رغيف الخبز.. التجريب المستمر وإعادة اختراع العجلة
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

رغيف الخبز.. التجريب المستمر وإعادة اختراع العجلة

بعد آلاف السنين من الخبرة العملية المتوارثة في زراعة القمح وصناعة الخبز، قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بحسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، أن: «تجربة الخبز في تحسن مستمر..»!

لا شك أن المقصود هنا الرغيف التمويني، فالوزارة هي المعنية بشأنه، والمسؤولة عنه ناحية المواصفة والنوعية والجودة والسعر، بالإضافة إلى مسؤوليتها وواجبها تجاه تأمينه بالكميات الكافية التي تفي حاجات الاستهلاك في البلاد.
لكن لا ندري عن أي تحسن مستمر يجري الحديث هنا بالضبط؟
ولا كيف أن الوزارة ما زالت قيد التجربة بهذه الصناعة، بعد باعها الطويل بعمل وإدارة المخابز الآلية والاحتياطية في البلاد طيلة السنوات والعقود الماضية؟!
والأهم ما هي النتائج المتوقعة من استمرار التجريب بهذا الرغيف في القادم من الأيام؟

تردي وانخفاض كمية وارتفاع سعري ونهب

بعد كل الأخذ والرد والتجريب الحكومي بما يخص ملف رغيف الخبز طيلة السنوات الماضية، وبعد كل الحديث الرسمي عن تحسين جودته وتأمينه، وبعد استثمار الذكاء من أجل ضمان وصوله للمواطنين «المستحقين»، ومن أجل وضع حد للاتجار والفساد والنهب فيه ومن خلاله، إلا أن أي شيء من ذلك لم يتم!
فبالنسبة للمواطنين فإن الرغيف قد تردى بالمواصفة والنوعية والجودة بشكل كبير خلال السنوات الماضية، بالإضافة طبعاً لما طاله من ارتفاعات سعرية متتالية، بالتوازي مع تحديد سقوف استهلاك له (بغض النظر عن الحاجة والاكتفاء)، مع استمرار عمل شبكات النهب والفساد بهذا الملف، وكل ذلك طبعاً بما يساير سياسات تخفيض الدعم على هذا الرغيف، والسير نحو إنهائه بالنتيجة!
ومع ذلك ما زالت الوزارة قيد التجريب بهذا الرغيف!
فما هي مفردات التجارب المزمعة بهذا الشأن، ولمصلحة مَن؟

سيناريوهات تم نفي بعضها رسمياً

نفى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبر صفحته الرسمية بتاريخ 8/7/2022، أي نية رفع سعري قادم للخبز، فقد قال: «إن كل ما يشاع عن رفع سعر ربطة الخبز أو تخفيف وزنها هو إشاعات لا أساس لها من الصحة».
وقد أتى نفي الوزير أعلاه بعد طرح عدة سيناريوهات بهذا الشأن عبر صحيفة البعث مطلع الأسبوع الماضي علمت بها من «مصادر ذات صلة»، والتي تمثلت بالتالي: تخفيض وزن الربطة من 1100 غرام إلى 1000 غرام- أو تصحيح الكميات المخصصة للعائلات عبر البطاقة الإلكترونية وفقاً لعدد أفراد الأسرة- أو زيادة سعر الربطة من 200 إلى 300 ليرة سورية، والذي يمكن تطبيقه بالتوازي مع أحد الإجراءين الآخرين.
نفي الوزير أعلاه تضمن سيناريوهات رفع السعر وتخفيض الوزن فقط، ومن الناحية العملية فقد يشي باحتمال تبني الخيار المتبقي المتمثل بـ «تصحيح الكميات المخصصة»، أي تخفيض حصة العائلة والفرد من الخبز، وهو بالنتيجة يعني تخفيضاً إضافياً للدعم على الخبز!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن وزن الربطة لا يصل عملياً إلى 1100 غرام، وأن سعرها يتجاوز 200 ليرة، وأن المخصصات لا تكفي الحاجات الفعلية.
وبمطلق الأحوال فإن التجريب في رغيف الخبز وبحاجات المواطنين يبدو أنه سيستمر على هذا المنوال وفقاً لنفس السيناريوهات المعادة والمكررة أعلاه، وبالضد من مصلحة المواطنين بالنتيجة!

