تناسب العقوبة مع الجريمة.. وأمثلة مستجدة متباينة!
يجمع فقهاء القانون على مبدأ (تناسب العقوبة مع الجريمة) على أنه من أهم المبادئ الجزائية!
وبحسب القانونيين فإن ذلك التناسب يضمن ما يلي:
تحقيق العقوبة غايتها في الردع الخاص والعام.
فرض العدالة.
إصلاح وتأهيل المجرم.
ومن المتعارف عليه أن المُشرّع يضع في القوانين حداً أقصى وأدنى للعقوبة، والتي يترك للقاضي تقديرها، وذلك وفقاً لملابسات الواقعة بعينها، وبحسب ظروف الجاني!
وبحسب بعض القانونيين فإن «تناسب العقوبة مع الجريمة قد لا يتوافر حين نكون بصدد أكثر من قانون يعاقب على جرائم تحمل درجة الخطورة والجسامة ذاتها، وذلك بسبب التفاوت في تاريخ صدورها»!
فماذا عن قوانين لا تفاوت في تاريخ صدورها، ومع ذلك تتضمن عدم تناسب العقوبة مع الجريمة بالمقارنة فيما بينها؟!
المثال الملموس مؤخراً هو العقوبات المنصوص عليها بموجب التعديلات على قانون الاتصالات، والعقوبات على الأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية لنيل الشهادات العامة!
فمع الإقرار بأن الخطورة والجسامة بين ما يواجهه قانون الاتصالات كظاهرة من طرف، وما يواجهه قانون الأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية كظاهرة مختلفة من طرف آخر من جرائم وحال التباين النسبي بينها، فإن ذلك لا ينفي ضرورة التناسب المطلوب افتراضاً في العقوبة المنصوص عليها في كل منها بالمقارنة مع نوع وتوصيف كل جريمة، كون كلاهما يتناولان ظواهر مستجدة نسبياً كأفعال جرمية اقتضت العدالة فرض عقوبات عليها!
تفصيلات عقابية للمقارنة بالملموس!
بحسب المرسوم التشريعي رقم (40) لعام 2023 القاضي بتعديل المادة 67 من قانون الاتصالات رقم (18) لعام 2010، وتعديلاته:
أ- يعاقب بغرامة من (4,000,000) ل.س أربعة ملايين ليرة سورية إلى (8,000,000) ل.س ثمانية ملايين ليرة سورية كل من حصل على خدمة من خدمات الاتصالات بوسائل احتيالية مع علمه بذلك بقصد التهرب من دفع الأجور والرسوم المستحقة على هذه الخدمة.
ب- يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من (20,000,000) ل.س عشرين مليون ليرة سورية إلى (40,000,000) ل.س أربعين مليون ليرة سورية كل من ساعد أو مكّن، بوسائل احتيالية، من الحصول على خدمة من خدمات الاتصالات مع علمه بذلك بقصد التهرب من دفع الأجور والرسوم المستحقة على هذه الخدمة.
وبحسب القانون رقم (42) لعام 2023 المتضمن فرض عقوبات على الأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية لنيل الشهادات العامة:
المادة 3 –يعاقب بالسجن المؤقت، وبالغرامة من /3000000/ ل.س ثلاثة ملايين ليرة سورية إلى /5000000/ ل.س خمسة ملايين ليرة سورية، كل من يقوم بتسريب أسئلة الامتحانات العامة.
المادة 4 –يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين، وبغرامة من /300000/ ل.س ثلاثمئة ألف ليرة سورية إلى /500000/ ل.س خمسمئة ألف ليرة سورية، كل من يقوم بالتلاعب بعمليات التصحيح أو التنتيج في أوراق إجابات الامتحانات العامة.
المادة 5 –يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين، وبغرامة من /300000/ ل.س ثلاثمئة ألف ليرة سورية إلى /500000/ ل.س خمسمئة ألف ليرة سورية، كل من انتحل شخصية أو صفة غيره في الامتحانات العامة.
المادة 6 –يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر، وبغرامة من /100000/ ل.س مئة ألف ليرة سورية إلى /300000/ ل.س ثلاثمئة ألف ليرة سورية، كل من يسهل للتلميذ أو الطالب الغش في الامتحانات العامة بأي وسيلة كانت خلافاً للتعليمات الامتحانية.
تباين واضح ورسائل متوخاة!
من الواضح بحسب التفصيلات أعلاه أن أشد عقوبة في قانون الاتصالات هي الحبس لمدة خمس سنوات، والغرامة بمبلغ 40 مليون ليرة!
بينما كانت أشد عقوبة بما يخص قانون الأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية هي الحبس لمدة سنتين، والغرامة بمبلغ 5 ملايين ليرة!
والسؤال الذي يطرح نفسه من خلال المقارنة أعلاه:
هل اعتبر المُشرّع أن الجرم الخاص بقانون الاتصالات أهم وأكبر من الجرم الخاص بسير العمليات الامتحانية، وبالتالي اقتضى أن تكون العقوبات فيه أطول مدة بالنسبة للحبس، وأكبر قيمة من حيث مبالغ الغرامات؟
وما هي الرسالة المتوخاة من ذلك على مستوى تحقيق العقوبة غايتها في (الردع الخاص والعام، وفرض العدالة، وإصلاح وتأهيل المجرم)!
فإذا كان قانون الاتصالات قديماً وجرى الآن تعديل في العقوبات المنصوص عليها بمتنه لمواجهة التعدي على حق الدولة بشقه المادي في جبايتها للرسوم، وبما يتوافق ويحقق الغايات أعلاه (الردع والعدالة والإصلاح)، فإن القانون الخاص بالأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية هو قانون جديد لمواجهة ظاهرة مستجدة وخطيرة، تتجاوز تداعياتها حقوق الدولة المادية إلى حقوق أفراد المجتمع المعنوية، بل ومستقبل الأفراد والمجتمع أيضاً!
والسؤال الذي يفرض نفسه هل سيحقق قانون الأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية غايات (الردع والعدالة والإصلاح)؟!
قانون هام وضروري ولكن!
لن نستفيض أكثر من ذلك في تفنيد القانون الجديد الخاص بالأفعال المخلة بسير العملية الامتحانية وحيثياته، بالرغم من تأكيدنا على ضرورته وأهميته، لكن سنختم مع ما دوّنه بعضهم تعقيباً عليه، وذلك على صفحة الحكومة نفسها:
المبالغ يلي عما تندفع للفاسدين أكبر بكتير من المبالغ المذكورة كغرامات.. المفروض العقوبات تكون أشد بكتير!
المال يمحو كل القوانين!
كنا نتمنى لو تكون عقوبة من يسرب الأسئلة أكبر مما ورد بالمادة 3 من القانون وتتضمن السجن من 3 -5 سنوات إضافة إلى الغرامة المادية المذكورة لتكون رادعة أكثر حيث إن السجن المؤقت والغرامة المنصوص عليها ليست رادعة.. فمن يسرب الأسئلة يمكن أن تسول له نفسه بأن يقبض أكثر بكثير من 5 ملايين!
نتمنى أن يصدر قانون مماثل خاص بوزارة التعليم العالي والامتحانات ضمن الجامعات لضمان سلامة العملية الامتحانية وعدم التلاعب بالنتائج كون الامتحانات في المرحلة الجامعية لا تقل أهمية عن امتحانات الثانوية العامة والتعليم الأساسي!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1155