موسم الذرة في بقرص الفوقاني.. وحسابات الربح والخسارة!

موسم الذرة في بقرص الفوقاني.. وحسابات الربح والخسارة!

تستمر معاناة الفلاحين، والزراعة والإنتاج الزراعي عموماً، بسبب السياسات الليبرالية القائمة على تحرير الأسعار بالتوازي مع رفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعي، واستمرار ارتفاع أسعارها، وكذلك بسبب السياسات الزراعية العشوائية القائمة على سوء التخطيط، والوعود الخلبية الوهمية، بل والكذب العلني في بعض الأحيان، وقد تجلى ذلك خلال الأعوام السابقة، والعام الحالي بمواسمه ومحاصيله المختلفة، من قمح وقطن وذرة وغيرها..

المشكلة، أن هذه السياسات ما زالت مستمرة، وبالتالي تتفاقم أزمات الإنتاج الزراعي، سواء على مستوى المحاصيل المتعلقة بالأمن الغذائي للمواطن واقتصاد البلاد عموماً، أو على مستوى تفاقم معاناة الفلاحين ومعيشتهم.

الذرة الصفراء والوعود الكاذبة!

في موسم الذرة الصفراء لهذا العام، قامت الحكومة من خلال الوفد الوزاري الذي زار دير الزور أواسط حزيران، وكذلك من خلال وزير الزراعة ومدير مؤسسة الأعلاف واتحاد الفلاحين، الذين قاموا باللقاء مع الفلاحين في دير الزور، بتشجيع الفلاحين على زراعة الذرة الصفراء، كمحصول علفي في ظل النقص الحاد في أعلاف الثروة الحيوانية، من أغنام وأبقار ودجاج، وارتفاع أسعارها، وخاصة المستورد منها، والمتحكم به سعراً ونوعاً ومواصفة من قبل بعض حيتان الاستيراد.
وقامت المؤسسة بندوات وورشات عمل تشجيعية وقدمت وعوداً باستلام المحصول، دفعت الفلاحين للإقبال على زراعة هذا المحصول، ومنها: وعود باستلام المحصول، وتحديد سعر تسويق كغ الذرة بـ 1700 ليرة، يضاف إليه 300 ليرة كدعم.
وقد وصلت المساحة المزروعة بالذرة في دير الزور، حسب تصريح مدير فرع مؤسسة الأعلاف، حوالي 16341 دونماً.
ولا شك أن ذلك لو حدث يمكن اعتباره خطوة إيجابية لتأمين الأعلاف وتقليل استيرادها، لكن على ما يبدو أن السياسات الليبرالية والعشوائية تعرقل بشكل متعمد أية خطوة إيجابية، وهذا ما بينته شكاوى الفلاحين.
فقد تبين لاحقاً أن هذه الوعود وهمية وعشوائية وذلك عند بدء تسويق المحصول، حيث لم يتم الاستعداد لاستلام المحصول بتوفير مستلزمات ذلك، من مراكز استلام ومجففات ووسائل نقل وغيرها، وهذا ما عرّض غالبية المحصول للتعفن والتلف، وكذلك عرّض الفلاحين لخسائر مادية، وجهد ضاع هباءً منثوراً، ناهيك عن حرمان البلد من هذا المحصول، وانعكاسات ذلك على الثروة الحيوانية واقتصاد البلد، وعلى المواطنين بأمنهم الغذائي بما يخص اللحوم وارتفاع أسعارها عليهم، من خلال استمرار تراجع تعداد قطعان الثروة الحيوانية.

الفلاحون يشتكون

في لقاء مع بعض فلاحي ومزارعي قرية بقرص فوقاني في ريف دير الزور تحدثوا عن معاناتهم وصعوباتهم العامة بالنسبة لمواسمهم الزراعية، وعلى الأخص صعوبات تسويق محصول الذرة الصفراء حالياً!
فقد قال الفلاح أبو محمد: عندما جاء الوفد الوزاري إلى دير الزور، اجتمع بنا وزير الزراعة، وشجعنا على زراعة الذرة الصفراء، وقال لنا: إن سعر كغ الذرة سيكون 1700 ليرة، وهناك دعم لكل كغ يجري تسويقه لمؤسسة الأعلاف 300 ليرة، وفعلاً بدأنا بالزراعة وكانت مكلفة علينا كثيراً.
وتابع أبو محمد شكواه بحساب التكاليف لكل دونم، التي تم تكثيفها بالجدول التالي:

