ميزان الحق بالطاقة الكهربائية... حسف وسوء كيل!

ميزان الحق بالطاقة الكهربائية... حسف وسوء كيل!

يعتبر تأمين الطاقة الكهربائية وتوفيرها من أهم واجبات الدولة تجاه المواطن والفعاليات الإنتاجية والخدمية، وأحد المؤشرات الهامة التي يقاس عليها مدى الفاعلية الاقتصادية للبلاد، وارتباط ذلك بمعدلات النمو والتنمية فيها!

لكن غياب الكهرباء المستمر دفع المواطن نحو براثن المستغلين من مستثمري الأمبيرات وحيتانها، بالإضافة إلى مستغلي البدائل الكهربائية الأخرى، حيث ارتفعت نسبة مستخدمي الأمبيرات خلال السنوات الماضية بشكل كبير بعد أن فسح المجال أمام مستثمريها لزيادة وتوسع غزوهم في المدن والأرياف!
كذلك الحال مع الفعاليات الإنتاجية والخدمية في البلاد، الذي دفع بها نحو بدائل الطاقة المتاحة، مشتقات نفطية أو مشاريع الطاقات المتجددة، بتكاليفها المرتفعة، وجدواها الاقتصادية المنخفضة!

التوجهات الرسمية المتناقضة بوابة استغلال إضافية!

بالكثير من الغضب والحنق والاستياء، وصولاً إلى التهكّم اشمئزازاً، يستقبل المواطن تصريحات الحكومة والرسميين، التي لا تنفك مع الإجراءات الرسمية المتبعة تضيّق سبل الحياة أمامه وتغلقها، اعتباراً من زيادة ساعات التقنين ومبررات وذرائع ذلك، وصولاً إلى شرعنة الاستثمار بالأمبيرات دون قوننتها!
فقد نقل عن وزير الكهرباء قوله إن موضوع الأمبيرات شائك، وهو ممنوع في القانون 32 ونحن رغم كل التحديثات التي أجريناها في قوانين الكهرباء لتشجيع الاستثمار، لكن بقينا كوزارة مصرين على عدم شراكة هذا الاستثمار... الاستثمار في الأمبيرات هو أسوأ أنواع الاستثمارات، سواء من حيث التكلفة أو من حيث الخسارة على الاقتصاد الوطني، أو من حيث تشويه الشبكات وتشويه المدن والتشويه البصري والسمعي، إضافة إلى التلوث البيئي... في وزارة الكهرباء كنا مصرين على ألّا نشرع هذا الاستثمار على الأقل، ورؤيتنا في الوزارة هو أنه استثمار غير صحيح وليس جيداً للبلد وما زلنا مصرين على ذلك!
بالمقابل صرح نائب محافظ ريف دمشق جاسم المحمود لموقع «أثر برس»، مطلع شهر شباط الماضي، بأن الأمبيرات تشكّل حلّاً لتأمين الكهرباء، وتستجيب لحاجة الأهالي في ريف دمشق. مؤكداً أن ظاهرة بيع الطاقة الكهربائية المولدة بوساطة الأمبيرات غير قانونية، لكنه اعتبر الأمر محاكاة للواقع كونها الحل المتوفر أمام الأهالي لتأمين الكهرباء!
كذلك أكّد مدير الأملاك في محافظة دمشق بشار الأشقر لموقع «أثر برس» أن المحافظة منحت 24 رخصة عمل مولدة أمبيرات، غطت من خلالها الأسواق في أحياء (القنوات، المزة، الميدان، الصالحية، دمر، الشام الجديدة، باب مصلى، الفحامة، الصناعة، القيمرية، الجسر الأبيض، التضامن، نهر عيشة...) وجرى استيفاء رسم الإشغال من أصحاب المولدات، وفق القانون المالي للوحدات الإدارية، وهو 2000 ليرة عن كل متر يومياً!
على الطرف المقابل نقل عن رئيس مجلس مدينة جرمانا، كفاح الشيباني، قوله إن المجلس اتخذ قراراً بعدم الموافقة على ترخيص الأمبيرات، منعاً لحدوث فوارق بين سكان المدينة!
فالمدهش بالأمر أن وزارة الكهرباء ترفض الأمبيرات وتعتبر استجرار الكهرباء عبر مولدات الأمبير مخالفة للقوانين النافذة، لكن مقابل ذلك يستمر واقع الكهرباء بالتردي، على الرغم من إمكانات التوليد المتاحة في المحطات العاملة، وتستمر المحافظات بمنح التراخيص لمستثمريها لتزيد من توسع انتشارها وترفع من معدلات استغلال حاجة المواطنين من خلالها، وربما الاستثناء بما يخص جرمانا يثبت القاعدة ولا ينفيها!
فهل هذا تناقض في التوجهات الرسمية، أم إن الشرعنة بعيداً عن القوننة لها اعتبارات رسمية أخرى؟
فمن النتائج السلبية للشرعنة في ظل انعدام القوننة مثلاً أن مستثمري الأمبيرات يتقاضون من المواطنين بدلات خدمة متباينة، بل ولا يلتزمون بما تحدده المحافظات كبدلات!
فبعد أن حددت محافظة ريف دمشق سعر الكيلو واط الساعي عبر مولدات الأمبير بمبلغ 5220 ليرة، عادت ورفعت هذا المبلغ إلى 7500 ليرة بضغط من مستثمري مولدات الأمبير، لكن واقع الحال يقول إن مستثمري مولدات الأمبير يتقاضون من المواطنين مبلغ 15000 ليرة لقاء الكيلو واط الساعي!
والأسوأ أن بعض مستثمري مولدات الأمبير أصبحوا يتعاملون بتسعيرات مختلفة تبعاً لأوقات الذروة أيضاً!
والأمر على هذا الحال المستمر من التردي الكهربائي، مع الإصرار عليه عمداً، يعني من الناحية العملية شرعنة الاستغلال وزيادة معدلاته ليس إلّا!

