التوحش الطبقي ميزة تفضيلية في الاقتصاد السوري
سمير علي سمير علي

التوحش الطبقي ميزة تفضيلية في الاقتصاد السوري

بات الواقع المزري لليد العاملة السورية- بأجرها المتدني شبه المعدوم، ومستوى معيشتها المتردي، وزيادة معدلات البطالة التي تعاني منها- يوفر المزيد من الفرص لأصحاب الأرباح، ليس ذلك فقط، بل بات هذا الواقع المزري برمته يعتبر من مُقومات التشجيع لاستقطاب المشاريع الاستثمارية والمستثمرين الباحثين عن المزيد من الأرباح، من خلال المزيد من استغلال اليد العاملة السورية.

فقد قال أمين سر غرفة صناعة دمشق وريفها: «إن مُقومات الاستثمار في سورية موجودة، ولا توجد أية معوقات لتنفيذ أية مشاريع استثمارية، فالبلد منفتح بشكل كبير لاستقبال جميع المستثمرين الذين يرغبون بالاستثمار، باعتبار أن لدى سورية إمكانات هائلة، ومساحات جاهزة للاستثمار، إن كان في القطاع الصناعي أو الزراعي، إضافة لرخص اليد العاملة في سورية وتوفرها، مؤكداً أن الاستثمار هو العمود الفقري لسورية»، وذلك بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 16/6/2022.
فهل من تعبير عن بؤس ما وصلت إليه اليد العاملة السورية أوضح من ذلك؟!
وهل من إجحاف وتمييز طبقي بحقها أعمق من ذلك ايضاً؟

المكرر والموجود في الخلفية

على الرغم من أن حديث أمين سر غرفة صناعة دمشق وريفها لصحيفة الوطن كان متسعاً ومتشعباً، وهو بمجمله إعادة لمجمل الحديث الرسمي وغير الرسمي بما يخص الاستثمار والتشجيع عليه، ومساعي استقطابه، وهو موضوع مكرور، لكن ما كان ملفتاً فيه، ولم يتم التوقف عنده من أية جهة رسمية أو إعلامية، أنه اعتبر «رخص اليد العاملة في سورية وتوفرها» من مقومات الاستثمار، وواحدة من «الإمكانات» المتوفرة في سورية، حيث مرت هذه العبارات بجوهرها الطبقي العميق والمجحف بحق اليد العاملة السورية مرور الكرام على كل من قرأ الخبر والمادة وتداولها، وكأنها أمر مفروغ منه، بل وأصبح ما تتضمنه من عنف وقسوة بمضمونها أكثر من اعتيادي!
فمساعي استقطاب رؤوس الأموال والترويج للاستثمار والتشجيع عليه، سواء عبر الحكومة أو عبر القطاع الخاص وبعض وسائل الاعلام، بات حديثاً مكرراً، والتغني بما هو متوفر من مقومات لهذه الغاية بات ممجوجاً من كثرة التكرار، اعتباراً من الإمكانات المتاحة والمتوفرة، وليس انتهاءً بالتشريعات والامتيازات والمزايا والإعفاءات، بغض النظر عما إذا كان كل ذلك كفيلاً باستقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات من عدمه، وخاصة بواقعنا السياسي الراهن.
أما غير المكرر، لكنه موجود بخلفية كل ما سبق، فهو فعلاً الواقع البائس الذي وصلت إليه اليد العاملة السورية، وخاصة على مستوى أجورها شبه المعدومة، كميزة تفضيلية يمكن التعويل عليها بشكل كبير في عمليات الاستقطاب للاستثمارات ورؤوس الأموال بجوهرها الاستغلالي طبعاً!

