وزارة التربية.. تستمر الفعاليات ويستمر التراجع
في ظل التراجع المستمر والملموس في قطاع التعليم في سورية، وانتهاج وزارة التربية نهجاً بعيداً كل البعد عن الحلول الحقيقية، تستمر وزارة التربية بهذا النهج الذي لا يحصد منه الطلاب والمعلمون على السواء سوى التراجع في الأداء، والمزيد من انهيار هذا القطاع المهم، والذي يتوقف عليه إعمار البلاد في المستقبل القريب.
وكما أسلفنا في مواد سابقة، أن جل نشاطات وزارة التربية تركزت في الاعتماد على المنظمات الدولية، كاليونيسكو واليونيسيف وغيرها، وازداد إقحامها مؤخراً في أدق تفاصيل العملية التربوية، ولم تقتصر على التمويل فقط، حيث أقحمت في المناهج والاختبارات والاستراتيجيات.
في هذا السياق، تم مؤخراً نشر خبر على الصفحة الرسمية لوزارة التربية، وهو مناقشات حول المهارات الحياتية والتعلم الرقمي وغيرها، خلال فعاليات اليوم الثالث من القمة التحضيرية حول تحويل التعليم.
وكأن وزارة التربية في سورية ليست لديها أية خطة أو نهج تعليمي تنتهجه سوى التصوير وعرض هذه الإنجازات العظيمة!
المشاركة في قمة التحول في التعليم
مع اختتام فعاليات القمة التحضيرية لتحويل التعليم المنعقدة في مقر اليونسكو بباريس.. تضمن اليوم الثالث مناقشات حول عدة مواضيع تربوية وتعليمية، منها: العناصر الرئيسة لتحويل التعليم من وجهات نظر متنوعة، وعرض أمثلة التحول في العمل، والمبادرات الاستراتيجية المحتملة للتعاون العالمي.
القمة التي شاركت فيها سورية افتراضياً، ناقشت أيضاً محاور المدارس الشاملة والعادلة والآمنة والصحية، والتعلم والمهارات من أجل الحياة والعمل والتنمية المستدامة، والأطر التعليمية ومهنة التدريس، والتعلم الرقمي والتحول، ومنظور القطاع الخاص حول تحويل التعليم، وتحديثات من جلسات مسار العمل وفق المحاور المذكورة، وتقديم إعلان الشباب بعد عرض فيديو من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة، أكد فيه: أنه لا يمكن إحداث تحويل التعليم دون إشراك الشباب في هذا التوجه الهام.
فالشباب لديهم القدرة الكافية على التعاون، ومن واجب الحكومات إشراكهم في القرارات التي تؤثر على مستقبلهم، كما أن إصدار إعلان الشباب يؤكد الالتزام بالإشراك الفعلي للشباب، لأن التحويل معهم ولأجلهم ضروري لأنهم قادرون على التحدي لبناء عالم أكثر استدام.
محاذير وتساؤل مشروع
قبل الخوض في الحديث عن مضمون الخبر أعلاه، لا بد من الإشارة إلى أمرٍ في غاية الأهمية، مع طرح تساؤل أولي مشروع، وهو: إذا كانت المناهج والاستراتيجيات والتمويل، والبرامج وتمويلها، توضع من خلال منظمات دولية، فأين هو الدور الحكومي الوطني في التخطيط والإنفاق، وما هو دور الوزارة في الدولة والحكومة في شؤون التربية؟
فمن المعلوم، أن كل هذه المنظمات الدولية تخضع بالنهاية لسياسات دولية تمولها الأمم المتحدة، وتشرف عليها، ولها أهدافها وغاياتها، والتي قد لا تتوافق مع الغايات والأهداف الوطنية المطلوبة محلياً، إن لم تتعارض معها!
للاستعراض ليس إلّا!
من يقرأ الخبر ويغوص في تفاصيله سيجد مدى اهتمام الوزارة بالاستعراض فقط؟
وما يدلل على ذلك، هو ذكر المصطلحات الفضفاضة البعيدة كل البعد عن الواقع التربوي في سورية، ومدى إمكانية تطبيقه.
