لجان لتحديد المسؤوليات.. بلا ملاحقات قانونية!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

لجان لتحديد المسؤوليات.. بلا ملاحقات قانونية!

خلال اجتماع لرئيس الحكومة، مع كل من وزيري الإدارة المحلية والبيئة والأشغال العامة والإسكان، ومجلسي إدارة نقابتي المهندسين ومقاولي الإنشاءات، بتاريخ 23/2/2023، تم تحديد «التوجهات والإجراءات اللازم اتخاذها لضبط عملية البناء والإنشاء، والأدوار المطلوبة من كل جهة في مجال التشدد بالدراسات والتدقيق والإشراف والتنفيذ بما يضمن السلامة الإنشائية للأبنية في مواجهة أية كوارث طبيعية وتأمين أكبر قدر من الحماية للقاطنين».

الاجتماع بجوهره كرر المكرر، فلا جديد حقيقياً يذكر فيه، فمخرجاته تمثلت بتشكيل بعض اللجان، والتكليف ببعض المهام، دون أية إضافة يمكن الاتكاء عليها بما يخص المنكوبين والمتضررين من الزلزال!
نقاط مستقبلية.. فهل يتم التقيد بها؟!
تم خلال الاجتماع استعراض بعض النقاط (القديمة المستجدة)، ومنها على سبيل المثال:

  • الآليات الناظمة لعملية الإنشاء والبناء وتحديد الدور المناط بكل جهة.
  • المواءمة بين مناطق نشاط الزلزال وخطط توسع البناء في المناطق المنكوبة.
  • ضرورة التزام الجهات المعنية بتنفيذ القرارات والتعاميم الخاصة بتعهدات البناء.
  • تكليف نقابة المهندسين إعادة دراسة الكود السوري الخاص بمقاومة الزلازل خصوصاً بعد الزلزال الذي أصاب عدداً من المحافظات مؤخراً ووفقاً لخصوصية كل منطقة وإمكانية تأثرها بالنشاط الزلزالي بما يؤمن حماية أكبر للأبنية وتخفيف أية أضرار قد تقع مستقبلاً.
  • الطلب من الجهات المعنية إعداد حزمة من الإجراءات لضبط العمل الهندسي والإنشائي خلال المرحلة القادمة لتتم مناقشتها في لجنة الخدمات والبنى التحتية ومجلس الوزراء واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها إضافة إلى إعادة تصنيف مهنة المقاولين لتكون وفق محددات واضحة تشمل من يحق له العمل في هذا المجال.
  • ضرورة التنسيق التام بين الوحدات الإدارية في المحافظات وبين النقابتين في سياق إنتاج مخططات تنظيمية فعالة من النواحي الإدارية والتنظيمية والكفاءة والفاعلية.
  • الوحدات الإدارية جزء أساسي في مراقبة سلامة البناء وفق المعايير والشروط المحددة.


النقاط المطروحة أعلاه قديمة ولا جديد حقيقي فيها، ومع ذلك لم يتم التقيد بها سابقاً وكانت النتيجة ما آلت إليه الأوضاع، ليس على مستوى النتائج الكارثية للزلزال فقط، بل على مستوى عدم الالتزام بمعايير وأسس السلامة الإنشائية عموماً، وخاصة في مناطق المخالفات والعشوائيات.

فهل إعادة طرح هذه النقاط بشكلها المستجد أعلاه سيضمن عدم تكرار المأساة، أو ستكون كافية للإلزام بأسس السلامة الإنشائية، أو بالكود السوري الخاص بمقاومة الزلازل؟!
ماذا عن الزلزال والمخالفين والمتضررين؟!

ومن جملة ما تم طرحه خلال الاجتماع «التأكيد على ضرورة التدقيق في حيثيات الأضرار التي أصابت الأبنية جرّاء الزلزال المدمر، مع ضرورة التمييز بين الضرر الذي وقع بسبب شدة الزلزال على الرغم من اتخاذ كافة إجراءات السلامة الإنشائية وفق المعايير المعتمدة، وبين حالة الضرر الذي وقع بسبب التقصير وعدم الالتزام بمعايير وأسس السلامة الإنشائية».

وتقرر ما يلي:

  • تشكيل لجنة في المحافظات المتضررة تضم وزارتي الأشغال العامة والإسكان والإدارة المحلية والبيئة ونقابتي المهندسين والمقاولين وخبراء مختصين من الجامعات والوحدة الإدارية المعنية، بهدف تحديد أسباب انهيار الأبنية جرّاء الزلزال، وتحديد المسؤوليات بدقة، والاستفادة من الدرس القاسي الذي عانى منه البلد لتعزيز وتمكين القطاع الإنشائي مستقبلاً.
  • تشكيل لجان فرعية بالمحافظات بالتنسيق مع نقابة المهندسين لمراقبة عمل مجابل البيتون للتأكد من سلامة المواد البيتونية وأخذ عينات يومية للتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة على أن يتم إغلاق أي مجبل مخالف للمواصفات وإنزال أشد العقوبات القانونية بحق المخالفين.