إضافات غذائية بالمليارات

ومن جملة السيناريوهات المزمعة، على أرضية استمرار التجريب برغيف الخبز، هو ما أعلنته مديرة التخطيط والتعاون الدولي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبر صحيفة البعث مطلع الأسبوع الماضي، حيث قالت: «إن من ضمن خطط الوزارة لتحسين منتج الخبز سيتم إدخال مغذيات دقيقة ترفع القيمة الغذائية وتحسن الواقع الغذائي، المبني على أسس ركيزة، لرغيف الخبز الذي يشكل العنصر الأساسي على المائدة السورية».
وما يؤكد على وجود مثل هذه الخطط هو كلام وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الأسبوع الماضي عبر الفضائية السورية أيضاً، حيث تحدث عن «الحريرات» التي يحتاجها المواطن يومياً، وبأن الوزارة تعمل على دراسة هذه الاحتياجات لتحديدها والعمل على تأمينها.
وبعيداً عن الخوض في أهمية وضرورة المغذيات التي يجري الحديث عنها وتفاصيلها، إلا أن الهام في الأمر هو الحديث عن التكلفة التقديرية لهذا المشروع!
فقد قالت مديرة التخطيط والتعاون الدولي أن: «كلفة المشروع تقدر بالمليارات، والهدف منها تحسين سوية الغذاء وتعزيز الصحة الجسدية والذهنية للمواطنين في إطار المعايير العالمية، من خلال تأمين الاحتياجات الأساسية من المغذيات الضرورية التي قلما تتواجد في الغذاء السوري ورغم حاجة الجسم لها».
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، بعد كل إجراءات تخفيض الدعم على رغيف الخبز بذريعة التكلفة والموارد والأعباء، وبحال تم وضع المشروع بالتنفيذ الفعلي، من أين ستتم تغطية التكلفة المليارية لهذا المشروع؟
من الخزينة العامة للدولة، أي من جيوب المواطنين بشكل غير مباشر، أم من جيوب المواطنين وعلى حسابهم بشكل مباشر، عبر رفع سعري قادم لرغيف الخبز بهذه الذريعة؟

بوابات نهب وفساد جديدة

من الواضح أن كل الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن بما يخص ملف رغيف الخبز كانت على حساب المواطنين ومن جيوبهم، مع استمرار تردي جودة الرغيف واستمرار كل أوجه وأشكال النهب والفساد في هذا الملف طبعاً!
فسيناريو الإضافات الغذائية بالتكلفة المليارية أعلاه بذريعة «تعزيز الصحة الجسدية والذهنية للمواطنين في إطار المعايير العالمية» لن يكون أفضل حالاً على هذا المستوى، بحال تم تنفيذ هذا المشروع!
فهذه المليارات، بحال إقرار صرفها، لن تكون إلا بوابة جديدة لتستفيد منها قنوات وشبكات النهب والفساد، اعتباراً من الموردين لهذه المحسنات والمكملات، وليس انتهاءً بالأفران، وعلى حساب المواطنين والخزينة العامة معاً، حالها كحال حبة القمح والدقيق التمويني تماماً!
أما الطامة الكبرى، تعقيباً على موضوع المغذيات أعلاه، فقد عبر عنها أحد المواطنين بقوله: «هنيئاً للشعب السوري هذا الإنجاز العظيم، وبذلك سيكتفي برغيف الخبز كوجبة غذائية كاملة بعيداً عن أية مادة غذائية أخرى يعجز بالأساس عن شرائها.. فوداعاً للحوم الحمراء والبيضاء، ووداعاً للبيض وللألبان والأجبان ومشتقاتها، ووداعاً لكل ما يؤكل مع رغيف الخبز فلم نعد بحاجة له!».
فقد تكرس لدى المواطنين حال اليأس من كل السياسات الحكومية وتوجهاتها، فلا رهان على أن الحكومة يعنيها من قريب أو من بعيد موضوع «تعزيز الصحة الجسدية والذهنية للمواطنين»، أو «تأمين الاحتياجات الأساسية من المغذيات»، أو مصلحة المواطنين عموماً والمفقرين خصوصاً، بل جل ما يعنيها هو ما يمكن أن تستفيد منه شريحة كبار أصحاب الأرباح، وشبكات النهب والفساد في البلاد، وإلا لكان حالنا أفضل بما لا يقاس مما هو عليه الآن من بؤس!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1078
آخر تعديل على الإثنين, 11 تموز/يوليو 2022 14:09