النزف مستمر وصافرات الإنذار تُقرع وآذان الرسميين ليست صماء!
في لقاء مع عميد كلية الطب في جامعة دمشق د. رائد أبو حرب، عبر إذاعة المدينة اف ام بتاريخ 4/1/2023، قال حول سفر الطلاب ما يلي: «هذا الموضوع شائك جداً، ولا يتعلق فقط بكلية الطب، فالأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية التي نمر بها أجبرت البعض على التفكير بالسفر، مؤكداً: أن الطبيب السوري يُقدم على طبق من ذهب للدول التي تستقطبه، وأن سورية تتأمل عودة هذه الطاقات الشابة؛ لإغناء المنظومة الصحية والطبية والتعليمية».
حديث عميد كلية الطب أعلاه، يؤكد أن النزف في الكادرات الشابة مستمر، وهو معمم على كل الطاقات الشابة المؤهلة والمدربة، وهو بآن يسلط الضوء على الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى السفر، والمتمثلة بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية!
وفي حديث سابق لأحد الأساتذة المحاضرين في كلية الطب، منقول عبر وسائل الإعلام في شهر آذار 2023 قال: «يُحزنني أن نفقد طلابنا وأبناءنا، إذ من المفترض أن يتسلموا الراية التي حملناها.. أرى طلابي يبدؤون بتعلّم الألمانية منذ سنوات دراستهم الأولى، وهذه صافرة الإنذار الأولى التي أتلقاها منهم، وأول إِشارة على أنهم في طريقهم إلى السفر»!
فهل ستكون الأحاديث المستجدة أعلاه صافرة إنذار مجددة للاستفاقة على عوامل النبذ المستمرة، الطاردة للسوريين خارج الحدود، وخاصة تلك الكفاءات والطاقات التي تم تعليمها وتأهيلها وتدريبها، لتُقدم بالنتيجة «على طبق من ذهب للدول المستقطبة» بحسب تصريح عميد كلية الطب أعلاه؟!
أم أن المعنيين من الرسميين غير معنيين، ولا يحزنهم ما آلت إليه أحوال السوريين، وخاصة الكادرات، ليُقدموا من قبلهم، وبسببهم وبسبب سياساتهم، على طبق من ذهب؟!
فموجات الهجرة والسفر ما زالت مستمرة، رغم التراجع النسبي بأعدادها خلال السنين القليلة الماضية، ليس بسبب انحسار الرغبة لدى السوريين والشباب خاصة، أو بسبب تحسن الأوضاع الداخلية وانخفاض عوامل النبذ، بل لأسباب كثيرة أخرى، وخاصة الأعباء المادية الكبيرة كتكلفة، والصعوبات المستجدة في بعض دول الاستقطاب، التي باتت الخيارات أمامها أكثر مرونة في «غربلة» الوافدين اليها، أو الراغبين بذلك!
فطبق الذهب متاح، وفيه الكثير من كفاءاتنا وكادراتنا، وما على دول الاستقطاب إلا غرف ما تريده منه بكل سهولة، لتقديم التسهيلات بعد ذلك لمن تريد من هؤلاء!
لا شك أن طبق الذهب، الذي يتم الحديث عنه، يتمثل بداية بعوامل النبذ والطرد بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون عموماً!
فسياسات الإفقار الممنهجة عامل نبذ، وسياسات تخفيض الإنفاق العام وتخفيض الدعم عامل نبذ آخر، والسياسات الأجرية أكثر سوءاً ونبذاً، وبقية السياسات لا تقل عن غيرها بدورها الطارد والنابذ، ليس للكفاءات والكادرات فقط، بل ولكل من استطاع إلى السفر سبيلاً من السوريين، ليضاف إلى كل ما سبق من عوامل نبذ وطرد تلك الظواهر والآفات الهدامة، التي يتم تكريسها وتعميقها وتوسيعها بسبب جملة السياسات الهدامة نفسها!
بل والاسوأ من كل ذلك، أن يتم تتويج عوامل النبذ المتضافرة أعلاه بعوامل الاستغلال حتى اللحظة الأخيرة للمطفشين والمجرفين من البلد، من خلال الزيادات المتلاحقة على تعرفة الحصول على جواز السفر!
فآذان الرسميين ليست صماء، لكنهم يتعامون عن صافرات الإنذار التي تقرع قصداً وعمداً، كما يتعامون عن كوارث موبقات سياسات الإفقار والطرد والنبذ المتبعة، المؤتمنون على تنفيذها مهما كانت نتائجها!
ومن المؤكد بعد ذلك، أن أمل عودة الطاقات الشابة، الذي عبر عنه عميد كلية الطب أعلاه، لن يتحقق إلا من خلال إنهاء مسببات وعوامل النبذ والطرد المستمرة، وأهمها: السياسات الظالمة المتبعة مع ملحقاتها، وخاصة كنس وتقويض إمكانات المستفيدين منها، كبار حيتان المال والفساد والإفساد في البلاد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1156