التأمين الصحي.. تعديلات على حساب المؤمن عليهم!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

التأمين الصحي.. تعديلات على حساب المؤمن عليهم!

أقر مجلس إدارة هيئة الاشراف على التأمين «التعديلات المقترحة من الهيئة والمؤسسة العامة السورية للتأمين على التأمين الصحي لموظفي الدولة»، وذلك بتاريخ 22/2/2023.

وفي حسابات الربح والخسارة تبين أن التعديلات عبارة عن خسارة إضافية للمؤمن عليهم، كما جرت العادة طبعاً!
فمن خلال استعراض التعديلات المقرة تبين أنها تضمنت بعض الزيادات الطفيفة في رصيد البطاقة، وفي قيم بعض التغطيات، وعلى الرغم أنها لم تتضمن أية زيادة في القسط التأميني على المؤمن عليهم صحياً، لكن مقابل ذلك تم تحميل هؤلاء بعض الزيادات في نسب التحمل، بالإضافة إلى وضع سقوف لعدد مرات استخدام البطاقة!

التبريرات الرسمية

تبرير التعديلات المقرة، بحسب ما ورد على صفحة وزارة المالية الرسمية بنفس التاريخ، أتت: «في إطار التقييم المستمر والدوري لمحفظة التأمين الصحي للقطاع الإداري (موظفي الدولة) وتخفيف آثار التضخم الكبير في الكلف والخدمات الطبية (وبشكل خاص ارتفاع أسعار الأدوية مؤخراً) على حاملي بطاقة التأمين الصحي مع عدم زيادة قسط التأمين السنوي».

وبحسب الصفحة: «تبين من تقييم المحفظة التأمينية لعام 2022 نجاح الإجراءات المُتخذة بدءاً من قرار مجلس الوزراء باتجاه هيكلة التأمين الصحي وصولاً إلى تعديلات مجلس إدارة الهيئة والإجراءات المُتخذة لضبط الخدمة ونفقاتها، حيث لحظنا تحسناً كبيراً في الخدمة التأمينية المقدَّمة للمؤمن عليه وجودة تقديمها لدى مختلف مزودي الخدمة الطبية، واستقرار في الشبكة الطبية حتى أواخر العام، إلا أن الضغط الكبير على المحفظة نتيجة تضخم التكاليف في مختلف الإجراءات والتغطيات (خاصةً الأدوية) جعل من غير الممكن الاستمرار بنفس الشروط، إذ لم تعد تلبي الهدف بوصول الخدمة إلى المؤمن عليه بالجودة والقيمة الكافية».

فهل حققت التعديلات مصلحة المؤمن عليه، وحدت من آثار التضخم على الخدمات الصحية المقدمة له، فعلاً؟!
وعن أي تحسن في الخدمة التأمينية يجري الحديث في ظل استمرار تردي الخدمات الصحية المقدمة للمؤمن عليهم، وفي ظل استمرار تكبدهم لفوارق التغطيات فيها؟!

تفاصيل التعديلات

  • التعديلات التي تم إقرارها تضمنت التالي:
  • رفع رصيد البطاقة للإجراءات داخل المشفى الخاص (عمليات جراحية...) من /2/ مليون إلى /2,5/ وداخل المشفى العسكري والحكومي من /2,5/ إلى /5/ ملايين. والبدائل من /800/ ألف إلى/مليون/ في المشافي الخاصة، ومن /800/ ألف إلى /مليون ونصف/ في المشافي العسكرية والحكومية.
  • رفع رصيد البطاقة للإجراءات خارج المشفى (معاينات، مخابر، أدوية، مراكز أشعة) من /200/ ألف إلى /250/ ألف ومن /250/ ألف إلى /350/ ألف لمن لديه دواء مزمن، بما يكفي وصفات الأدوية المزمنة حتى نهاية العام لأكثر من 90% من المرضى المزمنين.
  • إلغاء نسبة تحمل المريض من فواتير أية إجراءات في المشافي العسكرية والحكومية سواء عمليات جراحية أو معاينات طبية أو تحاليل مخبرية أو أشعة.
  • الإبقاء على نسبة التحمل من الوصفة الدوائية المزمنة 15%.
  • رفع نسبة التحمل في الوصفات الدوائية العادية (الحادة) من 15% إلى 30%.
  • رفع نسبة التحمل في الإجراءات الخارجية (تحاليل، أشعة) من 15% إلى 25%.
  • مبلغ التحمل في العمليات الجراحية في المشافي الخاصة /75/ألف لأي من حالات الاستشفاء والقبول داخل المشفى بما فيها العمليات الجراحية التي تستوجب منامة لليلة واحدة على الأقل، وَ /25,000/ للإجراءات والعمليات التي لا تستوجب منامة في المشفى وَ /5000/ للعلاج في غرفة الطوارئ.
  • تعيين الحد الأقصى للمبلغ الذي يتقاضاه الطبيب من المريض نقداً /4000/ ل.س (المعاينات الطبية) بغض النظر عما يتقاضاه الطبيب من التأمين
  • تعيين الحد الأقصى لعدد مرات استخدام البطاقة في كل إجراء بثلاث مرات سنوياً (3 معاينات، 3 وصفات أدوية، 3 تحاليل مخبرية...) باستثناء الموظفة الحامل فإنها تستفيد من 9 معاينات طبية خلال فترة الحمل.

حسابات الربح والخسارة للمؤمن عليهم!

