تربية حلب.. نمط جديد من العقوبات
أشرنا في مادة سابقة إلى المشكلة القائمة في امتحانات الشهادات، وخاصة قلة عدد المراقبين والمصححين، والتي تعود أسبابها إلى سياسات الحكومة والوزارة التي تحرم المعلمين من أدنى حقوقهم كي يتمكنوا من القيام بواجباتهم دون أية عوائق.
والواقع أن الوزارة والحكومة هي التي أوصلت بعض المعلمين إلى مرحلة التخلف عن مهام المراقبة والتصحيح الملقى على كاهلهم، وهي أيضاً التي دفعت إلى هروب الخريجين من هذه الوظيفة الهامة في البلاد، أي التعليم، لما يعانونه من انتهاك لحقوقهم وكرامتهم، وبعد ذلك كله تُفرض عليهم وبحقهم أشد العقوبات، ولكن هذه المرة تنتهج عقوبات من نمط آخر، ربما خارجاً عن القوانين المنصوص عليها.
فقد ورد خبر عن مديرية تربية حلب، تم تداوله عبر بعض الصفحات والمواقع الرسمية، وهو أنه: «أقرّت المديرية عدم الموافقة على دراسة طلبات النقل المقدمة من قبل المدرّسين العاملين والمتخلّفين عن الأعمال الامتحانية واعتبار طلباتهم ملغاة، وذلك بناءً على مقتضيات المصلحة العامة والحاجة الملحّة التي تقتضيها طبيعة الأعمال الامتحانية، إضافةً إلى حرمان كل معلم يقوم بتدريس الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي في مدرسة ما، ولم يلتحق بمراكز التصحيح من استلام هذه الصفوف في أعوام قادمة».
ارتجال باسم المصلحة العامة
هذا الخبر بمضمونه يعطينا صورة واضحة عن تخبط الوزارة ومديرياتها أمام مثل هذه المشكلات، حتى لو اضطروا إلى ارتجال عقوبات عشوائية لا تمت إلى المصلحة العامة بصلة، وربما فيها تجاوز للصلاحيات وللقانون على حساب المعلمين!
وهذه ليست المرة الأولى التي يتجاوز المديرون فيها صلاحياتهم، فقد سبق وأشرنا إلى تربية دمشق منذ أشهر مضت حيث تم تخصيص إحدى المدارس ببعض قاعاتها وصفوفها لسكن المعلمات من خارج المحافظة!
تجاوز
ما جرى في تربية حلب بحسب مضمون القرار أعلاه هو بعض تجاوز للصلاحيات والقانون، فكما هو معلوم لدى الجميع أن جميع العقوبات الواردة في قانون العاملين يقرها مجلس الوزراء والوزير المختص، ومنها التنبيه والإنذار وإيقاف الترفيع وتجميده والنقل والحسم من الأجر...إلخ. وربما يتم ذلك تفويضاً للجهات الإدارية الأدنى وفقاً لشروط وصلاحيات معينة!
فكما نرى في هذا القرار أنه تم إقرار عدم الموافقة على طلبات النقل للمدرسين، واعتبارها عقوبة بسبب تخلفهم عن عمليات المراقبة والتصحيح، ومنع من تخلفوا من تدريس الشهادات!
مع أنه لا يوجد مثل هذه العقوبات في قانون العاملين، وإن تم اللجوء إلى المعاقبة بعدم النقل فهي ربما يجب أن تكون من اختصاص الوزير، وحسب مقتضيات المصلحة العامة.
أما بالنسبة لتدريس الشهادات فهي لا تعدّ درجة وظيفية حتى يتم المنع منها، فهذا يقرره موجهو الاختصاص ومدراء المدارس حسب كفاءة المعلم وخبرته.
فكيف يتم منع أولئك الأكفّاء من تدريس الشهادات بناءً على مخالفة لا تمت إلى الأداء التعليمي بصلة؟!
وأين المصلحة العامة في ذلك؟!
عقوبات بلا جدوى
رغم استياء شريحة المدرسين من هذا القرار، ليس في محافظة حلب وحدها بل في أغلب المحافظات كونها تمس شريحة ذات هموم ومطالب ومعاناة واحدة، ولأنها قد تحدث وتعمم في أية مديرية أخرى، إلا أن مثل هذه القرارات والعقوبات لن تحدث أي تغيير يذكر، ولن تستطيع الضغط على المعلمين المتخلفين عن هذا الواجب، بما في ذلك حتى العقوبات التي أدرجت في قانون العاملين، لأنها بكل بساطة ووضوح لن تكون أشد وطأة من جهد عملية المراقبة والتصحيح، ومن التكاليف المدفوعة من جيب المعلم وجهده ووقته وبلا أجر، فكيف بمثل هذه العقوبات الارتجالية، كمنع النقل والحرمان من تدريس طلاب الشهادات!
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عجز الوزارة ومديرياتها عن حل المشكلة بشكل منطقي وواقعي وعملي، وبما يحقق فعلاً المصلحة العامة، وبالحد الأدنى من خلال منح هؤلاء الأجور المكافئة، وتأمين تنقلهم إلى أماكن عملهم، وهذا مالم يحدث ولن يحدث في ظل هذه الآليات والسياسات الهادمة لأهم البنى والمؤسسات الفاعلة في بناء المجتمع والإنسان.
الفوضى والتراجع المستمر
إن ما جرى في مديرية تربية حلب من إقرار لمثل هذه العقوبات، وما شابهها في مديريات المحافظات الأخرى، ما هو إلا صورة من صور الفوضى والتخبط الحكومي، وتكريس العجز عن حل المشكلات، صغيرها وكبيرها، حلاً جذرياً، بل وتكريس اليأس من ذلك أيضاً، وكل ذلك مع غيره الكثير ما هو إلا صور متفرقة لكنها غير معزولة من صور تردي وتراجع وانهيار قطاع التعليم في سورية.
فإلى أين المسير، وما هو المصير؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1076