وذلك لأن صاحب المحل أو المطعم سيضطر لشراء أسطوانة الغاز الصناعي بسعر حر»!
كما وصرح أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة للموقع نفسه وبالتاريخ ذاته: «إن أسعار الغاز الصناعي زادت وذلك سينعكس حتماً على الأسعار، فعندما يضطر صاحب المطعم إلى شراء أسطوانة الغاز بسعر حر فإنه سيرفع الأسعار... نحن كجمعية أرسلنا شكاوى من أصحاب المطاعم والأفران التي تبيع معجنات ووجبات بأن المخصصات لا تكفيهم ويضطرون للشراء بسعر حر، لذلك فإن صاحب المحل يضطر لرفع أسعار المواد التي تعمل على الغـاز الصناعي»، وختم أمين السر حديثه بالقول: «التكاليف تزداد في كل شيء، وآخر دراسة لرفع أسعار المأكولات الشعبية تمت منذ شهرين؛ واليوم تقوم الجمعية بإعداد دراسة جديدة لرفع الأسعار، وأحد أسباب رفع الأسعار قلة مخصصات الـغاز المخصصة لهم»!
إذاً المواطن المفقر سيعاني من موجة غلاء جديدة ستشمل الطعام والشراب، وعدداً لا يمكن حصره من المواد والسلع، إضافة إلى المشمولين بالقرار أعلاه من غير مستحقي الدعم كمتضررين «دبل»، فالغاز المنزلي الحر أيضاً ارتفع من 75000 ليرة إلى 100 ألف ليرة، أي بنسبة زيادة 33٪!
ومن المفروغ منه أن هذه الزيادات السعرية الرسمية ستكون مهمازاً لمثيلاتها في السوق السوداء!
فواقع الأمر يقول إن المدة الفاصلة بين مواعيد استلام أسطوانة الغاز المنزلي غير ثابتة ولا يوجد فيها انضباط، كما وأنها تجاوزت 120 يوماً، مما يدفع غالبية الأسر للجوء إلى السوق السوداء لاستكمال تأمين حاجتها الفعلية من الغاز المنزلي، مع تزايد معدلات الاستغلال في هذه السوق، وصولاً إلى تجاوز سعر أسطوانة الغاز 500 ألف ليرة كما حدث في رمضان، فلنا أن نتخيل حجم الاستغلال الآن، خاصةً بعد زيادة الأسعار الرسمية!
وما يفقأ العين ويثير التساؤل هو توفر المادة بالسوق السوداء التي لم تتأثر بأزمة المشتقات النفطية، بل وعلى العكس ازدهرت هذه السوق مع ازدياد حاجة الأسر للغاز!
فالمشكلة الفعلية لا علاقة لها بالكم المتاح من الغاز المنزلي أو الصناعي، بدليل إمكانية الحصول عليه من السوق السوداء وبالكمية التي نريدها، بل برغبة المعنيين باستمرار دعم وتشغيل شبكات السوق السوداء، رغم كل ما تسببه من أذىً على المواطن واستغلال لحاجاته!

آليات جديدة لإفقار المواطن وإذلاله!

هل نحن أمام قرار رسمي مزمع لرفع أسعار أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم، أسوةً بأسعار الغاز الحر المنزلي والصناعي؟
عندما تم اعتماد البطاقة الذكية صرحت الجهات المعنية عن فاصل زمني بين موعدي الاستلام قدره 23 يوماً، وهي مدة فاصلة تتناسب مع معدلات الاستهلاك الأسري الوسطية، ثم ما لبثت هذه المدة أن طالت وتطول، وسط وعود رسمية بتخفيضها، والواقع عكس ذلك تماماً، فقد وصلت المدة إلى أكثر من 4 أشهر!
في الجهة المقابلة تخرج لنا الجهات المعنية بالمزيد من الطروحات الإبداعية، كالدراسة المعلن عنها مؤخراً لتوزيع أسطوانات الغاز حسب عدد أفراد الأسرة، والتي من الواضح أنها ستكون تقليصاً لمخصصات الأسر ذات تعداد الأفراد القليل، وليس زيادة مخصصات الأسر ذات تعداد الأفراد الكبير، أي تخفيض دعم على مستوى الكم!
على ذلك فالممهدات أصبحت مستكملة للخطوة التالية، فبعد إصدار تسعيرة جديدة للغاز الحر والصناعي، فمن غير المستبعد أن يبدأ العمل بالآلية الإبداعية الجديدة، بالتوازي مع صدور زيادة سعرية على الغاز المنزلي المدعوم، كخطوة إضافية في مسيرة تخفيض الدعم، كمّاً وسعراً!

توضيح غير رسمي.. الإضافات الحكومية تقارب 40%!

في حال تجاوزنا موضوع شرعنة تخفيض الدعم، تحت عنوان مستحقين وغير مستحقين، والذي بدأت به الحكومة منذ 2021 حين أصدرت لأول مرة تسعيرة رسمية لبيع أسطوانات الغاز المنزلي للمستبعدين من الدعم عبر آلية توزيعها بموجب «البطاقة الذكية»، مسبغةً عليها الصفة الرسمية، وكذلك حررت سعر أسطوانات الغاز الصناعي، فلا يجب تجاوز الاستمرار بعدم وضوح آلية التسعير المعتمدة، أو بالحد الأدنى المجهولة بالنسبة للمواطن!
فقد سبق أن تساءلنا في مادة سابقة تحت عنوان: «المشتقات النفطية... زيادات سعرية ذرائعية وغير مبررة!» بتاريخ 12/5/2024، عن الآلية التي تنتهجها الحكومة في تأمين التوريدات النفطية، وعن تسعيرها؟!
ليأتي الجواب بشكل غير رسمي عبر الإعلامي زياد غصن بتاريخ 17/5/2024، حيث بيّن أن الحكومة تستوفي 10% رسوماً جمركية على المشتقات النفطية عند احتساب الكلفة، وتضع ما يسمى علاوة تتراوح قيمتها بين 50-100 دولار على كل طن، وتستوفي 10% لصالح شركة محروقات، بالإضافة إلى وضع هامش ربح قدره 10%!
ويضيف غصن: «هل عرفتم لماذا كلف المشتقات النفطية لدينا وفق حسابات الحكومة أعلى من كلفها في الدول المجاورة؟ هذا هو العقل الجبائي الذي قتل الصناعة الوطنية، وأشعل النار في موقدة التضخم، وأضاع تحويل التهديد إلى فرصة كما فعلت دول أخرى... هذا هو العقل المسؤول عمّا وصلنا إليه اليوم من أوضاع اقتصادية واجتماعية هي في غاية الخطورة».
على ذلك فإن نسب الإضافات والهوامش والأرباح الكبيرة والرسمية أعلاه، والتي تضاف إليها نسب وهوامش النهب والفساد الكبيرة أيضاً، لا تسقط كل ذرائع تخفيض الدعم على المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية فقط، بل وتسقط كل ذرائع سياسات تخفيض الإنفاق العام أيضاً، والأكثر من ذلك أنها تعري كل النهج الاقتصادي التدميري الذي تتبعه الحكومة والرسميون تجاه مقدرات البلاد والعباد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:14