فنحن قد لا يهمنا مشاركات الوزارة في تلك الفعاليات، ولكن ما يهمنا أن يخرج التعليم من أزمته الحالية الواقعة بين سندان الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ومطرقة تهرب الوزارة والحكومة من واجباتها الواضحة والأساسية تجاه التعليم.
فقبل المشاركة بمثل هذه الفعاليات، الافتراضية وغير الافتراضية، لعله كان الأولى أن تضع خططاً إسعافية تُخرج التعليم من هذه الحفرة التي أوقعته بها!
طروحات تحتاج إلى شرح!
وردت من خلال الخبر أعلاه عدة طروحات، منها: «المهارات الحياتية والتعلم الرقمي»، فأية مهارة حياتية يتم الحديث عنها في ظل انعدام البنية التحتية، إذا لم نقل انعدام وسائل ومقومات الحياة الأولية، كالكهرباء والماء والغذاء الضروري لنمو الأطفال نمواً سليماً يجعلهم يمتلكون أدنى المهارات!
أما التعلم الرقمي فموضوع آخر، فمع أهمية التعلم الرقمي وضرورته لمواكبة التطور التكنولوجي، إلا أن الواقع التعليمي لا يرقى إلى إتقان التعليم التقليدي، القائم على الكتابة والتحرير والإلقاء، بسبب فقدان الشروط المادية والمستلزمات الواجب توفرها في العملية التعليمية.
المدارس الشاملة والآمنة والعادلة والصحية!
عبارة ورت في معرض طرح المحاور، وهو أحد المحاور التي تم نقاشها، ولا ندري ما المقصود بالمدارس الشاملة والعادلة والآمنة، ولكن إن أردنا أن نسقط هذه المفاهيم على الواقع المدرسي فلن نجد فيها لا عدالة ولا صحة، ناهيك عن عدم توفر عوامل الأمان البسيطة المتمثلة بالمياه بالحد الأدنى!
فالتعليم انحرف عموماً، وأصبح من حق الطبقة التي تملك المال والقدرة على دفع المبالغ الطائلة للدروس الخاصة والمعاهد والمدارس الخاصة.
أما بخصوص المدارس الصحية، فقد رأينا الكثير من أمثلتها خلال موجات الوباء، حيث كانت بعيدة كل البعد عن إجراءات الوقاية، عدا عن عدم توفر المياه والتعقيم في الحالات العادية، وعدا عن الصحة النفسية والبيئية في المدارس!
الشباب.. عنصر مفقود من الطلبة والكوادر
شهدت سورية مؤخراً معدلات متزايدة من هجرة الشباب، وعزوفهم عن التقدم لوظائف الدولة، بسبب تدني الأجور، ولعدم كفايتها لتلبية الحاجة لأيام معدودة من الشهر فقط، وقطاع الطلاب والمعلمين كان من القطاعات المستنزفة كما غيره طبعاً.
ومن البدهي، أن استثمار الشباب وطاقاتهم يستحيل أن يتم من خلال الاستمرار بالسياسات التطفيشية والنابذة، والقائمة على تهجير الكفاءات واستنزافها بالنتيجة!
ومن المفروغ منه، أنه لا يمكن أن يُعاد استقطاب هؤلاء، أو الحد من هجرتهم، إلا من خلال سياسات مستقطبة وجاذبة بديلة، كي يبدأ الحديث بعد ذلك عن استثمار طاقاتهم وتوجيهها بما يخدم المصلحة الوطنية.
فكل ما تقوم به وزارة التربية من فعاليات، عبر المشاركة مع المنظمات الدولية أو غيرها، وكل ما تعرضه وتطنب آذاننا به لن يحل مشكلة التعليم والتربية في سورية!
فالحل الحقيقي هو تغيير السياسات المفشلة للتعليم، والتي هي جزء من سياسات الحكومة العامة بجوهرها الليبرالي، والتي لا تهدف إلّا لتكريس الطبقية والفقر والخصخصة، بما في ذلك خصخصة التعليم، والنتيجة الطبيعية بعد كل ذلك هي: خروج التعليم عن مساره الوطني المفترض، وآفاقه المستقبلية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1078