المدارس الخاصة... سباق في الرسوم ومعدلات الاستغلال!

المدارس الخاصة... سباق في الرسوم ومعدلات الاستغلال!

تتسابق المدارس الخاصة (رياض الأطفال- الابتدائي- الإعدادي- الثانوي) في نهاية كل عام دراسي بسيناريوهاتها المتضمنة رفع رسومها السنوية، وصولاً إلى أرقام مليونية مفتوحة لمزيد من الزيادة مع بداية العام الدراسي!

فقد تحولت المنظومة التعليمية في المدارس الخاصة عاماً تلو الآخر، مع سياسات الخصخصة المتبعة بالتوازي مع تراجع العملية التعليمية في المدارس الحكومية، إلى منظومة ربحية واستغلالية بغايتها فقط لا غير، على حساب جودة العملية التعليمية، كما على حساب الطالب وذويه، مقابل التنافس فيما بينها على بعض الخدمات الترفية والترفيهية، وسط غياب شبه تام للجهات المعنية، بل وبموجب قرارات رسمية كرست سوء الوضع أكثر فأكثر، وخلفت الكثير من الموبقات التي سممت العملية التعليمية ككل، سواء في المدارس الخاصة أو العامة!

فوضى مستمرة بلا ضوابط!

وسط هذه الفوضى والزيادات الخيالية للأقساط والرسوم السنوية، وتفاوتها بين مدرسة وأخرى، أصدرت وزارة التربية قراراً يقضي بتحديد أسعار الأقساط السنوية للمدارس الخاصة، والمؤسسات التعليمية الخاصة التي تقيم دورات لشهادتي (التعليم الأساسي والثانوي حصراً) لعام 2024–2025م.
لكن المشكلة لا تتمحور حول إصدار القرارات فقط، بل بتنفيذها والرقابة على حسن هذا التنفيذ!
إذ سبق لوزارة التربية إصدار قرار مماثل للعام الدراسي 2022–2023م، لكن ماذا حدث؟
فواقع الحال في الأعوام الماضية يقول إن المدارس الخاصة ضربت بعرض الحائط السقوف المحددة للرسوم السنوية في المدارس الخاصة من قبل وزارة التربية، وضوابطها!

تصنيف نخبوي وضوابط خلبية!

