شرائح إلكترونية من جيب المواطن والخزينة
نادين عيد نادين عيد

شرائح إلكترونية من جيب المواطن والخزينة

أخذت القرارات الحكومية الصادرة في السنوات الأخيرة وحتى يومنا هذا، طابع تراجيديا بنكهة هزلية قهرية سوداء، فمن يسمع بالإصدارات الحكومة يقف مذهولاً ومندهشاً، بل ومن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ بعضها والتي تتحكم بحق المواطن وممتلكاته وعلى حساب جيبه ومقدرات الوطن...

تكتمل الصورة الكوميدية بالإعلان عن اعتماد آلية جديدة لضبط عملية تعداد الثروة الحيوانية وتوزيع المقنن العلفي، حيث ستطبق اعتباراً من تاريخ 1 كانون الثاني من العام المقبل
وتتمثل الآلية الجديدة بتركيب شريحة إلكترونية لكل رأس من رؤوس الثروة الحيوانية الموجودة في البلاد لمراقبتها إلكترونياً، سواء كانت أغناماً أو أبقاراً أو أي نوع آخر من الثروة الحيوانية لدى المربين!

الألية والأسباب!

بيّن وزير الزراعة أن الآلية الجديدة تتكون من شريحة إلكترونية وقارئ إلكتروني، وبناء على قراءته سيحدد عدد الروس المواشي الموجودة لدى المربي وذلك حين منح المقنن العلفي، كما أكد أن عملية استيراد الأجهزة اللازمة لهذه الآلية جارية في الوقت الحالي، وكما يرى الوزير أن تطبيق نظام الشرائح الإلكترونية سيغلق جميع حالات الفساد وحالات تعداد الثروة الحيوانية، وأن إحصاء أعداد المواشي التي يملكها كل مربٍّ غير صحيحة، وذلك بسبب حالات البيع والشراء التي تتم من موسم لآخر، حسب تصريح الوزير.
تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن العمل بنظام الشرائح الإلكترونية متعارف عليه في الكثير من البلدان، لتسهيل الأعمال والمراقبة والضبط والمتابعة، وهو مطبق على الثروة الحيوانية، كما على الألبسة وموجودات المخازن والمستودعات والمولات الكبيرة والصغيرة، وهو مرتبط بنظام مالي ومحاسبي.

جذر المشكلة الحقيقي

تدّعي وزارة الزراعة أن مشكلة الفساد المذكورة أعلاه ستغلق بلا رجعة حين يطبق نظام المراقبة الجديد، وكأنه سيتم حل المشكلة الأساسية ومن جذورها!
ولكن لا بد من التساؤل ماذا ستغير هذه الآلية الإلكترونية الجديدة على أرض الواقع إذا كانت غايتها إحصاء تعداد الرؤوس من أجل توزيع المقنن العلفي؟
فسواء كان الإحصاء ورقياً أم إلكترونياً فلن يغير ذلك من واقع الحال شيئاً، فمكامن الفساد ممكن أن تعمل بكلا الجانبين!
فما الذي سيثبت أن المربي يملك 200 أو 100 من رؤوس المواشي بحال حصوله على بعض الشرائح الإضافية فساداً، فالقارئ الإلكتروني وخوارزميته لن تستطيع كشف هذا الشكل من الفساد طبعاً؟! وماذا عن الخوارزمية التي ستكشف أن هذا المربي قد باع أو اشترى عدداً ما من المواشي؟
فمثل هذه الآلية لن تحل مشكلة الفساد المستشري، لكن قد تخلق مسارب جديدة له ليس إلا، طالما استمرت الجهات الرسمية تتعامى عن جذر المشكلة وتبتعد عن حلولها النهائية!
فالمشكلة التي يجب حلها هي قضية تأمين الحد الكافي من الأعلاف للمربين، بعيداً عن آليات الفساد والنهب والاستغلال، وخاصة الحد من استيراد الأعلاف، والتي تجري عبر عقود لصالح البعض المتحكمين، مع ضمان هامش الربح الكبير لهم طبعاً، سواء عبر بيعها عبر المؤسسة أو من خلال السوق.
فالمقننات العلفية «المدعومة» افتراضاً من قبل الحكومة لا تكفي المربي لإطعام ماشيته أياماً معدودات فقط، وفارق الأسعار الكبير عبر السوق السوداء يتكبد تكاليفها المربي وحده لـتأمين نقص الحاجة الفعلية منها.
فهل اعتماد الشريحة الإلكترونية سيؤمن للمربي كميات إضافية وكافية من الأعلاف تبعده عن عوامل النهب والاستغلال والفساد؟ طبعاً لا!

