ليست أزمة مواصلات فقط!
تفاقمت أزمة المواصلات خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، وتزايدت معها معاناة المواطنين بشكل أكبر، فالازدحام في مراكز الانطلاق وتجمع السرافيس أصبح أكثر كثافة، وانتشار المواطنين على مسارات خطوط المواصلات تزايد بانتظار أية وسيلة مواصلات تقلهم إلى وجهاتهم المختلفة.
فهل الأمر يقتصر على كونه أزمة مواصلات يعاني منها بعض المواطنين فقط، أم أن الانعكاسات السلبية لذلك أكبر وأعمق من ذلك بكثير؟!
أسباب ومبررات رسمية
السبب الرئيسي في أزمة المواصلات كان قلة المشتقات النفطية وتوريداتها، فقد تم تخفيض مخصصات المحافظات منها بحدود 40% رسمياً، وبالتالي انعكس ذلك على مخصصات قطاع النقل والمواصلات فيها طبعاً.
وقد أكد ذلك مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق، فقد كشف، عبر صحيفة الوطن، عن: «وجود تخفيض بالمخصصات عن الفترة القليلة الماضية من مادة المازوت، نظراً للظروف الراهنة والحصار الجائر المفروض على سورية، الأمر الذي أدى إلى خفض عدد الرحلات اليومية لتخديم المواطنين خلال الأيام القليلة الماضية، علماً أنه تم إحداث تخفيض على عدد الباصات بحيث لم تعد تعمل بالوتيرة السابقة نفسها المرتبطة بتوفر المادة بالشكل المطلوب». وأضاف: «إن هذا التخفيض لم يشمل شركة النقل الداخلي فقط وإنما طال تأثيره العديد من القطاعات».
فإذا كان الإجراء الرسمي من قبل شركة النقل الداخلي الحكومية على شكل تخفيض عدد الرحلات اليومية، فكيف الحال مع أصحاب السرافيس الخاصة، وكيف سينعكس ذلك على خدمات المواطنين وأعمالهم ومشاغلهم اليومية؟!
التعطل والتوقف عن العمل
معاناة المواطنين المزمنة مع المواصلات، والتي تفاقمت خلال الفترة القريبة الماضية، لم تقف عند حدود الازدحام والتدافع في مراكز الانطلاق، ولا عند هدر الوقت والجهد على الطرقات، أو على تزايد مستويات الاستغلال عبر رفع التعرفة ارتجالاً من قبل سائقي السرافيس، ولا على التكاليف المرتفعة على البدائل (تكسي او تكسي سرفيس)، مع كوارث ومصائب كل ما سبق طبعاً، بل الأهم من كل ذلك هو تعطل المواطنين عن أعمالهم ومشاغلهم، بل وتوقف بعضهم عن العمل بشكل نهائي، وما لذلك من أثار كارثية، ليس على مستوى معيشة وخدمات المواطنين فقط، بل على مستوى الاقتصاد الوطني بالنتيجة.
فالأزمة ليست محصورة بالموظفين الحكوميين في تأخرهم عن وظائفهم أو تغيبهم عنها، أو الطلاب في تأخرهم عن مدارسهم ومحاضراتهم، أو مراجعي الدوائر الرسمية من المواطنين لإنجاز بعض المعاملات والتأخر بها، رغم شدة المعاناة الناجمة من كل ذلك طبعاً، بل بكل العاملين والمهنيين والحرفيين وأصحاب المحال والورشات والمعامل، الذين تضررت أعمالهم بشكل كبير بسبب تفاقم أزمة المواصلات.
فالكثير من الورشات والمعامل والفعاليات الاقتصادية والخدمية أوقفت عملها بشكل جزئي أو كلي وذلك بسبب تزامن أزمة حوامل الطاقة عموماً (مشتقات نفطية وكهرباء) مع أزمة المواصلات، وبالتالي فقد انعكست الأزمة بتراكبها على العاملين وعلى أصحاب الأعمال وعلى أعمالهم نفسها، على شكل خسارات لا تقف عند حدود فقدان بعض العمال لمصدر رزقهم، بل على أصحاب الأعمال (مهنيين وحرفين وورشات ومعامل) بتوقف أعمالهم، وعلى كل النشاط الاقتصادي والخدمي في البلاد بالنتيجة.
الحلول الحكومية الترقيعية
لم يكن كل ما سبق غريباً عن الرسميين طبعاً، فالحكومة نفسها تبنت حل التوقف والتعطل الجزئي عن العمل بسبب أزمة المشتقات النفطية من خلال الإعلان عن عطلة رسمية ليومي أحد متتاليين، وسيتبعها عطلة رسمية لبقية أيام الأحد حتى نهاية العام، بسبب أعياد الميلاد ورأس السنة، أيضاً بالتوازي مع تخفيض مخصصات وسائل النقل والمواصلات والسيارات الحكومية من المشتقات النفطية، ما يعني وقف العمل والخدمات الحكومية خلال هذه الأيام، بما في ذلك خدمات النافذة الواحدة في دمشق على سبيل المثال!
وآخر ما حرر بهذا الشأن هو ما تم تناقله عبر بعض وسائل الإعلام عن تخفيض مخصصات سيارات منظومة الإسعاف في طرطوس بنسبة 40%، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات كارثية على صحة وحياة بعض المواطنين المضطرين لخدمة هذه المنظومة!
فتداعيات أزمة المواصلات بسبب تفاقم أزمة المشتقات النفطية، وبتراكبها معها، وفي ظل استمرار الحلول الترقيعية الرسمية التي تعبر عن تزايد مستويات اللامبالاة والاستهتار الرسميَّين بحق البلاد والعباد، أصبحت أكثر كارثية بما لا يقاس على أعمال ومعيشة وخدمات المواطنين، بل وعلى حياتهم أيضاً، وكذلك على كل الفعاليات الاقتصادية (الإنتاجية والخدمية) على طول البلاد وعرضها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1100