أكدت رئيسة دائرة التعليم الخاص بوزارة التربية «وسام الحاج علي» خلال حديث عبر إذاعة شام إف إم في شهر أيار 2023 أن الوزارة لم تُجرِ أي تعديل على أسعار الأقساط المدرسية للعام الحالي، وأشارت إلى أنه جرت في العام الماضي دراسة وتصنيف المدارس إلى أربع فئات حددت من خلالها الأقساط، الفئة الأولى كحد أعلى 700 ألف ليرة للثانوي، و600 ألف ليرة للإعدادي، والفئة الثانية تتراوح بين 300–600 ألف ليرة. ولفتت رئيسة دائرة التعليم الخاص إلى أنّ الخدمات التي تقدمها المدارس (مقاعد، تعليم إضافي، كتب) تضاف إلى الأقساط، والباصات خارج التسعيرة والتصنيف تبعاً للمتغيرات والظروف!
وكان قد صدر قرار من وزارة التربية يقضي برفع أقساط المدارس الخاصة بما لا يتجاوز الـ 5% كل سنتين، بالإضافة إلى تعميم موجه للمدارس الخاصة بضرورة إعلام مديرية التربية وأولياء الأمور بأجور الخدمات والميّزات الإضافية والنقل قبل بدء التسجيل، مع الالتزام بعدم زيادتها خلال العام الدراسي، إلا النقل في حال صدور قرارات بزيادة سعر المحروقات رسمياً، بالإضافة إلى إعلان الأقساط وأجور الخدمات والميزات الإضافية بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة، ومنح أولياء الأمور إيصالاً بذلك متضمناً اسم المؤسسة والمبالغ المسددة بشكل مفصل تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالف وعدم زيادة القسط المدرسي المعتمد أصولاً، بالإضافة إلى عدم استيفاء أي مبالغ إضافية.
إلا ان واقع الحال يقول إن غالبية المدارس الخاصة لم تلتزم خلال العام الدراسي الماضي لا بالقرار، ولا بالأقساط المحددة ولا بالتعميم، حيث ترفع المدارس الخاصة أقساطها سنوياً بمبالغ كبيرة، وعلى عينك يا تاجر!
فقد وصلت أقساط بعض دور رياض الأطفال في العام الماضي لما يقارب 8 ملايين ليرة، مع المواصلات طبعاً!
وتراوحت أقساط المدارس (ابتدائي– إعدادي– ثانوي) ما بين 5 ملايين ليرة وصولاً إلى 15 مليون ليرة في المرحلة الثانوية!
ولا غرابة بعد ذلك من وصول أقساط بعض المدارس النخبوية الخاصة، لأبناء الشريحة المخملية، إلى ما يتجاوز 40 مليون ليرة!
ولم لا؟! فالضوابط والتصنيف والرسوم فضفاضة وتقبل الكثير من التأويل، خاصة تلك المرتبطة بالمواصلات والإضافات الكثيرة مفتوحة التكاليف!
وللتأكيد على ذلك فقد نقل عن رئيسة دائرة التعليم الخاص في وزارة التربية وسام الحاج علي عبر موقع أثر برس خلال شهر أيار 2023 أيضاً قولها إن أجور الخدمات والميزات الإضافية المعلنة في المؤسسات التعليمية الخاصة يتم تحديدها وفق معطيات يقدرها أصحاب تلك المؤسسات، وتخضع للضرائب كافة المترتبة على القطاع الخاص، وهي: قيمة العقارات والتجهيزات، رواتب وأجور العاملين، الخدمات التربوية المقدمة (رحلات ترفيهية – تدريس مواد إثرائية)، النفقات الكهربائية الموجودة في المدارس للتكييف والإنارة، ونفقات التدفئة المطلوبة، ونفقات الوسائل التعليمية ومستلزمات العملية التعليمية!

رسوم مليونية رسمياً!

صدر عن وزارة التربية مطلع شهر نيسان الحالي قرار حدد بموجبه القسط السنوي للمدارس الخاصة للعام الدراسي 2024–2025م بحسب فئاتها، على الشكل الآتي:
الفئة الأولى: رياض الأطفال 1,225,000 ليرة سورية - الحلقة الأولى 1,750,000 ليرة سورية - الحلقة الثانية 2,100,000 ليرة سورية، المرحلة الثانوية 2,450,000 ليرة سورية.
الفئة الثانية: رياض الأطفال 875,000 ليرة - التعليم الأساسي حلقة أولى 1,400,000 ليرة، الحلقة الثانية تعليم أساسي 1,750,000 ليرة، أما المرحلة الثانوية 2,100,000 ليرة.
الفئة الثالثة: رياض الأطفال 700,000 ليرة، التعليم الأساسي حلقة أولى 1,050,000 ليرة، أما الحلقة الثانية التعليم الأساسي 1,400,000 ليرة، للمرحلة الثانوية 1,750,000 ليرة سورية.
الفئة الرابعة: رياض الأطفال 525,000 ليرة، التعليم الأساسي حلقة أولى 700,000 ليرة، التعليم الأساسي حلقة ثانية 1,050,000 ليرة، المرحلة الثانوية 1,400,000 ليرة سورية.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الرسوم المحددة من قبل الوزارة لا تشمل أيّاً من الإضافات الفضفاضة التي تم ذكرها أعلاه، والتي تضاعف بالنتيجة من قيمة الرسوم السنوية مرات عديدة!

رأي ذوي بعض الطلاب!

