البناء المنهار في حي الفردوس رأس جبل الجليد!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

البناء المنهار في حي الفردوس رأس جبل الجليد!

هل سيغلق ملف البناء المنهار في حي الفردوس في حلب من خلال تحميل المسؤولية للبعض (موظفين وغيرهم) وكفى الله المؤمنين شر القتال؟!

ما مصير بقية الأبنية في نفس الحي، وغيرها في بقية أحياء الفقر ومناطق العشوائيات في البلد، التي لا تختلف بمواصفاتها وعوامل سلامتها عن البناء المنهار؟
وما المصير الذي ينتظر العائلات المقيمة اضطراراً بمثل هذه الأبنية؟
وبمسؤولية من كل ذلك؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات قليلة، والإجراءات الرسمية ترقيعية ومحدودة وغير مسؤولة، والواقع يرخي بظلال قتامته على المفقرين بحياتهم ومعاشهم وخدماتهم وبعوامل سلامتهم!

ملف قديم ومستفحل

ملف الأبنية الآيلة للسقوط في حلب لم يظهر الآن، فقد سبق أن أعلن عن نفسه بفجاجة في عام 2018.
وربما ما زلنا نذكر بعض الأبنية التي انهارت في أحياء «المغاير– المعادي– السكري– كرم الجبل– الشعار– الفردوس- بستان الباشا- الصالحين» في ذلك العام، وقد سبق كل ذلك في عام 2007 انهيار بناء في حي بستان الباشا أيضاً.
فملف سلامة الأبنية في مناطق المخالفات العشوائيات وأحياء الفقر قديم بقدم تفاقم مشكلة السكن في البلد منذ عقود، ليس في مدينة حلب فقط بل وفي جميع المحافظات، وقد تم تسجيل حوادث انهيار بعض الأبنية في هذه المناطق، مثل منطقة المزة 86 في العاصمة دمشق!

الإجراءات الترقيعية والمحدودة

مما لا شك فيه أن عوامل الخطورة على سلامة الأبنية في مناطق المخالفات والعشوائيات تزايدت نتيجة تعرض بعض هذه المناطق للأضرار المباشرة بنتيجة المعارك خلال سني الحرب، لتضاف إلى كل عوامل الخطورة عليها، وخاصة انحرافها وبعدها عن الأسس الهندسية السليمة التي من المفترض أن تراعي عوامل السلامة والأمان، ناهيك عن العوامل الصحية، والتي تتزايد خطورتها مع عامل الزمن وعوامل الطبيعة!
فمثلاً على الرغم من الاستنفار الذي جرى في مدينة حلب بنتيجة بعض المآسي والكوارث المسجلة في عام 2018، فقد تم توثيق أكثر من 9 آلاف بناء طابقي يشكل خطورة عالية في بعض أحيائها من قبل مجلس مدينة حلب مطلع عام 2019.
ومن جملة الاقتراحات الرسمية بحينه أن يتم الإخلاء الفوري لمعظمها مع تأمين الإيواء المؤقت للقاطنين فيها، لكنّ ما جرى أنّ عدد الأبنية التي تمت إزالتها كان محدوداً بالمقارنة مع العدد الإجمالي أعلاه، وما تم إخلاؤه من أبنية ما لبث أن عادت إليها العائلات تحت ضغط الحاجة للإيواء، على حساب سلامتها طبعاً!
واللافت أن الملف بقي بعهدة مجلس مدينة حلب فقط وبمسؤوليته، رغم إعلام وزارة الإدارة المحلية بتفاصيله، ورغم معرفة الحكومة بهذه التفاصيل طبعاً، ودون تدخل رسمي منها لمعالجته ككل مركزياً باعتباره ملفاً خطراً وعامّاً يشمل غالبية الأبنية في مناطق المخالفات والعشوائيات!

