شركات محظية تحتكر استيراد وتصدير الأغنام والعجول!

شركات محظية تحتكر استيراد وتصدير الأغنام والعجول!

آخر إبداعات التربح على حساب الثروات المحلية وحاجات الاستهلاك، ولمصلحة البعض المحظي طبعاً، هي فسح المجال أمام هؤلاء لحصد الأرباح الكبيرة من خلال استيراد أعداد كبيرة من الأغنام والعجول، مقابل تصدير ذكور العواس!

فقد نقلت صحيفة الوطن بتاريخ 16/5/2024 عن «مصدر»: أن «الحكومة ولأول مرة منذ 12 عاماً بدأت باستيراد قرابة أربعة ملايين من رؤوس العجل والغنم بأوزان وأعمار صغيرة، وأن أولى الدفعات بدأت بالوصول إلى سورية، حيث ستوزع على المربين وتعزز الثروة الحيوانية السورية، وستتم تربيتها وعلفها محلياً، ولا سيّما أن موسم الأمطار كان جيداً على سورية وولّد مساحات خضراء وكميات كبيرة من النخالة والتبن والشعير وكل ما يلزم لعلف الحيوانات».
وأضاف المصدر: «إن العجول والأغنام ستتغذى من الثروات الطبيعية للأراضي السورية، وعند بلوغها الوزن الطبيعي للتصدير، ووفقاً لحاجة السوق آنذاك، سيقرر إما السماح بتصديرها والاستفادة من قطع التصدير، أو تخصيصها بالكامل للسوق المحلية، علماً أن كل الرؤوس المستوردة تم تسديد قيمتها بالليرة السورية من دون تخصيص أي قطع أجنبي من خلال فائض قطع التصدير المتوفر لدى عدد من المصدرين السوريين».

تناقضات ومغالطات!

حديث المصدر أعلاه فيه الكثير من المغالطات والمتناقضات!
فليست الحكومة هي من ستقوم بعمليات الاستيراد، بل البعض المحظي من تجار الاستيراد والتصدير!
والحديث عن التسديد بالليرة السورية دون تخصيص قطع لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها تجاه حسن استثمار قطع التصدير المتاح لدى المصدرين لتلبية احتياجات محلية أكثر أهمية، ولا يوجد إنتاج محلي منها!
أما الحديث عن توفر الأعلاف، ربطاً مع موسم الأمطار والمساحات الخضراء، فهو لغو لا قيمة له، فالقطعان المحلية تعاني سلفاً من مشكلة الأعلاف وتوفرها، كماً ونوعاً وتوقيتاً!
وكذلك الحديث عن توزيع الأعداد المستوردة من الأغنام والعجول على المربين لتعزيز الثروة الحيوانية، المتناقض مع التسمين بغاية التصدير اللاحق!
والسؤال الذي يفرض نفسه هل الغاية فعلاً هي تعزيز الثروة الحيوانية، أم استنزاف ما هو موجود منها، مع ضمان تحقيق الأرباح الكبيرة في جيوب البعض المحظي؟!

غياب الأرقام والبيانات!

وتجدر الإشارة بهذا السياق إلى غياب الإحصاءات الرسمية عن أعداد الثروة الحيوانية، والتي من المفترض أنه بموجبها يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها، سواء فيما يتعلق بعمليات التصدير أو بعميات الاستيراد، والأهم آليات الحفاظ على قطعان الثروة الحيوانية، والسعي لزيادة أعدادها وتوفير مستلزمات وضرورات ذلك!
لكن أياً من ذلك غير متوفر، والنتيجة هي استنزاف قطعان الثروة الحيوانية تباعاً!
فحتى الأرقام التي تتحدث عن بعض الأعداد من القطعان فهي تقديرية غالباً، وبعضها مرتبط بما يتم توزيعه من أعلاف بحسب الأعداد المسجلة، والتي لا يمكن التعويل على دقتها بمطلق الأحوال!

مزيد من استنزاف الثروة الحيوانية!

