عثرات حكومية تنذر بكارثة غذائية
رُسِمَت ملامح الطريق لموسم القمح الجديد الذي بات على الأبواب بشكل جليّ، وذلك بفضل تكرار عثرات الموسم السابق من قبل الجهات المعنية، بدءاً من مستلزمات الإنتاج، حتى طريقة إدارة خطر آثار الجفاف والظروف المناخية السيئة، وصولاً إلى الأسعار التي حددتها الحكومة مؤخراً لتسويق محصول القمح من الفلاحين.
بعد أن خسر فلاحو الجزيرة موسم القمح البعلي بأكمله، وباقي المحافظات بنسب متباينة، نتيجة لشح الأمطار خلال الفترة الماضية، وعدم وجود خطة بديلة لتدارك مثل هذه الكارثة، وغيرها من المعيقات التي واجهت الفلاح، بدأ الخلاف حول عدم تناسب الأسعار التي حددتها الحكومة لتسويق كغ القمح، وبين الكلفة الحقيقية التي تحملها الفلاح.
بين الواقع والخيال الحكومي
أعلن مؤتمر الحبوب يوم 14 أيار الجاري، عن رفع سعر شراء كغ القمح من الفلاح إلى 1700 ليرة سورية بدلاً من 1500 ليرة، بالإضافة إلى مكافأة قدارها 300 ليرة ضمن المناطق الآمنة، و400 ليرة خارج مناطق السيطرة.
صدر القرار بعد خلافات بين الاتحاد العام للفلاحين واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، جراء تحديد الأخيرة سعر شراء كغ القمح من الفلاح بـ 1500 ليرة، بالإضافة إلى مكافأة قدارها 300 ليرة ضمن المناطق الآمنة، و400 ليرة خارج مناطق السيطرة، ليلقى القرار اعتراض الاتحاد العام للفلاحين، الذي أكد أن تكلفة الـ كغ من القمح على الفلاح أعلى من السعر المحدد بـ 1500 ليرة، واقتراحه خلال اجتماع اللجنة الفرعية بوزارة الزراعة المختصة بدراسة التكاليف، ألّا يقل سعر الشراء عن 2500 ليرة، لتعترض اللجنة الاقتصادية على مقترح الاتحاد أيضاً، متذرعة أن السعر المحدد بـ 1500 تم بناءً على الإمكانات المتاحة لديها.
تعديل غير مجدٍ
تعد الزيادة الأخيرة على سعر شراء كغ القمح، غير مرضية للفلاحين مقارنة بمطلبهم ألا يقل عن 2500 ليرة، وذلك استناداً إلى تكاليف حقيقية تحملها الفلاح، والتي تعد بعيدة كل البعد عن حسابات اللجنة الاقتصادية التي اعتمدتها على ما يبدو وفق كلف الإنتاج المدعومة فقط!
وكأن الفلاح لا يقع في كل سنة ضمن دوامة تأمين مستلزمات الإنتاج من السوق السوداء، إما نتيجةً لعدم كفاية ما يحصل عليه من مستلزمات إنتاج مدعومة، أو بسبب التأخير الحاصل في تسليم الفلاح مخصصاته ضمن الوقت المحدد، كالمحروقات الضرورية لعمليات السقاية التي يجب أن تُنجز ضمن آجال زمنية محددة، مما يضطر الفلاح لشراء المحروقات عبر السوق السوداء بأسعار مرتفعة، ناهيك عن تكاليف الفلاحة والحصاد والنقل والتي باتت مرتفعة كثيراً.
التكرار بات لا يعلم الشّطار
إن عدم تناسب سعر شراء القمح من قبل الحكومة وكلفة إنتاجه من قبل الفلاح، ينذرنا بأن كميات القمح المسوقة إلى الحكومة ستكون منخفضة كما العام السابق، فربما وجب التذكير، أن إنتاج سورية من القمح خلال الموسم الماضي، بلغ 1,9 مليون طن، وبالمقابل، لم تتجاوز الكميات المسوقة إلى الحكومة 360 ألف طن، وإن سعر التسويق الحكومي غير المجدي، سيدفع الفلاح كما العام السابق، إلى إيجاد مصادر بيع أخرى أكثر منافسةً للسعر التسويقي الحكومي، تسد تكاليف إنتاجه بالإضافة لهامش ربح مُرْضٍ لتعبه على مدار موسم كامل، وما واجهه من صعوبات وتحديات، وفي أسوأ الأحوال يصبح مبيعه بالنسبة للفلاح كمادة علفية أكثر ربحاً، خصوصاً أن سعر مبيع كيلو الشعير قارب 2900 ليرة سورية، ومقارنة بسعر القمح المسوّق حكومياً، تعد عملية بيعه كمادة علفية مربحة أكثر بالنسبة للفلاح المنتج.
الاستيراد وأزمة الغذاء العالمية
وفقاً للمعطيات أعلاه، أصبح من السهل إكمال سيناريو الموسم السابق، والذي تُوّج بعمليات استيراد القمح لسد النقص الحاصل، على اعتبار أن حاجة سورية من القمح تقدر بـ 2 مليون طن، والكميات المسوقة خلال الموسم السابق لم تتعدَ 360 ألف طن من أصل حجم الإنتاج المقدر بـ 1,9 مليون طن، مع الفارق الشاسع الذي لم يأخذ في الحسبان بعد من قبل الحكومة على ما يبدو، أزمة الغذاء العالمية التي باتت على الأبواب جراء تداعيات الأزمة الأوكرانية على صادرات المواد الغذائية الأساسية، وخصوصاً الحبوب، ومآلاتها الخطرة، أم أن حسابات وسياسات أصحاب النفوذ وكبار الحيتان أوْلى من الأمن الغذائي للمواطن السوري المهدد بشبح المجاعة القادمة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1070