اللاعنف في المدارس وقصور النظر والسياسات
في مادة سابقة لقاسيون بتاريخ 14/3/2022 بعنوان: «اللاعنف في المدارس.. استخراج الماء من الجمر»، حاولنا وضع ظاهرة اللاعنف في المدارس تحت مجهر الحقيقة والواقع، بعد أن أطلت علينا وزارة التربية عبر صفحتها الرسمية بخبر عن اجتماع الوزير مع مؤسسة «نساء قادة»، تحت عنوان: «إرساء مبادئ اللاعنف في المدارس»، وأشرنا بحينه إلى بعض الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء ظاهرة العنف، وكيف يكون الحد من هذه الظاهرة.
ومما ورد في المادة السابقة لقاسيون نقتطع التالي: «تلبية الحاجات المادية والروحية للأفراد هي أول عامل من عوامل مكافحة العنف، إذ إن العنف الاقتصادي والمعيشي والخدمي الذي تمارسه الحكومة وحيتان الفساد تجاه المجتمع كفيل بأن يشحن المجتمع بأسره بغضب وعنف كامن، يعبر عنه كل فرد بصورة عنيفة تجاه الآخر».
والآن تطل الوزارة من جديد عبر صفحتها بمزيد من «النشاط والعمل الدؤوب» لبحث هذه الظاهرة بعيداً عن كل الأسباب والعوامل الموضوعية لها!
ومضمون الخبر بحسب ما ورد عبر صفحة الوزارة كان كما يلي: «بهدف وضع خطة لدراسة واقع العنف في المدارس ومعالجة أسبابه: ورشة عمل بالتعاون بين وزارة التربية ومنظمة اليونيسيف مع عدد من الطلاب وأهاليهم والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، ونقاش مجموعات وعصف ذهني وعرض تجارب مختلفة بين الطلاب والأهالي والمعلمين والمرشدين والخبراء من منظمة اليونيسيف تم من خلالها الإضاءة على واقع العنف في المدارس ومناقشة أسبابه تمهيداً للوصول إلى تصور واضح يمكّن من وضع خطة عمل بالتشاركية بين وزارة التربية ومنظمة اليونيسيف تساهم في الحد والتخفيف من ظاهرة العنف».
نتيجة حتمية وليست سبب!
ربما ليس من الغريب أن تتشارك الوزارة في بحث مثل هذه القضايا والظواهر مع بعض المنظمات، الدولية وغيرها، بغايات الترويج والدعاية والاستجداء كما أشرنا سابقاً، وتصم السمع عن رأي الشارع السوري نفسه، والأخصائيين الميدانيين في العمل التربوي خصوصاً، والاجتماعي عموماً، في بعض هذه الظواهر.
فغالبية الناس يعلمون أسباب العف في المدارس، وإن لم تكن هذه المعرفة مستندة إلى قواعد علمية منهجية دقيقة، لكنهم يعونها بالواقع والتجربة بأن السياسات الاقتصادية الحكومية، وما تمارسه من عنف موسع يطال جميع أوجه الحياة، ينعكس بشكل تلقائي على المدارس، التي هي جزء متصل بكل تفاصيله بالمجتمع السوري بكليته، ولا يمكن الحد من العنف والتخلص منه إلا من خلال اجتثاث الأسباب التي تكرس التدهور الاقتصادي الاجتماعي، ومفرزاته ونتائجه السلبية، التي أحد أوجهها تفشي وتكريس الظواهر السلبية، ومنها ظاهرة العنف، بل وتضغط باتجاه تكريسها في المجتمع، وبالتالي تظهر في المدارس كنتيجة حتمية لذلك.
نظرة أحادية الجانب وقاصرة!
فهل من المستغرب أن منظمة دولية مثل «اليونيسيف»، لها تجربتها وإمكاناتها وخبراؤها، أن تنظر إلى موضوع العنف هذه النظرة أحادية الجانب، وتحصره ضمن مجال العمل التربوي المدرسي، بمعزل عن الدائرة الكبرى التي أفرزته في المجتمع وبات ظاهرة، وهي البنية الاقتصادية الاجتماعية المكرسة عبر السياسات الطبقية، التي تعصف بنتائجها السلبية بالشعب السوري عموماً، والتي تكوّن تفاصيله بمتغيرات حالاته النفسية والمزاجية في نهاية المطاف؟
لا غرابة في ذلك طبعاً، فاليونيسيف، كغيرها من المنظمات الدولية مسيسة بدورها وأهدافها، فآلية عملها الملموسة في هذه القضية على ما يبدو أنها تقتصر على بحث النتائج، إن لم نقل جزء من النتائج فقط، والابتعاد كل البعد عن جذور وأسباب المشكلة بعمقها، وهي التدهور في الوضع الاقتصادي الاجتماعي، والسياسات المتبعة المكرسة لكل ذلك، وكأنها بهذا النهج تريد أن ترمي بحل المشكلة بعيداً عن مسارها الصحيح، والتعمية المتعمدة عن حقيقتها وأسبابها الموضوعية التي يترجمها الواقع!
لذلك لا غرابة بالنتيجة أن يتم تجيير أسباب المشكلة إما إلى الجانب الأخلاقي، وتحميل الأسرة كنواة للمجتمع مسؤولية ذلك، أو إلى الجانب التربوي التعليمي، وغالباً ما يكون ذلك بمسؤولية المعلمين دون غيرهم، وهذه وتلك يبدو أنهما تتقاطعان مع سياسات وآليات عمل وزارة التربية، والسياسات الحكومية عموماً، كما درجت عليه العادة عند الحديث أو البحث في أية ظاهرة من الظواهر السلبية المتفشية.
النتائج الفعلية غير مهمة!
إن ازدياد وتيرة العنف والحوادث المؤسفة في المدارس بدلاً من تخفيفها، إلى درجة استعانة بعض مدراء المدارس بأقسام الشرطة والأمن الجنائي لحل بعض المشكلات، يعتبر دليلاً ملموساً عن فشل نتائج ورشات العمل واللقاءات والاجتماعات التي تقوم بها وزارة التربية تحت عنوان العنف في المدارس، وعن فشل سياساتها كجزء من السياسات العامة.
لكن ذلك غير مهم على ما يبدو، لا بالنسبة للوزارة ولا بالنسبة للحكومة، المكتفين بالبهرجة والتغطية الإعلامية، الموثقة والمصورة عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل، لورشات العمل واللقاءات والاجتماعات التي تلامس عناوين بعض الظواهر السلبية بنتائجها فقط، دون التعمق في أسبابها، وبالتالي دون الخوض في حلها، أي تكريسها كحالة قدرية ميؤوس منها، بل مع تحميل أسبابها ونتائجها وأوزارها إلى المجتمع فقط لا غير دوناً عن مسؤولية السياسات وموبقاتها، ولمصلحة مَن يتم كل ذلك؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1067