لكن لم يتضح ما هو الإجراء الواجب اتخاذه رسمياً بعد تشكيل اللجان والقيام بعملها على مستوى التمييز وتحديد المسؤوليات أعلاه، في «حالة الضرر الذي وقع بسبب التقصير وعدم الالتزام بمعايير وأسس السلامة الإنشائية»!
فلا قرار عن ملاحقات قانونية وعقوبات بحق المسؤولين والمقصرين والمخالفين، ولا حديث عن تعويضات لمصلحة المتضررين!

مقابل ذلك تم الحديث عن «إنزال أشد العقوبات القانونية» بحق مجابل البيتون المخالفة فقط!
فالحديث الرسمي عن المخالفين والعقوبات، والقرار المتخذ بهذا الشأن، شمل فقط مجابل البيتون، مع «إنزال أشد العقوبات القانونية بحق المخالفين»، مقابل غض الطرف عن كل بقية المخالفين، المسؤولين عن معايير وأسس السلامة الإنشائية!

ومما لا شك فيه أن ذلك ليس سهواً حكومياً، بل هو شكل جديد لتجلي محاباة أصحاب الأرباح، التي شملت هذه المرة المقاولين والمتعهدين، بالإضافة إلى المسؤولين عن المعايير وأسس السلامة الهندسية، بما في ذلك الوحدات الإدارية!

اجتماع شكلي آخر فقط!
والخلاصة أن الاجتماع أعلاه عبارة عن إضافة شكلية لكل الاجتماعات الحكومية الشكلية الأخرى، التي لم ولن تقدم للمتضررين من عدم الالتزام بأسس ومعايير السلامة الإنشائية (الحاليين والمستقبليين) أي شيء، ولم ولن تلاحق المخالفين والمسؤولين الفعليين عن الكارثة المستجدة، والمستمرة باستمرار المخالفات وغض الطرف عن مرتكبيها، وخاصة كبار أصحاب الأرباح من مقاولين ومتعهدين!

فالوضع سيستمر على ما هو عليه، مع بعض الرتوش المتمثلة بإصدار بعض القرارات والتعاميم، وتشكيل بعض اللجان الإضافية، بنتائجها الخلبية!

ما من سكن بديل دائم.. والتعويل على الدول الصديقة!
تأكيداً على كل ما سبق أعلاه، وبعد مضى ثلاثة أسابيع على كارثة الزلزال، وحتى تاريخه، لم يصدر عن الحكومة أي حديث رسمي عن تأمين سكن بديل ودائم للمنكوبين والمتضررين من الأبنية المنهارة، أو التي تبين أنها مهددة بالانهيار وتم إخلاؤها، ولا حديث جدي عن المسؤوليات والمحاسبة عليها، بل ولا حديث عن تعويضات لهؤلاء!

فحتى حديث وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بهذا الشأن، بحسب ما صرح به لصحيفة الثورة الأسبوع الماضي، حول أن: «المتضررين من الزلزال لن يتحملوا أية أعباء في تأمين السكن، سواء المؤقت حالياً أو الدائم مستقبلاً»، تم استدراكه مباشرة من قبله، بإشارته إلى: «وجود تعاون مستمر مع دول صديقة لتأمين السكن لمن خسروه نتيجة الزلزال»، وبأن «السيناريوهات العديدة» التي يتم العمل عليها حكومياً، بالتعاون مع الدول الصديقة، هي: «ترميم الأبنية الأقل تضرراً، وإعادة بناء المتضررة كلياً، وبالنسبة للسكن المؤقت فسيكون هنالك منازل مسبقة الصنع يتم العمل على تصنيعها وتأمينها حالياً»!

والنتيجة أن الحكومة غير معنية بتأمين السكن الدائم للمتضررين، وهي تعول بسيناريوهاتها على مساعدات الدول الصديقة بهذا الشأن!
وما على المتضررين إلا انتظار مساعي الدول الصديقة، عسى تنصفهم!
فالحكومة لن تنصف هؤلاء، لا على مستوى تأمين السكن الدائم، ولا على مستوى ملاحقة المسؤولين عن الأضرار التي لحقت بهم، ولا على مستوى حقوقهم بالتعويضات!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111