قمح الغاب (حماة - السقيلبية) خاسر أيضاً!
في العدد السابق، بمادة تحت عنوان: «موسم القمح خاسر مجدداً!» بتاريخ 12/5/2024، توقفنا عند حسابات التكاليف لمحصول القمح في محافظة دير الزور، بالمقارنة مع التسعير الرسمي للكغ الواحد بمبلغ 5500 ليرة، والذي تبين من خلالها أن مزارع القمح سيتكبد هذا الموسم خسائر جديدة في محصوله، على حساب تعبه ومعيشته!
وسنتابع حسابات التكاليف لمحصول القمح في منطقة الغاب هذه المرة، وفقاً لما أفادنا به بعض مزارعي تلك المنطقة!
خسائر على حساب التعب والجهد ومستوى المعيشة!
حسابات مجموع تفاصيل التكلفة (بذار- حراثة- سماد- أدوية- سقاية- حصاد...) للدونم الواحد المزروع بالقمح في منطقة الغاب بحسب بعض المزارعين هي 1,260,000 ليرة بحدها الأدنى!
بالمقابل فإن تقديرات إنتاج الدونم البعل بـ150 كغ في المنطقة بأحسن الأحوال، وبسعر 5,500 ليرة/كغ فإن ذلك يعني أن عائدات المزارع هي 825,000 ليرة/دونم، وبالتالي فإن خسارته محققة بمبلغ لا يقل عن 435,000 ليرة بكل دونم بعل مزروع بالقمح!
بينما تقديرات إنتاج دونم السقي بـ300 كغ بأحسن الأحوال، وبالتالي فإن العائد للمزارع هو مبلغ 1,650,000 ليرة، على ذلك فإن ربحه التجاري غير الصافي هو مبلغ 390,000 ليرة/دونم!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحسابات التقديرية أعلاه هي الحد الأعلى للعائد بحال كان الموسم جيداً، ولم يتم تخفيض السعر وفقاً لنسب التجريم المتبعة بحسب تعليمات مؤسسة الحبوب، ولم يدخل في الحسابات أيضاً لا تعب وجهد الفلاح مع أفراد أسرته طيلة الموسم، ولا ريع الأرض المفترض!
وبعد جردة الحساب المبينة من قبل المزارعين طرح أحدهم بعض الأسئلة المشروعة ليضعها بعهدة الرسميين:
ماذا يغطي مبلغ 390 ألف ليرة من تكاليف المعيشة الشهرية؟!
فبحال كانت الحيازة 10 دونمات مزروعة بالقمح، فإن مبلغ 4 ملايين ليرة كعائد منها بالكاد يغطي تكاليف معيشة المزارع مع أفراد أسرته لمدة أسبوعين فقط!
فمن أين سيؤمن بقية ضرورات حياته؟!
وكيف يكون سعر كغ الفول بمبلغ 30000 ليرة، وسعر كغ الحمص بمبلغ 35000 ليرة، وسعر كغ البرغل بمبلغ 10000 ليرة، وهي محاصيل محلية تكاليفها مقاربة لتكاليف القمح، ومع ذلك فسعر القمح الرسمي 5500 ليرة فقط، ويقول الرسميون إنه محصول استراتيجي مدعوم مرتبط بالأمن الغذائي!
وفي الختام قال المزارعون: إن سعر القمح كي يكون فيه بعض الإنصاف يجب ألّا يقل عن 6500-7000 ليرة/كغ بالحد الأدنى!
أوجه معاناة وتكاليف إضافية!
ويضيف المزارعون في منطقة الغاب (حماة- السقيلبية) أن هناك بعض أوجه المعاناة الأخرى المضافة، والتي تشكل المزيد من الأعباء والتكاليف عليهم، مثل أجور الحصادات التي ارتفعت بشكل كبير بالمقارنة مع الموسم الماضي، وكذلك أجور نقل المحصول إلى مكتب الحبوب، وزيادة مبالغ هذه الأجور تحكماً واستغلالاً في ذروة الإنتاج، وصولاً إلى منظمي الدور في دخول الآليات إلى مراكز التسليم، وانتهاءً بالمسؤولين عن الوزن والمواصفة في هذه المراكز، مع عدم تغييب من أوجه المحسوبية والفساد التي لها دور في كل ذلك!
وبعد كل ما سبق هناك عامل الزمن إلى حين استلام قيمة المحصول من المصرف الزراعي، الذي يطول ويطول على عكس ما يتم التصريح به عادة بأن قيمة المحصول تسلم مباشرة للمزارعين!