خلال استطلاع لقاسيون لآراء ذوي بعض الطلاب والتلاميذ في بعض المدارس الخاصة، فقد أكد هؤلاء أن مدارس أبنائهم تواصلت معهم مطالبة بأقساط حدها الأدنى 5 ملايين ليرة لتثبيت تسجيل أبنائهم خلال العام الدراسي القادم، وهي قابلة للزيادة، دون أجور المواصلات!
بالإضافة إلى ذلك فإن المدارس الخاصة لم تعلن عن أقساطها عن العام الدراسي القادم، لا عبر لوحات إعلاناتها داخل المدرسة، ولا عبر صفحاتها الخاصة، بل والأكثر من ذلك أنه عند استفسار ذوي الطلاب عن القسط النهائي يتم التذرع بأن التكلفة لم يتم استكمال حسابها الآن، لذلك يتم الاكتفاء حالياً بطلب الدفعة الأولى المبينة أعلاه للتثبيت، وبالتالي فإن مبلغ الرسم سيبقى مجهولاً إلى غاية بدء العام الدراسي!
أما عن مدى التزام المدارس الخاصة بالرسوم المحددة من قبل وزارة التربية فقد أكد ذوو الطلاب أن المدارس لم تلتزم بهذه الرسوم ولا مرة، والشكوى بهذا الشأن غير مجدية، بل ربما تنعكس سلباً على أبنائهم خلال العام الدراسي، أو ربما يتم رفض تثبيت تسجيلهم، والذرائع متاحة وكثيرة لدى إدارات المدارس الخاصة بهذا الشأن!
أما الأسوأ فهو العجز الذي أصاب بعض ذوي الطلاب جرّاء زيادة الرسوم السنوية، وعدم تمكنهم من تأمينها كما كانت عليه الحال!
فمن كان قادراً من هؤلاء على تحمل رسم سنوي بمئات الآلاف من الليرات، بات عاجزاً عن إمكانية تأمين رسم سنوي يصل إلى الملايين!

الأصعب والأسوأ!

والمصيبة بالنسبة لذوي بعض الطلاب أن الانتقال من المدارس الخاصة إلى المدارس العامة ليس سهلاً، فهو يحتاج إلى الكثير من الإجراءات، بالإضافة طبعاً إلى الوساطة، فإدارات بعض المدارس الرسمية تتحجج بالاكتفاء بما لديها من اكتظاظ في الشعب الصفية، وهي محقة بذلك طبعاً، لكنها غالباً ذريعة للاستغلال والضغط ليس إلا!
أما الأصعب بهذا الشأن فهو إمكانية إعادة انخراط أبنائهم في المدارس الرسمية مع أقرانهم، بالإضافة إلى الاضطرار للجوء إلى الدروس الخصوصية المكلفة، التي تعوض الفرق على مستوى تكلفة دراسة أبنائهم في المدارس الخاصة!
فبحسب والدة إحدى الطالبات، التي اضطرت إلى نقل ابنتها إلى مدرسة حكومية بسبب زيادة الرسم في المدرسة الخاصة التي كانت بها خلال العام الماضي، أنها تكبدت مبالغ مالية كبيرة على الدروس الخصوصية، أكثر مما كانت تتكبده لقاء رسوم المدرسة الخاصة، وذلك بسبب تراجع سوية ابنتها التعليمية!
أسوأ الأسوأ بكل ما سبق أعلاه أن المدارس الرسمية بحال مزرٍ على المستويات كافة، وخاصة على مستوى تراجع جودة العملية التعليمية فيها عاماً بعد آخر، مع الكثير من اللامبالاة حيال ذلك، والمدارس الخاصة باتت أعلى تكلفة بحيث يتم نبذ العاجزين عن تحمل هذه التكلفة منها تباعاً، والدروس الخصوصية تضاعفت أسعارها بحيث أصبحت حكراً على الميسورين والقادرين أيضاً، في فرز طبقي يتسع ويتعمق مع مطلع كل عام دراسي!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1170
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:39