السياسات الطبقية

بعيداً عن الشخصنة، رغم أهميتها في كثير من الأحيان، نقول: إن كل أصحاب الأرباح يمارسون الاستغلال الطبقي بأبشع صوره، حتى وإن كان لسانهم يقول عكس ذلك أحياناً، للمواربة والالتفاف على ممارساتهم الاستغلالية، أو لتجميل صورتهم القبيحة، مع العلم أنه سبق أن تم تداول مثل هذه العبارات بمضمونها وجوهرها الطبقي والتمييزي الفج من قبل بعض الرسميين وغير الرسميين خلال السنوات والعقود الماضية، وخاصة بعد تبني السياسات الليبرالية، ولتأتي سنوات الحرب والأزمة لتتوج هذا النموذج الليبرالي بشكله وجوهره الطبقي الأكثر توحشاً على الإطلاق، وصولاً إلى اعتبار ما تعرضت له اليد العاملة السورية- وعموم غالبية المفقرين والمسحوقين في البلاد- من بطالة وفقر وتشرد وجوع واستنزاف ونهب متواصل وهدر بالكرامة، وصولاً إلى حال اليأس والإحباط وإغلاق الأفق، وكأنه قدر لا راد له، بل مع مساعي تكريس هذا الواقع الطبقي المجحف!
ولم لا؟ فهذا الواقع الطبقي والاستغلالي هو ما يؤمن لهؤلاء الطغم والحيتان نسب الأرباح العالية والمستمرة، والتي تم تكريسها عبر جملة السياسات المعمول بها بجوهرها الطبقي والتمييزي، وخاصة السياسات الأجرية الظالمة، والتي كانت بنتائجها مع غيرها من السياسات وَبالاً، ليس على اليد العاملة والغالبية المفقرة بمعيشتها وخدماتها وأفقها المفتوح على المستقبل فقط، بل وعلى الإنتاج والاقتصاد الوطني، والمصلحة الوطنية بنهاية الأمر.

لغة الخطاب الطبقي وأساليب الترهيب!

البعض لا تعجبهم لغة الخطاب الطبقي، المباشرة وغير المباشرة، عندما يكون قائلها ومتبنيها من أصحاب الأجور المسحوقين بشكل سافر ومباشر وفاقع من الممارسات الطبقية والاستغلالية بحقهم، بل ويعتبرون هذه اللغة، بمفرداتها وعباراتها، لغة خشبية عفا عليها الزمن، فكيف الحال عندما تكون لغة الخطاب هذه فيها بعض التعرية والفضح للمستغلين واللصوص والفاسدين بممارساتهم، أو تتضمن جرعات من التعبئة والتحريض من أجل استعادة بعض الحقوق المستلبة والمهضومة للغالبية المسحوقة والمنهوبة!
بالمقابل، فإن هؤلاء البعض أنفسهم يمرون على الخطاب الطبقي لأصحاب الأرباح والفاسدين مرور الكرام، بل مع تجاهل الجانب الطبقي فيه غالباً، حتى وإن كان فيه الكثير من الإسفاف والاستخفاف بالمسحوقين وحقوقهم، وكذلك يتعامون عن نتائج الممارسات الطبقية التي وصلت إلى مرحلة التوحش بحق الغالبية المفقرة، والتي يتم حصادها من قبلهم على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، والسياسي طبعاً.
إن هؤلاء الممتعضين من لغة الخطاب الطبقي للغالبية من أصحاب الأجور والمسحوقين، سواء كانوا من طبقة أصحاب الأرباح المعادية لمصالح هذه الغالبية بحكم الاصطفاف الطبقي والمصلحي، أو كانوا من المتمسحين بهؤلاء، أو من ممثلي مصالحهم في أي موقع رسمي أو غير رسمي، جميع هؤلاء يعتبرون من الأعداء الطبقيين لأصحاب الأجور والمسحوقين، سواء أعلنوا عن ذلك بشكل مباشر وفج، أو من خلال ممارساتهم الاستغلالية والتوحشية المدعومة والمحمية بجملة السياسات المعمول بها، ومن المؤكد بعد كل ذلك ألّا يعني المسحوقين امتعض هؤلاء أم لم يمتعضوا!
مع العلم أنه بمقابل الوقاحة والتوحش في الممارسات الطبقية الاستغلالية من قبل طغمة أصحاب الأرباح والفاسدين، فإن لغة الخطاب الطبقي والتعبوي والتحريضي هي الوحيدة التي من الممكن استخدامها معهم من قبل المسحوقين بالحد الأدنى، بغض النظر رضي البعض عن هذه اللغة أم لم يرضوا، ولو وصفوها بأنها خشبية أو معدنية أو هلامية، أو أي وصف آخر، أو مارسوا اتجاهها بعض أساليب الترهيب والترغيب!
فحتى لغة الخطاب الطبقي عندما تكون تعبيراً عن لسان حال المسحوقين يريد البعض سلب هؤلاء منها، بما في ذلك بعض النصوص القانونية التي يتم تسخيرها لهذه الغاية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1075