سكرتيرة وممرضة وأمينة صندوق ومستخدمة.. بأجر زهيد
من ضمن الأزمات العديدة التي يعاني منها السوريون، تبرز أزمة انخفاض الأجور مقارنةً بالأسعار كإحدى المشاكل الأساسية التي تشغل بال المواطن وتحيل معيشته الى جحيم، وإن كان ذلك هو الوضع السائد، فإن أزمات أخرى خفية تتكشف وتتوضح عند الغوص في تفاصيل هذا الوضع، ورواتب سكرتيرات الأطباء مثالاً.
تتقاضى معظم سكرتيرات الأطباء أجوراً زهيدة بمقابل ساعات عمل طويلة، إذ يتراوح وسطي الرواتب بين 100-150 ألف ليرة في الشهر فقط.
ظروف ظالمة
معظم العاملات كسكرتيرات لدى الأطباء هنّ فتيات بأعمارٍ صغيرة نسبياً، دفعتهن ظروف الحياة للعمل وفقاً لشروط محددة ومفروضة مسبقاً من قبل سوق العمل، وبقوانين خفيّة مجحفة بحقّهن.
فالأزمة السورية قد خلّفت وراءها تغيّرات كبرى في بنية المجتمع والأسرة السورية، لعلّ أبرزها: انخفاض عدد الشباب مقابل ازدياد عدد الفتيات، وعليه أصبح جزء مهم من عبء العمل ملقىً على كاهل الفتيات والأطفال والكهول وغيرهم ممّن نجوا من الحرب وبقوا في البلاد.
والعمل كسكرتيرة طبيب بواقع الحال هو عبارة عن دمج بين مهام تنظيم المواعيد، واستقبال المرضى، وبعض المهام الخاصة بالتمريض، وبنفس الوقت تتسلم أجور المعاينة من المرضى بدلاً من الطبيب، بالإضافة إلى عمليات التنظيف، أي سكرتيرة وممرضة وأمينة صندوق وعاملة تنظيف بآن!
تقول إحدى السكرتيرات العاملات في عيادة طبيب مشهور لقاسيون: «منجي الساعة تسعة الصبح ومنضل للتسعة بالليل على هيك رواتب، ونحن منشوف بعيوننا انو فحصية الدكتور لكل مريض 15 ألف ليرة، شو بيعملوا المية هالأيام؟» تتنهد الفتاة ثم تقول: «بس الحمد لله أحسن من ولاشي، هيك بقدر ساعد أهلي شوي».
سكرتيرة أخرى تقول لقاسيون: «ما في قدامي خيار غير إني أرضى بهيك شغل، لأنه ما في رواتب أعلى ولا شغل أفضل، منفصلة عن زوجي وعندي ولاد وبدي عيشهن».
استغلال الحاجة
ما سبق مثالان فقط من بين آلاف الحالات والقصص الأخرى لنساءٍ يتعرّضن للاستغلال في ظلّ ظروف معيشية اجتماعية كارثية.
فقوانين السوق التي تبدو فوضوية تحكم جميع العمليات التي تتم داخلها وتضبطها، فالأجور الزهيدة شبه الموحدة هي مثال واضح على وجود عقود ضمنية متفق عليها بين جميع أصحاب الأعمال والمهن، ورواتب السكرتيرات جزء من هذه العمليات المتحكم بها، إضافة إلى ذلك فإن عدم وجود فرص عمل أخرى تؤمن دخلاً أفضل هو ما يدفع الجميع للقبول بأجور زهيدة مهما كانت درجة تحصيلهم العلمي أو خبراتهم المهنية، إلّا أن مشاكل السكرتيرات ورواتبهن لها طبيعة خاصّة بعض الشيء، تمّيزها عن غيرها من المشكلات العامة المشتركة مع الغالبية العظمى من السوريين.
فعقد العمل شفهي بين الطبيب والسكرتيرة، فما السبب في أن معظم الأطباء يعطون السكرتيرات أجوراً متقاربة ومنخفضة؟ ولماذا تقبل السكرتيرات بأجور زهيدة كهذه، مع كثرة المهام الملقاة على عاتقها، وطول ساعات الدوام؟
وعند المقارنة بين ما يتقاضاه الأطباء من المرضى، والأجور التي يدفعونها للسكرتيرات، يبدو الظلم فاقعاً!
فوسطي ما يتقاضاه الطبيب كمعاينة من كل مريض بحدود الـ 15 ألف ليرة، أي إن عمل يوم أو يومين بالنسبة للطبيب يكافئ تقريباً ما يدفعه كأجرٍ للسكرتيرة العاملة لديه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن غالبية السكرتيرات هنّ «كاشيير» أيضاً، أي هنّ على معرفة تامة بما يدخل إلى صندوق الطبيب يومياً من أموال!
أما الأسوأ، فهو أن هذا العمل كغيره من الأعمال التي تقوم بها الفتيات والنساء، فيه ما فيه من أوجه وأشكال التحرش والإزعاج، المباشر وغير المباشر أيضاً، سواء من قبل بعض الأطباء، أو من قبل المرضى!
فهل يمكن سبر وتجميع ما تتعرض له الفتيات والنساء عموماً من ظلم وإجحاف، بالإضافة لما يعانينه من مشاكل اقتصادية معيشية أخرى، وما يتعرضن له من ضغوط نفسية واجتماعية بالنتيجة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1068