ولا يغيب عن كل ذلك دور التجار المستغلين، الذين يسعون إلى شراء جزء من المحصول من المزارع بسعر أدنى من السعر الرسمي غالباً، استغلالاً لحاجته إلى المال بأسرع وقت، لضرورات حياته أو لتسديد بعض الديون المستحقة عليه، بغض النظر عن أين ستؤول إليه الكميات المجمّعة من القمح من قِبل هؤلاء بالنتيجة!
مزيد من تراجع الإنتاج!
والحال كذلك من عدم الإنصاف والخسائر المتوقعة فإن أعداداً متزايدة من المزارعين في منطقة الغاب سيضطرون للإقلاع عن زراعة محصول القمح، واستبدال زراعات أخرى به أكثر جدوى اقتصادية بالنسبة إليهم، أو إلى هجرة الزراعة والأرض بشكل نهائي، خاصة وأن هناك الكثير من العروض لشراء الأراضي الزراعية من الفلاحين، ليس من أجل زراعتها، بل للتجارة والاستثمار والسمسرة والمضاربة!
فالبعض من الناهبين يسعون إلى تبييض أموال نهبهم وإعادة شرعنتها من خلال عمليات بيع وشراء الأراضي الزراعية والعقارات، وهؤلاء لا شك لا يعنيهم لا إنتاج زراعي ولا غيره طبعاً!
جوائح منسية في الحسابات الرسمية!
يصاب القمح بالكثير من الجوائح المرضية التي تؤثر على إنتاجه نوعاً وكماً، وهذه الجوائح بحسب بعض المزارعين تزيد عليهم كلفهم وبالتالي خسارتهم، مثل الصدأ الأصفر وهو من الأمراض الخطرة التي تصيب المحاصيل، والتبقع الشتوي، والسفح، بالإضافة إلى الجوائح الطبيعية مثل الهطولات المطرية غير المنتظمة التي تغرق بعض المناطق المزروعة بالقمح ما يؤدي إلى خسارة المحصول فيها، أو تباينات درجات الحرارة ارتفاعاً وانخفاضاً، أو الجفاف، وكذلك سقوط حبات البرد في بعض الأحيان!
ويقول المزارعون: إن كل هذه الجوائح الطبيعية والمرضية وغيرها، والمتكاثرة خلال السنين الماضية، لم تأخذها الحكومة بعين الاعتبار عند احتسابها لتكاليف الإنتاج ومعدلات الإنتاجية!
فالحكومة التي تعمل في المكاتب المغلقة بعيداً عن أوجاع وهموم المواطنين، لن يكون الفلاح وأرضه ومحاصيله من ضمن اهتماماتها بطبيعة الحال، خاصة وأنها ما زالت مستمرة بآليات تخفيض الدعم الجائرة على الإنتاج الزراعي!
خارج الاهتمام الحكومي والرسمي!
التكاليف والمعاناة أعلاه تبين أن حسابات إنتاج القمح، والإنتاج الزراعي عموماً، يبدو أنها أصبحت خارج اهتمامات الحكومة والرسميين، اللهم باستثناء البهرجة الإعلامية والدعائية الخلبية بين الحين والآخر، على الرغم من كونه أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي للمواطنين، وعلى الرغم أن نسبة المعتمدين على الإنتاج الزراعي تقارب 45% من السوريين، وهو يمثل بالنسبة إليهم مصدر الدخل الوحيد لمعيشتهم، وتغطي منتجاته النباتية والحيوانية جزءاً كبيراً من حاجات الاستهلاك المحلي، مع فائض تصديري في بعضها، وعلى الرغم أن جزءاً هاماً من الإنتاج الزراعي يدخل في الكثير من الصناعات الغذائية وغير الغذائية المحلية، التي تشغل الكثير من الأيدي العاملة، وتنتج سلعاً ومواد تغطي جزءاً إضافياً من احتياجات الاستهلاك المحلي، مع فائض تصديري لبعضها أيضاً، إلا أن كل ذلك لم يحل دون استمرار استهداف هذا الإنتاج بغاية تقليصه واستنزافه، سواء من خلال سياسات تخفيض الدعم أو من خلال سياسات التسعير والتسويق المعتمدة، وصولاً إلى تقويضه إن أمكن ذلك!
وطبعاً غني عن القول إن هذه هي النتيجة المتوخاة من قِبل حيتان الاستيراد المحظيين!
فكل دونم أرض زراعية يتم تقليص إنتاجه أو هجره، هو مكسب في جعبة كبار أصحاب الأرباح من المستوردين على حساب الإنتاج والمنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1175