المدارس الخاصة.. ربحية أكثر وجودة أقل!
دعاء دادو دعاء دادو

المدارس الخاصة.. ربحية أكثر وجودة أقل!

«اطلبوا العلم ولو في الصين»، باتت هذه العبارة (بتكلفتها الباهظة جداً) من الناحية العملية أقل تكلفةً من طلب العلم في سورية، وخاصة في المدارس الخاصة، بالتوازي مع التدني الكبير للمستوى المعيشي، الذي تعاني منه الغالبية المفقرة من السوريين اليوم.

كانت المدارس الخاصة فيما سبق، على محدوديتها وموضوعية أقساطها، تهتم بالعملية التعليمية، وتسعى جاهدة لأن تكون متميزة في تخريج الطلاب المتفوقين والمتميزين منها، في تنافس مع المدارس الأخرى (عامة وخاصة)، كي يبقى اسمها محترماً، ولكي تحظى أخيراً باستقطاب أكبر قدر ممكن من الطلبة، بالتوازي مع تزايد اهتمام أولياء أمور الطلبة بالعملية التعليمية بكافة مستوياتها، بما هو متوخى منها، على المستوى العلمي والمعرفي والنظرة الاجتماعية، والمردود المادي بالنتيجة، بعد استكمال المراحل التعليمية.
أما اليوم، وفي عصرنا هذا، عصر «زيادة الربحية وفتح سقوفها»، فقد باتت المدارس الخاصة، رغم زيادة أعدادها، بمثابة «منتجع استثماري تجاري ربحي» وظيفته الوحيدة هي كسب الأموال، وتحقيق مرابح هائلة من جيوب أولياء الأمور، وعلى حساب مستقبل الطلبة، وكالمعتاد دون رقيب أو حسيب، مهما كثرت التصاريح والأقاويل الرسمية عكس ذلك، سواء بما يخص العملية التعليمية نفسها، أو ما يخص الأقساط الفلكية التي تتقاضاها، بل وكما يقال: «تزيد الطينة بلة».

الأقساط الفلكية

باتت منظومة التعليم في سورية، عاماً بعد عام، تحديداً (الخاص)، منظومة ربحية فقط، ولم تعد تقتصر على تلك المدارس ذات النجوم المخصصة للنخبة، أو كما يقال ذات الملايين «المتلتلة»، بل إنها عُممت على جميع المدارس الخاصة، وبجميع مراحلها ومستوياتها ونجماتها.
قمنا بجمع بعض المعلومات عن الأقساط المدرسية للعام القادم، على اعتبار أنه الآن هو موسم تجديد حجز المقعد الدراسي للطالب «تثبيت»، وفتح الباب لتسجيل طلاب جدد، وذلك في محافظة دمشق وريفها، حسب أحاديث بعض أولياء الأمور.
ففي ريف دمشق، وحسب ما قاله والد الطالب «ريان» صاحب العشر سنوات عن مدرسته: «المدرسة جديدة.. بس للأمانة تدريسها منيح.. وللأمانة كمان ما قدرنا نستغني عن الدروس الخصوصية.. كانوا ياخدو مني ع الصبي مليون و600 ألف مع باص، هل السنة ما بعرف.. بس في حكي انو يمكن يكون القسط هل السنة 4 مليون!!!».
والدة الطفل «عمر» قالت: «المدرسة قريبة مني كتير.. وابني واعي ما سجلتو بالباص لنخفف التكاليف، المدارس الخاصة ما حدا عم يشكر منها.. ولهلق ما استغنينا عن الدروس الخصوصية.. بس بتضل أفضل من المدارس الحكومية.. اخدوا مني مليون من دون أوتوكار السنة الماضية.. وهل السنة لهلق ما خبروني.. بس لزموني أدفع 500 ألف تثبيت.. والله يستر».
وفي دمشق قالت والدة لأطفال ثلاثة، بأعمار روضة وصف الثاني والصف الرابع: «ابني تبع الصف الرابع والصف التاني كانوا عم ياخدوا مني مليون ومية ألف.. وتبع الـروضة 800 ألف.. هل السنة والله ما بعرف ولا عم يرضوا يحكوا... وطبعاً هالأقساط هي من دون أوتوكار ولا لباس ولا شي أبداً.. ولخبرك شي كمان مدرسة ولادي أرخص مدرسة تعتبر.. مدرسة ولاد أختي بالمزة اخدوا هالسنة مليونين ونص.. والسنة الجاية ما منعرف قديش رح ياخدوا.. علماً إنو عم ينضاف 300 أو 400 ألف ع القسط بنص السنة من دون لا احم ولا دستور».
والدة الطفلان جاد وليليان قالت: «والله دفعت أقساط هالسنة مليونين ع الراس.. وما بعرف قديش السنة الجاية.. بس سمعت إنو 100% رفع الأقساط.. وطلبوا مني 800 ع كل ولد تثبيت.. والله ياخدن ما عاد شبعوا!»
بكافة المقاييس، فإن هذه الأقساط المخالفة تعتبر أقساط نهبوية استغلالية، بحجج وذرائع مرتبطة بشكل خاص بأسعار المازوت الحر للباصات وللمولدات، في ظل الغياب الكامل لما يسمى بالكهرباء، بالإضافة طبعاً لمبررات ارتفاع أسعار الأقمشة واللباس المدرسي، وتكاليف مستلزمات العلمية التعليمية الأخرى... إلخ، إضافة لذلك تشديد الإدارات على إلزامية دفع الأقساط في الوقت المحدد، بل ودون التصريح عن إجمالي ما يترتب من أقساط بالنتيجة!

