المشتقات النفطية... زيادات سعرية ذرائعية وغير مبررة!
ضاقت سبل الحياة على المواطن المفقر، دون أدنى علم منه عن ماهية الذنب الذي اقترفه كي تستمر معاناته نتيجة الأزمات المتتالية!
فمن أزمة الكهرباء المستمرة والمتفاقمة، إلى أزمة المواصلات التي تشتد بين الحين والآخر دون أي حلول، إلى أزمات الارتفاعات السعرية غير المسقوفة، وكأن غاية المعنيين هي الإصرار على إرهاق المواطن المعدم، وممارسة المزيد من التضييق عليه وإذلاله!
فالأزمات بالجملة، وهي بالقاسم المشترك الأعظم بينها تجلٍّ لأزمة توريدات المشتقات النفطية المستمرة التي لم يتم حلها، على الرغم من مضي سنوات طويلة عليها!
فعلى الرغم من تحرير أسعار الكثير من المشتقات النفطية، والتي تم تمريرها خلال السنوات الماضية على أنها حل أزمة التوريدات، إلا أن الأزمة مستمرة وبوتيرة أقسى بانعكاسها على المواطن!
وعلى الرغم من زيادة أسعار الطاقة الكهربائية، وتخفيض الدعم عليها بشكل كبير، إلا أن أزمة الطاقة الكهربائية مستمرة بسبب عدم تشغيل محطات التوليد بطاقتها الإنتاجية الكاملة، مع وقف بعض المحطات بشكل كلي أيضاً، وذلك بسبب رئيسي يتمثل بقلة التوريدات النفطية!
وكذلك الحال مع أزمة المواصلات التي تستمر معها معاناة المواطنين!
فهل يحق لنا أن نسأل حكومتنا عن الآلية التي تنتهجها في تأمين التوريدات النفطية، وعن تسعيرها؟!
زيادات سعرية متتالية دون توقف وبلا مبرر!
مطلع العام الحالي كانت أسعار المشتقات النفطية، بحسب النشرة السعرية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 25/12/2023 بحسب التالي: سعر ليتر مبيع البنزين «أوكتان 95» بـ12160 ليرة سورية، أما ليتر البنزين «أوكتان 90» فبلغ 9000 ليرة، في حين بلغ سعر مبيع ليتر المازوت الحر أو الصناعي 10900 ليرة، وطن الفيول 6634740 ليرة، أما عن طن الغاز «الدوكما» فقط بلغ 10483730 ليرة سورية.
تلت هذه النشرة 6 نشرات متتالية حتى الآن، رفعت بها الحكومة أسعار معظم المشتقات النفطية، آخرها كان نشرة الإثنين بتاريخ 29/4/2024، التي أصبحت الأسعار وفقها بحسب التالي: سعر مبيع ليتر البنزين «أوكتان 95» بـ14,870 ليرة سورية بنسبة زيادة 22%، أما ليتر البنزين «أوكتان 90» فبلغ 12,000 ليرة بنسبة زيادة 33%، في حين سجلت أسعار المازوت «الحر أو الصناعي» 12,426 ليرة بنسبة زيادة 14%، في حين بلغ سعر طن الفيول 9,005,990 ليرة سورية بنسبة زيادة 36%، وسعر مبيع طن الغاز «الدوكما» 11,411,650 ليرة سورية بنسبة زيادة 9%!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسب الزيادة المحسوبة أعلاه هي بين سعر المشتقات النفطية حالياً وسعرها مطلع العام!
مع ملاحظة أن نسب الزيادة التي تراوحت بين 9٪-36٪ على أسعار المشتقات النفطية صدرت في الوقت الذي حافظ سعر الدولار على ثباته النسبي مقابلها، وكذلك كانت عليه الحال بالنسبة لتباينات الأسعار العالمية التي كانت أيضاً شبه ثابتة نسبياً!
فبالعودة إلى بيانات أسعار المشتقات النفطية عالمياً، المنشورة على موقع «أويل برايس»، نلاحظ أن أسعار المشتقات النفطية خلال المدة الممتدة من أول العام الحالي حتى الآن زادت وفق النسب التالية: طن الفيول زاد بنسبة 0,8٪- البنزين زاد بنسبة 17٪- الغاز الدوغما تراجعت أسعاره عالمياً بمقدار 30٪!
