تصريحات حكومية متناقضة شكلاً متوافقة مضموناً
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

تصريحات حكومية متناقضة شكلاً متوافقة مضموناً

نُقل عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مطلع الأسبوع الماضي في معرض حديثه عن البطاقة الذكية والمواد المدعومة عبر إذاعة نينار إف إم، قوله: «الاستعاضة عن الآلية الحالية بالدعم النقدي، هو مشروع مطروح منذ زمن، والآن يتم طرحه للمناقشة مع الفريق الاقتصادي ومجلس الوزراء».

وفي نهاية الأسبوع، وخلال اجتماع مع اتحاد نقابات العمال، قال رئيس الحكومة: «لا إلغاء للدعم مطلقاً لأن استمرار الدعم قرار وطني غير قابل للنقاش، ولن يتم تحويله إلى بدل نقدي».

الطبيعي وغير الطبيعي

أن يتطرق كل من رئيس الحكومة ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أو أي وزير آخر في الحكومة، إلى موضوع الدعم والمواد المدعومة هو أمر طبيعي جداً، باعتباره من المواضيع المثارة بشكل دائم على ألسنة المواطنين تعبيراً عن معاناتهم من هذا الملف وفقاً للآليات الحكومية المتبعة بشأنه، وخاصة بعد مسلسل التخفيضات التي أجرتها وتجريها الحكومة على الدعم عموماً، بمختلف مواده وسلعه وخدماته، سواء عبر الزيادات المباشرة على الأسعار، أو عبر تخفيض الكميات، أو من خلال زيادة المدة الفاصلة بين مواعيد استلام مخصصات المواطنين، أو من خلال آليات الاستبعاد منه.
لكن من غير الطبيعي أن تورط الحكومة المواطنين بتناقضاتها الشكلية بهذا الملف، بين العيني والنقدي، بحيث تدفع البعض منهم لتبني خيار البدل النقدي بالضد من مصلحتهم!

الشكل والمضمون

للوهلة الأولى يبدو أن هناك تناقضاً بين حديث وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك وحديث رئيس الحكومة بما يتعلق بملف الدعم، ويبدو وكأن هناك توجهين مختلفين بالشكل بشأن ملف الدعم عموماً، بين النقدي والعيني، وهو أمر سبق أن تم طرحه مراراً فعلاً خلال السنوات الماضية، بشكل رسمي أو غير رسمي!
بالمقابل من الواضح أن هناك توافقاً حكومياً على مضمون التعامل الحكومي مع هذا الملف، سواء فيما يتعلق بآليات تخفيض الدعم المتبعة والمستمرة نحو إنهائه، أو فيما يتعلق بالحفاظ على مصالح المستفيدين من هذا الملف فساداً واستغلالاً، بغض النظر عن شكله ومبررات وذرائع إخراجه!

مصالح الحيتان الطاغية

الاعتمادات المخصصة للدعم في الموازنات السنوية، وعلى الرغم من تقليصها عاماً بعد آخر، تعتبر كما غيرها من الاعتمادات بوابة مشرعة للنهب والفساد، يستفيد منها بعض الحيتان الكبار مع شبكاتهم.
فتوريدات المواد، والسلع المدعومة أو المباعة بسعر التدخل الإيجابي، (قمح- خبز- سكر- رز- شاي- زيت- أعلاف- أدوية- مشتقات نفطية..) تتم عبر هؤلاء الحيتان عبر أسلوب التعاقد المباشر وغير المباشر، مع غض الطرف عن الهوامش المضافة إلى أسعارها بذريعة العقوبات والحصار، وغيرها من الذرائع الكثيرة الأخرى.
ومع كل تخفيض على الدعم يطال هذه المواد والسلع، وصولاً إلى عدم تغطية حاجات المواطنين الفعلية منها، تنشط شبكات السوق السوداء عليها، وخاصة على المشتقات النفطية في ظل عدم كفاية المخصصات المدعومة منها للمواطنين (غاز- مازوت- بنزين).
والنتيجة سواء بسواء بالنسبة لحيتان النهب والفساد، فحصتهم النهبوية محفوظة بجميع الأحوال، سواء استمر الدعم بشكله العيني الحالي مع آليات التخفيض فيه، أو بشكله النقدي، قيد الدراسة والمنفي حالياً، أو حتى لو تم إنهاء الدعم بشكل كلي، وذلك من خلال سيطرتهم على التوريدات، وتحكمهم بآليات عمل الأسواق الحرة والسوداء، وشبكات التوزيع والتسويق والبيع فيها للمواد والسلع والخدمات.

مصالح المواطنين والقرار الوطني

إن التناقض الذي يبدو شكلياً بين النقدي والعيني في ملف الدعم على المستوى الحكومي هو بحقيقة الأمر جوهرياً بالنسبة للمواطنين، والخشية مشروعة من أن يتم اللجوء إلى استبدال الدعم من عيني إلى نقدي، وخاصة بعد عمليات تخفيض الدعم الجارية والمستمرة، وآليات الاستبعاد المتبعة، وصولاً إلى إنهائه بشكل كلي.
فأي دعم نقدي بعد عمليات التخفيض التي تمت، أو التي من الممكن أن تتم لاحقاً بحسب التوجهات الحكومية الواضحة والمستمرة، سيكون صفرياً بالنتيجة في ظل استمرار التآكل في القيمة الشرائية لليرة، وفي ظل الارتفاعات المستمرة على الأسعار في الأسواق.
فالمواطنون المكتوون بنار الأسعار ومتغيراتها، وبنار تآكل القيمة الشرائية لليرة يوماً بعد آخر، وفي ظل الواقع المعيشي والخدمي المتردي بسبب التشوه العميق في السياسات المالية والنقدية والضريبية والأجرية، وفي البنية الاقتصادية عموماً بسبب السياسات الليبرالية الطبقية التي وصلت إلى مرحلة التوحش بنتائجها وانعكاساتها السلبية، وخاصة على الغالبية المفقرة، يعنيهم ومن مصلحتهم طبعاً أن يستمر الدعم العيني على المواد والسلع والخدمات، لكن شريطة أن يكون ذلك دون تخفيض وتقليص، وبعيداً عن آليات النهب والفساد والاستغلال فيه لمصلحة كبار الحيتان والمتنفذين، تحت أي مسمى أو ذريعة ومبرر، والأهم هو عدم اضطرارهم للجوء إلى السوق الحرة أو السوداء لتأمين حاجاتهم من المواد والسلع والخدمات، أي أن يكون الدعم كافياً لتغطية الحاجات الفعلية للمواطنين من السلع والخدمات، وعندها فقط يمكن القول إن «استمرار الدعم هو قرار وطني غير قابل للنقاش»، وعندها أيضاً يمكن التعويل على مثل هكذا قرار، بحال وجوده فعلاً، في إصلاح التشوهات العميقة في مجمل السياسات الحكومية المتبعة، أي السير نحو إنهائها وتغييرها جملة وتفصيلاً بما يحقق مصلحة الغالبية من السوريين والمصلحة الوطنية!
فهل من قرار وطني يوصلنا إلى هذه النتيجة؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:31