الأقساط لا تتناسب مع الجودة

على الرغم من هذه الأقساط الفلكية، إلا أن جودة التعليم في المدارس الخاصة لم تعد أفضل حالاً من جودة التعليم في المدارس الحكومية، على حد تعبير الكثير من الأهالي.
وقد التقى وزير التربية مؤخراً مع بعض أصحاب المدارس الخاصة، ومن جملة ما تم عرضه وطرحه خلال اللقاء كان موضوع الأقساط المدرسية، والمطالبة بزيادتها من قبل هؤلاء للعام الدراسي القادم، الأمر الذي لم توافق عليه الوزارة، بحسب الإعلان الرسمي عن اللقاء.
مع الإشارة إلى أن الوزارة، أو مديرياتها المعنية، لم يسبق لها مثلاً أن عممت من قبلها مقدار الرسوم والأقساط لكل مدرسة، علماً أن هذه المعلومة متوفرة لديها افتراضاً، آخذين بعين الاعتبار طبعاً عدم التزام المدارس الخاصة بالأقساط المتفق عليها مع الوزارة عبر مديرياتها، ناهيك عن عدد الشعب أو عدد الطلاب في كل شعبة، بالإضافة طبعاً إلى ما يجب توفيره من مستلزمات تعليمية.
ففي الوقت الذي انخفضت فيه جودة العملية التعليمية، مع آلية انتقاء المدرسين المبتدئين، دون الخبرة المطلوبة والأرخص أجراً بالتالي، فقد كان لذلك دور كبير في تدني مستوى التعليمي في غالبية المدارس الخاصة، والأدهى، أن الغالبية العظمى من هؤلاء المدرسين يلزمون الطلاب على الدروس الخصوصية بعد الدوام، بشكل مباشر أو غير مباشر، بذريعة ضخامة المنهاج، بحسب قول بعض الأهالي، أي مزيد من الإنفاق والتكلفة، مع عدم ضمان النتيجة بالنسبة للطالب طبعاً.
فالمدراس الخاصة اليوم باتت عبارة عن مشروع استثماري تجاري وربحي فقط، مع غض الطرف عن الهدف الخاص منها، بالطلاب والعملية التعليمية، وما يعزز كل ذلك هي شراكات الفساد التي تغض النظر عن الكثير من المخالفات في هذه المدارس!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1067