حقوق المواطن في ميزان وزارة الكهرباء والحكومة!

هدر الحقوق وابتلاعها لم يقف عند حدود تخفيض الدعم على الطاقة الكهربائية من خلال زيادة ساعات التقنين ورفع تعرفة الاستهلاك بين الحين والآخر، واللجوء اضطراراً إلى البدائل بعوامل الاستغلال الكبيرة فيها، بل تجاوزتها إلى حدود اتهام المواطنين بالإسراف باستهلاك الطاقة الكهربائية، على الرغم من عدم توفيرها!
فقد نقل عن وزير الكهرباء قوله إن معدل استهلاك الأسرة السورية رغم التقنين 5 أضعاف الاستهلاك في مصر... وتابع أن معدل استهلاك الأسرة السورية للكهرباء رغم ساعات التغذية القليلة يبلغ ألف كيلو شهرياً، بينما في مصر يبلغ 203 كيلو فقط، وذلك لعدم الانتباه لحجم استهلاك الأجهزة في المنازل بسبب مجانية السلعة المقدمة للمواطنين، وتابع الوزير قائلاً 30% من حجم الاستهلاك المنزلي هو لتسخين المياه، والوزارة دعمت قروض السخانات الشمسية عبر صندوق الطاقات المتجددة، إلّا أن أعداد المتقدمين كانت قليلة!
وتجدر الإشارة بهذا السياق أن تصريح الوزير أعلاه جاء تزامناً مع رفع تعرفة استهلاك الطاقة الكهربائية للشرائح المنزلية بنسبة تجاوزت 300% وسطياً!
وربما يمكن القول إن الحديث الرسمي أعلاه يعبر تماماً عن النهج التبريري للتقاعس والإهمال، وسياسات هدر الحقوق وابتلاعها! فعن أي مجانية للسلعة يتم الحديث؟ وما هي أوجه المقارنة مع مصر أو غيرها بهذا المجال؟
فالوزير أغفل، وهو العارف افتراضاً، أن جزءاً هامّاً من التوفير في معدلات الاستهلاك للطاقة الكهربائية في مصر سببه الرئيسي هو توفير الغاز المنزلي بأسعار مخفضة ومدعومة في الكثير من المدن، وخاصة ذات الكثافة السكانية المرتفعة كالقاهرة والإسكندرية، ليس للطبخ والنفخ فقط، بل لتسخين المياه والتدفئة أيضاً!
فالمقارنة التي تحدث الوزير عنها مع مصر غير منصفة بل مجحفة جداً، سواء على مستوى معدلات الاستهلاك، أو على مستوى التعرفة «المدعومة»، أو على مستوى البدائل المتاحة، والأهم على مستوى متوسط معدلات الدخل بالمقارنة مع مستويات الأسعار!
لكن هذا النمط من الحديث الرسمي المعمم هو لسان حال التوجهات الحكومية والرسمية تجاه المواطنين وحقوقهم، بغاية قضم المزيد من هذه الحقوق بكل لا مسؤولية!
فهل بعد كل ما سبق يمكن التعويل على تنشيط أي فاعلية وأنشطة اقتصادية، إنتاجية أو خدمية، أو الحديث عن معدلات تنمية ونمو في البلاد، وهل ذلك أصلاً موجود في التوجهات الرسمية الفعلية، باستثناء الحديث الخلبي عنها؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1170
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:37