الآلية المبتدعة أعلاه بمجملها غايتها تحقيق الأرباح الكبيرة من خلال السماح بتصدير أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية المحلية المتمثلة بذكور العواس، مقابل استيراد أعداد أكبر من العجول وذكور الأغنام للتسمين وإعادة التصدير، بعد ضخ جزء منها إلى السوق المحلي للاستهلاك، فالثروة الحيوانية المحلية من الناحية العملية سيتم تقليص أعدادها وليس زيادتها!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن أعداد الثروة الحيوانية تتراجع عاماً بعد آخر، وذلك لعزوف بعض المربين عن تربيتها بسبب قلة الأعلاف وارتفاع أسعارها، وبالتالي ارتفاع تكاليف التربية وارتفاع أسعار منتجاتها (لحوم- حليب ومشتقاته)، مقابل تراجع معدلات الاستهلاك المحلي بسبب الارتفاعات السعرية، بالتوازي مع زيادة نشاط شبكات تهريب قطعان الثروة الحيوانية!
ولعله من أجل زيادة أعداد الثروة الحيوانية، بحال كانت النوايا الرسمية جدية بهذا الشأن، كان الأجدى أن يتم استيراد بعض أنواع الأبقار (للاستيلاد والتكاثر المحلي أو للحلب) وليس استيراد العجول الصغيرة بغاية تسمينها لإعادة التصدير او للاستهلاك المحلي، أما الأهم فهو توفير مستلزمات تعزيز القطعان المحلية (عواس وأبقار وعجول وماعز وجمال)، وخاصة الأعلاف، مع الجدية بمنع تهريبها ومكافحة شبكاتها، مع السعي الجدي إلى تخفيض تكاليف التربية على المربين، وصولاً إلى منتجات أقل سعراً بالنسبة للمستهلكين!
والنتيجة أن الثروة الحيوانية ستتناقص أكثر مما هي متناقصة، سواء من خلال التصدير أو من خلال عمليات التهريب المستمرة، والأعداد الكبيرة المستوردة هي عجول وذكور أغنام بغاية التسمين وليس بغاية الاستيلاد، ولن تستفيد السوق المحلية من هذه المستوردات إلا بشكل طفيف، كونها معدة لإعادة التصدير سلفاً!

الحرمان من اللحوم الحمراء!

إذا كان المواطن المفقر يعاني سلفاً من إمكانية استهلاك لحوم ذكور العواس أو لحوم العجول بسبب ارتفاع أسعارها الكبير، فإن عمليات التصدير بالأعداد الكبيرة أعلاه لذكور العواس، بالتوازي مع استمرار عمليات التهريب، لا تعني إلا مزيداً من الحرمان بالنسبة للمفقرين!
فالتهليل بالبدائل المستوردة لا تعني فرض حرمان المفقرين من استهلاك لحوم العواس المحلي فقط، بل مع عدم ضمان إمكانية استهلاك هذه البدائل أيضاً، وذلك لسبب بسيط هو تحكم المستوردين بالسوق المحلي وأسعارها!

مركزة التربح ومزيد من التناقضات!

بيّن مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة المهندس محمد خير اللحام، في حديث لإذاعة شام إف إم بتاريخ 18/5/2024: أن «الأغنام والعجول ستستورد من قبل شركة خاصة بحسب توصية اللجنة الاقتصادية، حيث تتضمن التوصية تصدير 100 ألف رأس من الأغنام السورية شريطة استيراد العدد نفسه من الأغنام والعجول قبل إجراء عملية التصدير، وذلك للحفاظ على استقرار الأسواق، مشيراً إلى أن الاستيراد سيكون لتغطية السوق المحلية، وستكون هناك عوائد من القطع الأجنبي من عملية التصدير... هذه العملية ستزيد القطع الأجنبي الناجم عن عملية التصدير، أما السوق المحلية لن تتأثر بها لأن الشركة ستستورد وتطرح في الأسواق قبل عملية التصدير». مبيناً أن: «هناك موافقة ثانية من اللجنة الاقتصادية لشركة خاصة تسمح لها باستيراد 3 ملايين رأس من الأغنام بقصد التسمين وإعادة التصدير، ولكن إذا كانت السوق المحلية بحاجة أغنام سيدخل منها عدد معين إلى السوق بعد إجراء الدراسات اللازمة للواقع».

الحديث أعلاه فيه المزيد من التوضحيات التي يجب التوقف عندها!

