موسم القمح خاسر مجدداً!

موسم القمح خاسر مجدداً!

حدد مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية بتاريخ 23/4/2024 سعر شراء كيلو القمح من الفلاحين للموسم الزراعي الحالي بـ 5500 ليرة سورية، وذلك بعد حساب التكاليف الحقيقية لإنتاج الكيلو غرام الواحد!

فهل تعتبر هذه التسعيرة مجزية للفلاحين في الموسم الحالي، أم إنها كسابقاتها تحمل معها خسائر محققة على حسابهم؟!

الرسميّون... موسم مبشر وسعر مشجع!

طلب رئيس الحكومة خلال الجلسة أعلاه من جميع الوزارات والجهات المعنية استكمال الاستعدادات اللازمة لاستلام موسم القمح من الفلاحين بكل يسر وسهولة وتقديم التسهيلات كافة بدءاً من الحصاد والتعبئة والنقل والاستلام والتخزين وتسديد مستحقات الفلاحين دون أي تأخير.
وبحسب الصفحة الرسمية للحكومة فقد حضر الجلسة رئيس الاتحاد العام للفلاحين، وربما ذلك لإسباغ مشروعية أكبر على السعر الرسمي لمحصول القمح هذه المرة!
وبحسب رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف خلال حديثه مع صحيفة الوطن بتاريخ 30/4/2024 أنه نتيجة الهطولات المطرية المنتظمة التي حصلت على امتداد المساحات المزروعة في القطر فإن إنتاج القمح يعتبر مبشراً للموسم الحالي، مشيراً إلى أن الإنتاج جيد في جميع المحافظات المزروعة بالقمح، لكن النسبة الأكبر من الإنتاج تتركز في محافظة الحسكة، ثم تأتي محافظة حلب في المركز الثاني بالإنتاج لهذا الموسم، وأوضح أن الإنتاج المتوقع من مادة القمح للموسم الحالي من الممكن أن يقارب مليوني طن في المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة.
وبالنسبة للسعر المعتمد رسمياً للمحصول أكد الخليف أن هناك ارتياحاً من الفلاحين على التسعيرة التي حددتها الحكومة لاستلام مادة القمح بسعر 5500 ليرة للكيلو الواحد، موضحاً أن تكلفة كيلو القمح على الفلاح للموسم الحالي تتجاوز 4800 ليرة، والسعر الذي حددته الحكومة يعتبر مقبولاً للفلاح ويحقق من خلاله نسبة ربح مقبولة نوعاً ما.
ونقلاً عن صحيفة الثورة بتاريخ 30/4/2024 فقد بيّن المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب سامي هليل أن السعر الذي تم تحديده من قبل رئاسة مجلس الوزراء لشراء مادة القمح بـ5500 ليرة سورية مشجع، وهو أعلى من السعر العالمي، والسعر المستورد على أساسه، وهذا بدوره يضمن تسليم كميات أكبر.
التصريحات الرسمية أعلاه تبشرنا بموسم قمح وفير هذا العام، وتقول لنا إن الفلاحين راضون عن التسعيرة الرسمية، ما يعني الاطمئنان على المواسم القادمة أيضاً!
فهل ذلك صحيح، أم سيكون مصير هذه التصريحات كسابقاتها في التهاوي عند حسابات الحقل والبيدر؟!

التكاليف بحسابات المزارعين!

بحسب الفلاحين فإن السعر الرسمي لمحصول القمح للموسم الحالي غير مقبول وغير مشجع على عكس التصريحات الرسمية أعلاه، والأكثر من ذلك أن الحديث بأن التكلفة على الفلاح 4800 ليرة/كغ غير دقيقة على الإطلاق!
وقد فصّل لنا أحد فلاحي محافظة دير الزور تكاليف زراعة وحصاد الدونم الواحد في موسم القمح الحالي بحسب مفردات التكلفة التالية:

1174a

وبحسب الفلاح فإن وسطي إنتاج الدونم الواحد يتراوح بين 200-250 كغ فقط، وبالتالي فإن تكلفة إنتاج الكغ الواحد من القمح للموسم الحالي تتراوح بين 4560- 5700 ليرة!
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لم تحسب في التكلفة أعلاه بقية أجور اليد العاملة، ولا جهد الفلاح وتعبه مع أفراد أسرته طيلة الموسم، ولا حسابات ريع الأرض المفترضة، والأهم تكاليف معيشة الفلاح وأسرته التي من المفترض أن يغطيها الموسم باعتباره مصدر رزقه ومعيشته!
أما بحسب سعر الموسم وفقاً للتسعيرة الرسمية بواقع 5500 ليرة/كغ، فبأحسن الحالات سيتراوح عائد الدونم بين 1,100,000- 1,375,000 ليرة، بحال لم يكن هناك أي تخفيض على السعر من قبل لجان الاستلام، وهو أمر مستحيل عملياً، ولا سابقة فيه!
فكيف تمت عملية حساب التكاليف من قبل الحكومة؟!
وهل مبلغ 235,000 ليرة بأحسن الأحوال، لقاء التعب على زراعة دونم الأرض وفلاحته وحصاده يعتبر ربحاً وعائداً يكفي الفلاح وأسرته لقاء تعبهم طيلة الموسم، ويغطي تكاليف معيشتهم؟!
ولمزيد من التفاصيل في حسابات التكلفة والعائدات يضيف الفلاح أن وسطي الحيازة الزراعية لا تتجاوز 10 دونمات، وبالتالي فإن عائدات هذه الدونمات، بعد التعب والجهد، طيلة الموسم الممتد إلى فترة 6 أشهر، لن تتجاوز 2,350,000 ليرة، وهذا المبلغ بحسب الفلاح بالكاد يغطي تكاليف معيشته مع أفراد أسرته لمدة أسبوع واحد، فهل من خسارة وإجحاف أكبر من ذلك؟!
ويضيف متسائلاً كيف توصل الرسميّون إلى أن السعر مقبول ومشجع بالنسبة إلينا؟!
وهل المطلوب منا أن نكون قططاً من خشب نصطاد ولا نأكل، أم المطلوب منا أن نمتنع عن زراعة القمح لنستبدلها بزراعات أخرى، أو ربما أن نترك أرضنا بوراً وخراباً، ونهجرها بشكل نهائي؟!

لا طمأنة ولا ضمان في ظل الاستمرار بسياسات تقويض الإنتاج!

الاستمرار بالنهج المتبع نفسه تجاه قطاع الإنتاج الزراعي، وخاصة تجاه المحاصيل الاستراتيجية الهامة، بما فيها القمح، من خلال آليات تخفيض الدعم المتتالية والمستمرة، ومن خلال عدم تأمين مستلزمات الإنتاج، وبالتالي ارتفاع تكاليفها، ومن خلال سياسات تسعير المحصول المجحفة، لا تصب إلا في خانة تكريس تقويض إنتاج هذا المحصول الهام، لتسجيل المزيد من التراجع فيه عاماً بعد آخر، والاضطرار بالتالي إلى عمليات الاستيراد لسد النقص على مستوى احتياجات الاستهلاك المحلي منه، وخاصة لتصنيع رغيف الخبز!
فقد أكد المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب سامي هليل في تصريح خاص لصحيفة الثورة بتاريخ 30/4/2024 أن المؤسسة مستمرة بتنفيذ العقود المبرمة بخصوص استيراد مادة القمح، لتوفير المخزون الاستراتيجي للمادة، وهي تنتهي مع بداية شهر حزيران القادم، التاريخ المحدد لبدء استجرار موسم القمح المحلي من الفلاحين. ولفت إلى أنه على ضوء الكميات المستجرة خلال الموسم القادم من الفلاحين سيتم إبرام عقود جديدة، لتأمين المخزون للمادة، وهو ما تعمل عليه المؤسسة لتوفير مادة الدقيق اللازم لإنتاج مادة الخبز بشكل يومي من المطاحن العاملة بكامل طاقتها الإنتاجية.
كذلك صرح رئيس الحكومة أمام مجلس الشعب بتاريخ 7/5/2024، خلال استعراضه لما نفذته الحكومة منذ مطلع العام وحتى تاريخه، أي عن الربع الأول من العام الحالي، بأن كمية الأقماح المستوردة بلغت حوالي/674/ ألف طن، بقيمة وصلت إلى حوالي /3000/ مليار ليرة سورية!
ولا ندري إن كان حديث رئيس الحكومة، أو حديث مدير السورية للحبوب، يدعو إلى الطمأنة أو يستثير الشكر على الجهود الرسمية تجاه مآلات مواسم القمح السابقة والقادمة؟!
فطالما استمرت الحكومة بنهجها وسياساتها فإن الفلاح سيتسمر بالخسارة، والمساحات المزروعة بالقمح ستنحسر أكثر، والإنتاج سيستمر بالتراجع، والحاجة للاستيراد ستتزايد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 12:56