1100f

وبحساب وسطي إنتاج الدونم بحدود 600 كغ، فإن الدونم سيعطي مردوداً تقريبياً وفقاً للسعر الرسمي مع الدعم يبلغ مليوناً و200 ألف، لذلك، والكلام لأبي محمد، استبشرنا خيراً، علماً أن هذه التكاليف يجب أن تكون موجودة ومتوفرة لدينا لكل دونم قبل تسويق المحصول، فكيف لمن يزرع 10 دونمات بتكاليفها المرتفعة تلك مثلاً، وأنت تعرف ظروفنا وظروف السوريين ككل، عدا أجور النقل، مع جهدنا وتعبنا وتعب عائلاتنا خلال الموسم الذي يمتد على مدى ثلاثة أشهر، يضاف إليها شهر الحصاد والتجفيف الذي فرض علينا، لكن حسابات السوق لم تنطبق على الصندوق، وخسرنا التكاليف وضاع جهدنا بسبب عدم التسويق من قبل مؤسسة الأعلاف، بحجة تحديد نسبة رطوبة المحصول التي يجب ألا تزيد عن 14%، وبالتالي رفضت غالبية محاصيل الفلاحين لأن نسبتها أعلى بسبب ترافق جني المحصول مع المنخفض الجوي والأمطار، وعدم وجود مجففات، رغم محاولاتنا لتجفيفه بنشره على الأرض وفي الطرقات وعلى الأسطحة!

مدير فرع الأعلاف ينفي ويبرر..

مدير فرع الأعلاف في دير الزور (يحيى الراوي) في تصريحه لإحدى الوسائل الإعلامية من خلال لقائها معه مطلع الشهر الحالي قال:
إن الفرع لا يرفض استلام محصول الذرة الصفراء من الفلاحين، وإنما المؤسسة حددت نسبة الرطوبة على ألّا تزيد عن 14%، وأية زيادة عليها يُرفض استلام المحصول إلا في حال تجفيفه، وأن الكميات المستلمة لغاية الآن 570 طناً وما زال التوريد مستمراً.
بالمقابل فقد بين أن المؤسسة تفتقد للمجففات في المنطقة، مؤكداً أنه لا بدائل للتجفيف سوى بالطريقة اليدوية!

بين التشجيع والتوريط!

أما الفلاح أبو علي فقد قال: آمنا وصدقنا وعودهم، وزرعنا وحصدنا، لكن لماذا لم يقوموا بما عليهم من مسؤوليات، ومنها: توفير مراكز الاستلام، والمجففات، ووسائل النقل، فلا يوجد أي مركز استلام في الريف الشرقي كله، ويوجد مركز واحد فقط في دير الزور كلها، في الريف الغربي في بلدة التبني، والتي تبعد عن دير الزور 45 كم، وتبعد عنا حوالي 90 كم، وأجور النقل لسيارة تحمل 10 أطنان هو مليون ليرة ذهاباً بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وقلتها، أي 100 ليرة تكلفة إضافية على كل كيلو من المحصول، وإذا رفض محصولنا بسبب زيادة نسبة الرطوبة يكون هناك مليوناً إضافية للعودة، وبالتالي كأنك يا أبا زيد ما غزيت، بل أكثر من ذلك خسرنا التكاليف والجهد والتعب، وخسرنا المحصول بسبب تلفه من العفونة. فمن يتحمل المسؤولية، ومن يعوضنا عن خسائرنا وجهدنا، وكيف سنستمر ليس بالعمل الزراعي، بل بالحياة، لأن معيشتنا تتوقف على عملنا الزراعي؟!
فالتشجيع الرسمي، بحسب بعض المزارعين، كان توريطاً لهم لعدة أسباب، تتمثل بالتالي: بعد مركز استلام المحصول المعتمد من مؤسسة الأعلاف، وتكاليف النقل المرتفعة بناءً عليه، ونسبة الرطوبة كشرط للاستلام، والتي لم يتم التمكن من تخفيضها عبر التجفيف بالطرق البدائية، بسبب عدم وجود مجففات، والنتيجة المتمثلة أخيراً بتعفن المحصول، حيث لم يعد يصلح حتى كعلف في مكانه للقطعان الموجودة!

«المي تكذب الغطاس»!

ما حدث بتفاصيله أعلاه يمكن اعتباره جزءاً من السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقود والتي دمرت اقتصاد الوطن، وخاصة الزراعة والصناعة برفع الدعم عنهما، وذلك لمصلحة حفنه من كبار الناهبين والفاسدين الذين يحققون أرباحاً كبيرة من ضرب الإنتاج المحلي والاستعاضة عنه من خلال عمليات الاستيراد، ومنها طبعاً الأعلاف!
وقاسيون إذ تنقل شكاوى الفلاحين تنطلق من المثل الشعبي الذي يقول: «المي تُكذّب الغطاس»، فحسب الوقائع، وما أورده الفلاحون في شكواهم، فهي تُكذّب ما وعد به الوفد الحكومي ووزارة الزراعة، وتُكذّب ما قدمته مؤسسة الأعلاف من تبريرات بعدم قيامها بتوفير مراكز استلام كافية، ومجففات، ووسائل نقل لتأمين استلام المحصول وتخفيف معاناة الفلاحين!
برسم الحكومة ووزارة الزراعة واتحاد الفلاحين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1100
آخر تعديل على الأحد, 11 كانون1/ديسمبر 2022 19:43