موسم الشوندر السكري بين التخطيط والواقع
عبير حداد عبير حداد

موسم الشوندر السكري بين التخطيط والواقع

بدأت عمليات توريد محصول الشوندر السكري- للموسم الحالي- إلى شركة سكر تل سلحب من قبل المزارعين المتعاقدين معها، وذلك من تاريخ يوم 13 تموز الجاري.

تعلن العمليات أعلاه انتهاء المزارعين من تعب عمل دام أشهر عدة بانتظار حصاد نتيجة موسمهم الذي تخللته صعوبات عدة، وبدء دورة تشغيلية جديدة على مستوى معمل تل سلحب، الذي توقف عن العمل والإنتاج منذ عام 2015.

الموسم بين المخطط والواقع

وفقاً لتصريح المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية، أن «الإنتاج المقدر استلامه من الشوندر ما بين 150 إلى 160 ألف طن، يعطي سكراً بنحو 10% من الكميات المستلمة من الفلاحين».
بدايةً، لا بد من التذكير، أن خطة وزارة الزراعة، كانت تهدف لزراعة نحو 8 آلاف هكتار من الشوندر في منطقة الغاب، ولكن تم التعاقد على زراعة 4200 هكتار بناءً على رغبة الفلاحين، وليتم زراعة 3100 هكتار من المساحة المتعاقد عليها وفقاً لتصريح معاون مدير معمل تل سلحب، أي بنقص عن الخطة بحدود 4900 هكتار.
وكان من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى نحو 263 ألف طن من الشوندر السكري، ولكن نتيجة لأسباب عدة تراوحت بين قلة السقاية الناجمة عن قلة الدعم الحكومي لمادة المحروقات اللازمة للسقاية، وارتفاع أسعارها عبر السوق السوداء، وتأخر الزراعة في بعض المناطق، والصقيع، أدت إلى خروج ما يقرب 1300 هكتار من مجمل المساحات المزروعة، ما أدى لانخفاض الكميات المتوقع إنتاجها إلى حدود 160 ألف طن من الشوندر السكري بالنتيجة، أي بنقص عن المتوقع بقدر 103 أطنان شوندر، وبواقع إنتاج بالنتيجة 16 ألف طن من السكر، وفقاً للنسبة المذكورة أعلاه، والذي ما يزال يعتبر إنتاجاً خجولاً، سواء أمام التصريحات الكثيرة للجهود الجبارة التي أعادت تشغيل معمل تل سلحب، أو إذا ما تمت مقارنته بالاحتياج السنوي لسورية من السكر والمقدر بـ 709 آلاف طن سنوياً، وفقاً لتصريح سابق لرئيس قسم بحوث الشوندر السكري في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية.
ما يعني، وبحال تم إنتاج الكمية المخططة من السكر وفقاً لنسبة الاستخراج، أنه لا بديل عن عمليات الاستيراد لتغطية الاحتياج السنوي من السكر للبلاد، وما نزال بحاجة لدعم وجهود وطنية كبيرة للدفع نحو إعادة الألق لزراعة الشوندر وإنتاج السكر.