فعمليات التصدير السابقة لذكور العواس، التي كانت تتم بموجب موافقة اللجنة الاقتصادية، كانت تتضمن الأعداد الكلية المسموح بتصديرها، مع وضع سقوف عددية لكل مُصدّر (كانت بحدود 5000 رأس كسقف تصديري)، بحيث يقوم بهذه العملية مجموعة من المُصدرين، وليس مُصدر واحد منفرد!
أما وفقاً للحديث أعلاه فقد تم حصر عمليات تصدير ذكور العواس بشركة واحدة فقط الآن، ولكامل الأعداد البالغة 100 ألف رأس، أي مركزة العملية بهذه الشركة الوحيدة المحظية، مع مركزة الأرباح الكبيرة الناجمة عنها!
ومن غير المفاجئ أن أولى الدفعات المستوردة من العجول والأغنام وصلت، بحسب حديث «المصدر» لصحيفة الوطن أعلاه، فالشركة التي احتكرت عملية التصدير محظية وواصلة على ما يبدو، بحيث بدأت بعمليات الاستيراد بشكل مسبق، تمهيداً للبدء بعمليات التصدير اللاحقة لذكور العواس المحلي، التي حظيت باحتكارها مع مرابحها!
أما الموافقة للشركة الثانية، التي لا تقل حظوة عن الأولى، فقد مركزت عمليات استيراد 3 ملايين رأس من الأغنام من قبلها منفردة أيضاً، بغاية التسمين وإعادة التصدير، إما للأعداد كاملة أو بعد وضع جزء منها في السوق المحلي للاستهلاك، ولا مجال للحديث هنا عن مربين وتوزيع هذه المستوردات عليهم، فالشركة هي من ستقوم بعمليات التسمين وهي من ستقوم لاحقاً بعمليات إعادة التصدير!

مبررات وذرائع لا طائل منها!

إن الحديث عن استقرار الأسواق، وتأمين احتياجات الاستهلاك المحلي من لحوم الأغنام والعجول، هو حشو لغوي للتسويق الإعلامي لتبرير ما لا يمكن تبريره، سواء على مستوى استنزاف الثروة الحيوانية المحلية، أو على مستوى المزيد من التحكم بالسوق المحلية التي تفرضها آليات الاحتكار التي حظيت بها الشركتان المنفردتان، اللتان سمح لهما بعمليات الاستيراد والتصدير!
فمقص الأرباح التي تمت مركزتها بالشركتين المحظيتين هو الغاية والهدف من كل الآلية أعلاه، وليس أي شيء آخر!
فهذه الشركات المحظية ستتكسّب من عمليات الاستيراد للأعداد الكبيرة التي سمح بها، وكذلك من عمليات تصدير ذكور العواس، وإعادة تصدير ما تم استيراده من أعداد بعد التسمين، مع هامش إضافي للتربح من خلال ما يمكن أن تطرحه هذه الشركات في السوق للاستهلاك المحلي!
وبهذا المجال يبدو الحديث عن القطع والاستفادة منه في غير مكانها، فكل العمليات الدولارية من خلال التصدير والاستيراد ستصب في مصلحة هاتين الشركتين، ربما باستثناء بعض الرسوم الدولارية المحدودة التي تعود إلى خزينة الدولة فقط لا غير!

الأعلاف إلى مزيد من الأزمات!

الحديث عن استيراد 4 ملايين رأس من الأغنام والعجول وبدء وصولها، بغاية التسمين وإعادة التصدير، يعني أن هذه الأعداد الكبيرة بحاجة إلى كميات كبيرة من الأعلاف خلال الفترة القريبة القادمة، ما يعني أن المنافسة في السوق على الأعلاف سترتفع بين المربين وبين الشركات المحظية المستوردة، مع رجحان كفة حصول هذه الشركات على متطلبات قطعانها المستوردة من سوق الأعلاف طبعاً، على حساب احتياجات قطعان المربين، ما يعني مزيداً من الضغوط على المربين، وصولاً إلى عزوف أعداد إضافية منهم عن عمليات التربية، أي مزيد من الاستنزاف لما تبقى من الثروة الحيوانية المحلية، مع فسح مجال أوسع لتعويض النقص عبر عمليات الاستيراد!
فهل ستكون هذه هي الغاية البعيدة المستهدفة من كل الآلية الرسمية المبتدعة أعلاه، مع مركزة التربح من استنزاف الثروة الحيوانية ومزيد من التحكم بالسوق المحلية واحتكارها، لمصلحة البعض المحظي من كبار التجار والمصدرين، على حساب الثروة الحيوانية، وعلى حساب المربين، وعلى حساب المستهلكين، وعلى حساب الاقتصاد الوطني؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:24