ضوء أخضر للفساد بانتظار لحظة الكارثة

من الواضح أن الحكومة غير معنية لا من قريب ولا من بعيد بهذا الملف الخطر، مع استمرار تهربها من مسؤوليتها تجاهه باعتبار هذه الأبنية مشادة في «مناطق المخالفات والعشوائيات»، وتركه للمعالجات الترقيعية من قبل مجالس المدن، وبحسب الإمكانات المتاحة والمحدودة لهذه المجالس بالنتيجة!
ففي ظل استمرار أزمة السكن وتفاقمها، تضافراً مع عوامل الاستغلال والفساد، استمر ملف الأبنية التي تشكل خطراً على قاطنيها، وزادت عوامل الخطر عليها بفعل عوامل الزمن والطبيعة، والأدهى تزايد مخالفات الأبنية التي لا تقل سوءاً على مستوى السلامة الإنشائية والمواصفات الهندسية والفنية من الأبنية الآيلة للسقوط!
فهذا الشكل من التهرب الرسمي من المسؤوليات كان بآن هو الضوء الأخضر لعوامل الفساد والنهب والاستغلال التي يقع ضحيتها المفقرون في مناطق العشوائيات والمخالفات، وكل أحزمة الفقر عموماً، الباحثين عن مكان يؤويهم!
والنتيجة بعد كل ذلك أن الخطر من الأبنية غير المستوفية للشروط الهندسية والفنية في مناطق المخالفات والعشوائيات سيستمر، وبالتالي فإن مصير آلاف العائلات القاطنين فيها متروك للقضاء والقدر، بانتظار لحظة الكارثة ليس إلا!

بمسؤولية الحكومة والدولة

بغض النظر عما ستسفر عنه نتائج التحقيق في ملف البناء المنهار في حي الفردوس مؤخراً، فمن المؤكد أن انهيار هذا البناء لن يكون الأخير في ظل هذا النمط من التعاطي الرسمي غير المسؤول مع هذا الملف الخطر والكبير!
وبهذا الصدد ربما لا يعنينا كمواطنين أن يتم تحميل المسؤولية لبعض الموظفين أو المتعهدين والتجار، وغيرهم، مع عدم التقليل من أهمية ذلك طبعاً، لكن ما يعنينا أكثر ألّا يتم تسجيل المزيد من كوارث انهيارات الأبنية لاحقاً، في حلب أو غيرها من المدن، مع ما تسفر عنه من ضحايا وإصابات وتشرد!
والأهم ألّا يفسح المجال لإنشاء أبنية جديدة تفتقر لعوامل السلامة الإنشائية والفنية، بغض النظر عن كونها مخالفة أو مرخصة!
ولا ينفع هنا التغني الرسمي بشعار «إعادة الإعمار» في ظل تزايد تسجيل الكوارث في الأبنية المنهارة، وكذلك لا تجدي مشاريع الإعمار النظامية والترفيّة الخاصة والمخصصة للنخبة من أصحاب الأرباح وكبار الناهبين في البلد، على حساب استمرار اضطرار الغالبية المفقرة للبحث عن سكن يؤويهم في مناطق المخالفات والعشوائيات، وعلى حساب سلامتهم!
فمن المفترض أن يتم اعتبار هذا الملف من ملفات الطوارئ الحكومية عاجلة الحل، ليس باعتباره أزمة متفاقمة منذ عقود، وقد تزايدت وتعمقت خلال سني الحرب والأزمة بشكل كبير فقط، بل وصولاً إلى تسجيل المزيد من المآسي فيه، ليس على مستوى عوامل استغلال الحاجة والنهب فقط، بل وعلى مستوى عوامل السلامة العامة أيضاً!
لكن وبكل أسف فإن كل ذلك لن يتم، فالسياسات المعمول بها عقيمة وميؤوس منها، ولن تؤدي بالنتيجة إلا إلى المزيد من المآسي والكوارث!
فملف السكن من مسؤولية الدولة وبعهدة الحكومة وجهاتها المعنية أولاً وآخراً، وهو يعتبر جزءاً من السياسات الاقتصادية الاجتماعية المعمول بها، والتي يستحيل معها حله، أو حتى البدء بحله، طالما بقيت هذه السياسات على حالها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1087
آخر تعديل على الإثنين, 12 أيلول/سبتمبر 2022 12:51