مصالح البعض أهم!

عند الحديث عن شرائح إلكترونية ونظام باركود قارئ، مع هذا النمط من الفرض على المربين، بذريعة الحرص على التوزيع العادل للمقنن العلفي منعاً من الفساد، لا يغيب عن الذهن أن هناك مستورداً لهذه الشرائح ونظامها الإلكتروني سيجني الأرباح المليونية والمليارية السهلة من هذه العملية، على حساب ومن جيوب المربين، وبالتالي من جيوب المواطنين.
وعلى اعتبار أن هذه العملية لن تثمر النتائج المرجوة منها بسبب استمرار المشكلة المتمثلة بنقص الأعلاف والتحكم بها سعراً ونوعاً من قبل البعض، فإن نظام فرض الشرائح الإلكترونية على المربين لن يكون إلا هدراً للمال (العام والخاص)، وفرصة للتربح والفساد فقط لا غير!
والسؤال المشروع أليس من الأجدى لو صرفت المليارات المخصصة لهذه الغاية لدعم الإنتاج الزراعي، والصناعي الزراعي، عبر مشاريع حقيقية من شأنها أن تنهي معاناة المزارعين والمربين بآن معاً، وبالتالي توفر الأعلاف في السوق المحلية من الإنتاج المحلي، لينهي حالة احتكار الأعلاف التي يستفيد منها البعض وبالأسعار والمرابح المرضية لهم فقط!؟
فالسيناريو المتوقع من الناحية العملية، بعد إضفاء المشروعية للعمل بنظام الشرائح الإلكترونية الذي يتم الحديث عنه، ما هو إلا إضافة لمستثمر جديد سيجني الأرباح من جيوب المربين ومن خزينة الدولة معاً، وسيعزز ويعمق المشكلة بدلاً من حلها!

الذكاء.. ومن المستفيد؟!

يبدو أن سيناريو الذكاء الإلكتروني الكوميدي لحل الأزمات لن تنتهي حلقاته قريباً، فقد بدأ تطبيق الذكاء الإلكتروني بدايةً على المواطن السوري ليمس أساسيات عيشه بشكل مباشر، من المحروقات وليس انتهاءً بالمواد التموينية، ولينتقل فيما بعد بخطوة أبعد ليدخل باباً أوسع نحو وسائل النقل، والمتمثل بقرار تركيب أجهزة التتبع GPS والذي بدأ المرحلة التجريبية كما أعلنت الجهات الرسمية، ولن يكون آخرها إدخال آلية الشرائح الإلكترونية على رؤوس الثروة الحيوانية، وجميعنا يعلم أن كافة الحلول الذكية المذكورة أعلاه لم ولن تغير شيئاً من واقع حال الأزمات التي يعاني منها المواطن، ولم تنهِ مكامن الفساد في ذات الوقت، والواقع والوقائع خير دليل على ذلك.
فكل أجهزة الذكاء وبرامجها وآلياتها لم تكن إلا بوابة نفع إضافية لبعض الحيتان الكبار، مع استمرار الأزمات وزيادة توسعها وتعمقها أكثر فأكثر، على حساب المواطن وعلى حساب الخزينة العامة، وعلى حساب الاقتصاد الوطني.

يحيا الذكاء!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1077