من الواضح أن الزيادات في رصيد البطاقة للإجراءات داخل المشافي، بحسب ما ورد أعلاه، تعتبر طفيفة إذا ما قورنت بعوامل التضخم ونسبته وآثاره، كتبرير رسمي للتعديلات!
والتشجيع الضمني للمؤمن عليهم للاعتماد على المشافي العسكرية والحكومية، كون نسب الزيادة المقرة فيها أعلى، يسقط على اعتبار أن هذه المشافي تعاني سلفاً من نقص شديد في الكثير من مستلزماتها، الأمر الذي يفرض على من تستقطبهم تحمل الكثير من النفقات لتأمين هذه النواقص من خارج المشافي وعلى نفقتهم، بما في ذلك المؤمن عليهم صحياً من العاملين في الدولة طبعاً، بغض النظر عن عبارة «مزايا عدم تحمل أية نسبة من الفواتير لمن يراجع المشافي العسكرية والحكومية»!

وكذلك فإن الزيادة في رصيد البطاقة للإجراءات خارج المشافي تعتبر طفيفة، بالمقارنة مع عوامل وآثار التضخم ونسبته، وقد أصبحت الفروقات المستوفاة من قبل مقدمي الخدمات الطبية أمراً طبيعياً!
فوضع حد أعلى لما يتقاضاه الطبيب نقداً، على سبيل المثال، لن يكون ملزماً، ولن يحد من المشكلة ونتائجها السلبية التي يدفع ضريبتها المؤمن عليهم، من جيوبهم وعلى حساب صحتهم!
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا على سبيل المثال: ماذا يغطي مبلغ مسقوف وقدره 350 ألف ليرة سنوياً، بعد الزيادة أعلاه، بالنسبة للمرضى المزمنين لقاء (معاينات، مخابر، أدوية، مراكز أشعة)؟
ففاتورة الأدوية منفردة بالنسبة لهؤلاء تتجاوز هذا المبلغ سنوياً، فكيف بعد إضافة تكاليف وأجور المعاينات والمخابر والأشعة؟!
وكيف يتم وضع سقف للمرض لا أحد يعلم؟!
فالمؤمن عليه يفترض أن يضمن وضعه الصحي بحيث لا يضطر لمعاودة الطبيب أكثر من 3 مرات خلال العام، وألا يستفيد إلا بـ3 وصفات أدوية فقط لا غير، ولو كان مرضه يفرض تكرار الوصفة!
فما تم اعتباره كمزايا قد تم سحبها من خلال الزيادات في نسب تحمل المؤمن عليهم المبينة أعلاه، ومن خلال وضع سقف لعدد مرات استخدام البطاقة من قبلهم خلال العام!
أما الحديث عن «أهمية ثقافة الشكوى في حال عدم حصول المؤمن له على الخدمة الطبية التأمينية»، بحسب ما ورد على الصفحة الرسمية للوزارة، فهو معاد وممجوج ومن دون جدوى من الناحية العملية بالنسبة للمؤمن عليهم!

مَن الخاسر ومَن الرابح؟!

بحسب ما ورد على الصفحة الرسمية لوزارة المالية فإن: «التعديلات الأخيرة تبقي وتعزز الصفة الاجتماعية لهذا المشروع من حيث إن معدل الخسارة للمؤسسة فيه حوالي 115% عدا عن الدعم الحكومي المستمر لقسط التأمين».
فالمؤسسة العامة السورية للتأمين خاسرة، بحسب ما ورد أعلاه!
والحكومة مستمرة في دعمها لقسط التأمين، وبالتالي فخزينة الدولة خاسرة من هذا المشروع التأميني أيضاً!
وأصحاب الأجور المؤمن عليهم من العاملين في الدولة تبين أنهم خاسرون أيضاً، بسبب زيادة نسب التحمل ووضع سقف لعدد مرات استخدام البطاقة، وبسبب استمرار تقاضي مقدمي الخدمات للفروقات السعرية منهم، والأهم بسبب تراجع القطاع الصحي عموماً!

ومقدمو الخدمات الطبية (أطباء- صيادلة- مخبريون) يعتبرون أنفسهم خاسرين، ليس بسبب التعرفات والأسعار المفروضة عليهم فقط، بل بسبب معاناتهم من التأخر المزمن في صرف مستحقاتهم!
فما معنى عبارة «نجاح الإجراءات المُتخذة»، الواردة أعلاه، في ظل وضوح الخسارات المبينة آنفاً، وعلى حساب مَن، مع تغييب الأرباح، ولمصلحة مَن؟!
فقد بات من الواضح بالنتيجة أنه مقابل كل الخسارات أعلاه هناك تغييب للرابحين من المظلة التأمينية، باعتبارها «مشروعاً اجتماعياً»، والمتمثلين بشركات التأمين الصحي، ومن خلفهم من أصحاب الأرباح، الذين يحصدون منفردين الأرباح الصافية والسهلة، على حساب المؤمن عليهم، مالياً وصحياً، كما على حساب المؤسسة وخزينة الدولة!
فالنجاح في الاجراءات الحكومية المتخذة يعني بكل بساطة تكريس هذا الشكل المشوه في المعادلة بين أصحاب الأجور وأصحاب الأرباح، بما يضمن استمرار مصالح أصحاب الأرباح، على حساب مصالح أصحاب الأجور وصحتهم، وعلى حساب خزينة الدولة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111