الدولة مستمرة بجهود أصحاب الأجور الهزيلة!
سمير علي سمير علي

الدولة مستمرة بجهود أصحاب الأجور الهزيلة!

صدر بتاريخ 12/4/2023 مرسوم يقضي بصرف منحة مالية لمرة واحدة بمبلغ مقطوع قدره 150 ألف ليرة سورية معفاة من ضريبة دخل الرواتب والأجور وأية اقتطاعات أخرى.

لن نخوض بمبلغ المنحة المتواضع بالنسبة لأصحاب الأجور بالمقارنة مع حجم الاحتياجات وارتفاعات الأسعار، لكن سنقف فقط عند مؤشر رقمي آخر مرتبط بها!
فبعد صدور المنحة بين معاون وزير المالية الدكتور منهل هناوي أن إجمالي كلفة المنحة 368 مليار ليرة.
إجمالي الكلفة أعلاه يعني أن عدد أصحاب الأجور المستهدفين منها يقدر بحدود 2,4 مليون مستحق.
العدد أعلاه يشمل بحسب المرسوم كلّ العاملين داخل الأراضي السورية (المدنيين والعسـكريين) في الجهات العامة الدائمين والمتعاقدين والمؤقتين والمجـندين في الجيـش والقوات المسـلحة. كما تشمل أصحاب المعاشات التقاعدية من العسـكريين والمدنيين، ويستفيد منها المستحقون عن أصحاب المعاشات التقاعدية، وأصحاب معاشات عجز الإصابة الجزئي من المدنيين غير الملتحقين بعمل ولا يتقاضون معاشاً من أية جهة تأمينية أخرى.
وعلى اعتبار أن المؤشرات الرقمية الرسمية غائبة عن تفصيلات الأعداد أعلاه، فسنقوم بحسابات تقريبية استناداً إليها.
فإذا اعتبرنا أن العدد أعلاه موزع على ثلثين مقابل ثلث بين القائمين على رأس عملهم وبين المتقاعدين، على اعتبار أن عدد مستحقي المعاشات التقاعدية أكبر بسبب وجود الورثة من أصحاب الأجور التقاعدية، فإن عدد القائمين على رأس عملهم سيكون بحده الأعلى 800 مليون مستحق، وهؤلاء موزعون بين عسكريين ومدنيين.
وبحال اتبعنا المناصفة في التوزيع، نستنتج أن عدد العاملين المدنيين لا يتجاوز 400 ألف مستحق بأحسن الأحوال، وبحال أسقطنا من هؤلاء المتعاقدين والمؤقتين وأصحاب معاشات الإصابة وبنسبة 15% فقط، يتبين أن عدد العاملين الدائمين لا يتجاوز 350 ألفاً فقط لا غير.
وللمقارنة فقد كان هذا العدد قبل سني الحرب والأزمة يتجاوز 1,5 مليون عامل، على ذلك فإن النزف في العمالة خلال السنوات الماضية، وبغض النظر عن أسبابه الكثيرة والمتشابكة، يتجاوز نسبة 70%!
فالدولة بوزاراتها ومؤسساتها وجهاتها العامة كافة، وبكافة قطاعاتها الإنتاجية والخدمية، تمارس أعمالها ومهامها المفترضة عملياً من خلال جهود هذا العدد من العاملين المدنيين المتبقين على رأس عملهم، وبأجورهم الهزيلة والمحدودة، ومع تزايد عوامل نبذ العمالة من الجهات العامة فإن هذا العدد سيتسمر بالانخفاض دون أدنى شك!
والسؤال المطروح كيف للدولة أن تقوم بمهامها كما يجب وكما هو مفترض مع تضاؤل وتراجع أعداد العاملين لديها؟
ولعل الإجابة عن ذلك واضحة، فالسياسات الحكومية ماضية نحو تقليص دور الدولة تباعاً، وهو ما يجري عملياً من خلال التخلي عن الكثير من المهام والواجبات المفترضة، والأكثر من ذلك هو التخلي المتتابع عن بعض القطاعات أيضاً، لمصلحة المزيد من تغول أصحاب الأرباح، عبر أنماط الخصخصة المباشرة وغير المباشرة!
فقد بات من الواضح أن الاستمرار بنفس السياسات المطبقة، وخاصة السياسات الأجرية الظالمة، لن تكون نتيجته محصورة فقط بزيادة نزف العمالة وبالتضحية بواجبات الدولة ومهامها وبقطاعاتها الحيوية تباعاً، بل للتضحية بالدولة نفسها كمؤسسة المؤسسات!
وكخلاصة فإن التغيير الجذري والعميق والشامل هو ضرورة الضرورات، ليس من أجل مصالح السوريين بأغلبيتهم المفقرة من أصحاب الأجور فقط، بل من أجل الحفاظ على الدولة نفسها التي يتم تقويض دورها لتتآكل ذاتياً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1119
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:21