معمل تل سلحب

أوضح المدير العام للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية: أن «إقلاع المعمل مجدداً، تم بفضل الجهود الجبارة التي بذلها الفنيون والعاملون بالشركة، في صيانة آلاته وخطوط إنتاجه.
حيث تم إصلاح جهاز الأشعة في أعلى فرن الكلس على ارتفاع 30 متراً، وهو ذو منشأ خارجي وموجود منذ تأسيس الشركة، وكان من الصعوبة تأمين قطع تبديلية له بسبب الحصار الاقتصادي، وقد أصبح جاهزاً للعمل.
إضافة إلى إعادة تأهيل لوحة التحكم الرئيسية في قسم السكاكين والديفزيون، ولوحة التحكم الكهربائية الخاصة بتشغيل قسم كسارات الحجر الكلسي، وإعادة تأهيل قبّانات الشوندر والتفل.»
كما أضاف، أن «تلك الصيانات بالأيدي الوطنية الخبيرة، وفرت مئات الملايين على خزينة الدولة«.
سيجري تشغيل المعمل طيلة فترة استلام المحصول، المقدر بـ 160 ألف طن، وسينتج المعمل ما يقارب 16 ألف طن من مادة السكر، بمعدل طاقة إنتاجية للمعمل مقدرة بـ 3800 طناً يومياً، بالإضافة إلى إنتاج مادتين ثانويتين، هما: التفل، حيث يستخدم كعلف، والثانية: المولاس، والذي يعتبر مادة أساسية في صناعة الخميرة، التي تدخل في إنتاج وتصنيع مادة الخبز، الأمر الذي سيوفر كلف استيرادها بالقطع الأجنبي على خزينة الدولة.

الجدوى الاقتصادية

على الطرف المقابل، لا بد من طرح السؤال التالي: هل سيحقق تشغيل معمل تل سلحب جدوى اقتصادية من كمية الإنتاج المقدرة بـ 160 ألف طن شوندر؟ والتي في أحسن الأحوال ستنتج 16 ألف طن من السكر، إذا ما قارناها بكميات تعود لسنوات سابقة، كانت تحتل فيها منطقة الغاب المركز الأول بإنتاج الشوندر على مستوى سورية بواقع 300 ألف إلى 400 ألف طن سنوياً لوحدها!
وواقع الإنتاج الخجول هذا، هل سيغطي تكاليف صيانة وتشغيل المعمل وأجور العمال طيلة فترة تشغيله؟!
ونحن هنا لا نقلل من أهمية تشغيل معمل تل سلحب عبر الجهود المحلية، والذي يعدّ خطوة إيجابية، بل وتحفيزية، يجب أن يحتذى بها للعمل على إعادة تشغيل ما تبقى من معامل أخرى تابعة للمؤسسة العامة للسكر بجهود فنية محلية، والتي توقفت نتيجة لتضررها بسبب الأعمال العسكرية خلال سنوات الأزمة، حيث يوجد في سورية ستة معامل تابعة للمؤسسة العامة للسكر، منها: شركة سكر حمص، وشركة سكر دير الزور، وشركة سكر الرقة، وشركة سكر مسكنة، وشركة سكر الغاب، وشركة سكر تل سلحب.
فمن المهم إعادة تشغيل ما تبقى من معامل تابعة للمؤسسة، ولكن لابد أن يكون ذلك مشروطاً بإعادة إحياء الزراعة في كافة الأراضي الآمنة التي كانت تزرع سابقاً بالشوندر، لتحقيق جدوى اقتصادية حقيقة تغطي تكاليف التشغيل والعمالة، مع هامش ربح مجدي، ولإعادة الاعتبار لإنتاج السكر في سورية كما السابق، بكميات إنتاج تغطي جزءاً هاماً من الاحتياجات المحلية.
مع ضرورة التأكيد على توفر العوامل الأساسية الأكثر أهمية في إنجاح أية خطة زراعية، من تقديم الدعم الكامل للزراعة عبر توفير البذار والأسمدة والمبيدات، والمحروقات اللازمة لعمليات السقاية، وتقديم سعر تسويقي مجزٍ، بحيث يغطي تكاليف الإنتاج التي تكبدها المزارع طيلة أشهر الموسم، والتي إذا ما توفرت ستوفر على خزينة الدولة تكاليف الاستيراد بالقطع الأجنبي، وخصوصاً في ظل الأزمة الغذائية العالمية الراهنة، ومثل هذه الخطوة بحاجة لجهود وطنية حكومية تضع مصلحة البلاد والعباد فوق كل اعتبار، بعيداً عن مصلحة القلة الناهبة والفاسدة وحيتان الاستيراد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1079