فمقارنة نسب التغير عالمياً مع مثيلتها في سورية تدفعنا إلى التساؤل، طالما أن الأسعار عالمياً شبه ثابتة، عدا البنزين، فما مبرر الحكومة لرفعها وبهذه النسب الكبيرة؟
والمفارقة الأكبر هي بتسليط الضوء على أسعار الغاز التي تراجعت بنسبة 30٪ عالمياً، بينما ارتفعت أسعاره في سورية بنسبة 9٪!
والسؤال الأهم من أين أتت الزيادة ولمصلحة من؟
فالمشتقات النفطية هي مستوردات دولارية، تسعر على أساس سعر الصرف كما يفترض، ولتؤمنها الحكومة للمواطن وللفعاليات الاقتصادية بسعر التكلفة أو بالسعر المدعوم حسب التصريحات الرسمية، فما سبب الزيادات أعلاه؟
هذا التساؤل المشروع لا إجابات رسمية مقنعة حوله، باستثناء التذرع بالعقوبات والحصار، وغيرها من الذرائع التي باتت مستهلكة، وبكل الأحوال لا تغطي هذه النسب الكبيرة في زيادة الأسعار خلال 4 أشهر!
تداعيات كارثية!
الكارثي أن أزمة شح المشتقات النفطية- التي لم تحل من خلال زيادة أسعارها- لا تقتصر على وسائل النقل العامة والخاصّة ضمن المدن وبين المحافظات، بل تؤثر على أجور نقل البضائع والمواد الغذائية والخضار والفواكه، مما أدى إلى ارتفاع قياسي في أسعار تلك السلع في الأسواق المحلية لينعكس ذلك سلباً على معيشة المواطن، الذي وجد نفسه وسط عاصفة هوجاء تتراكم فيها الأزمات عليه لتزيد أعباءه وهمومه!
وطبعاً ليس قطاع النقل والمواصلات المتضرر الوحيد من الأزمة المستمرة، بل الانعكاس الأكبر تجلى ليشمل الكثير من القطاعات والفعاليات الاقتصادية (الصناعية والخدمية والتجارية) في البلاد نتيجة نقص التوريدات النفطية التي تنعكس عليها بزيادة التكاليف بسبب اللجوء إلى السوق السوداء، وبالتالي زيادة أسعار منتجاتها وسلعها وخدماتها، التي يدفع ضريبتها المواطن بالنتيجة كذلك الأمر!
وقطاع الإنتاج الزراعي ليس بمعزل عما سبق، فحاله كحال الإنتاج الصناعي من حيث حاجته إلى المحروقات وبدائلها، مما يعني تكاليف إضافية على الفلاح المنهك، وأعباء سيعجز عن تحملها!
المبررات الذرائعية المملة لا تنفي المسؤولية!
أمام كل هذه التداعيات الكارثية تمسي مبررات الحكومة فيما يتعلق بنقص المشتقات النفطية وقلة توريداتها ذرائعية وغير ذات معنى، إضافة إلى ذلك لكونها ذرائع غير جديدة، بل ومملة بتكرارها، وهي لا تنفي حقيقة التقاعس واللا مبالاة بنتائجها، والمسؤولية حيال معالجتها، اعتباراً من غياب خطط التوريد بالكميات والمواعيد، وبما يكفي الحاجة دون خلق أزمات جديدة، وليس انتهاء بآليات التوزيع وفق أولويات الحاجات الفعلية لمختلف القطاعات، وهذه المسؤولية من المفترض أنها بعهدة وزارة النفط والثروة المعدنية، ومن واجبات الحكومة مجتمعة!
فالأزمة بتداعياتها المستمرة والمتفاقمة أصبحت مستنزفة للمواطن على الأصعدة كافة، في ظل الواقع المعيشي الصعب والضاغط سلفاً، وكذلك مستنزفة للاقتصاد الوطني، وخاصة بالنسبة للقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن المشتقات النفطية كافة متوفرة بشكل دائم وبالكمية المطلوبة في السوق السوداء، لكن بسعرها الكبير والاستغلالي، وربما بات من غير المجدي الحديث عن شبكة المستفيدين منها وحيتانها الكبار!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1174