معوقات عودة أهالي البوكمال وريفها إلى بيوتهم

معوقات عودة أهالي البوكمال وريفها إلى بيوتهم

أعوام تمضي على من نزحوا وهجروا رغماً عنهم من البوكمال وريفها دون تمكنهم حتى الآن من العودة والاستقرار فيها، مضطرين لتكبد نفقات بدلات الإيجار الشهرية الباهظة في أماكن إقامتهم المؤقتة، وبعيداً عن أرضهم وأعمالهم ومصادر رزقهم ومعيشتهم، وكل ذلك بسبب الإهمال واللامبالاة الرسمية تجاههم، ليس على مستوى استمرار تردي الخدمات العامة في المدينة والريف، بل وبسبب التكاليف الإضافية التي تفرض على هؤلاء بحال تفكيرهم بالعودة، والمثال الفاقع على ذلك هو ممارسات بعض الحواجز.

فعندما تلتقي بأحد من أهالي البوكمال وتسأله عن سبب عدم عودته إلى مدينته وبيته حتى الآن، وقبل أن يجيبك، يسحب نفساً طويلاً ويردف بجملة: «حسبي الله ونعم الوكيل».. مستغرباً هذا السؤال!

تردٍّ خدمي وسلبطة وإتاوات

يستدرك أحدهم الأمر بقوله: «كيف أرجع ولا يوجد مدارس بالمعنى الحقيقي للدراسة، فالصفوف الابتدائية فيها نقص حاد بالكادر التعليمي، والإعدادية بلا مدرسي فيزياء ولا رياضيات ولا كيمياء، أما المرحلة الثانوية فهي شبه غائبة عن اهتمامات الرسميين تماماً.. وأنا عندي ولدان أحدهم بكلوريا والثاني تاسع.. هل تريدني أضيع مستقبلهم؟!.. ثم كيف تطالبني بالعودة وبعض حواجز «التشليح» ما زالت موجودة.. فكيف أستطيع نقل عفش بيتي بوجود مثل هذه الحواجز التي تطلب الملايين للسماح لك بالمرور مع عفشك.. ثم من يستطيع نقل عفش بيته في ظل ارتفاع أجرة سيارات الشحن التي تقدر بأكثر من مليون ونصف ليرة.. من أين لي بهكذا مبلغ.. فبحسبة بسيطة عليك دفع أكثر من خمسة ملايين ليرة بين أجار الشاحنة والإتاوة، التي يسمونها ترفيقاً في بعض الأحيان.. وتريدني أعود إلى البوكمال يا صديقي وأنت الداري بخفايا الأمور!».
وبحسب الكثيرين من هؤلاء فإن تراجع وترهل الخدمات عموماً في البوكمال وريفها تعتبر من معيقات عدم العودة والاستقرار في المدينة والريف (الكهرباء- المياه- شبكات الصرف الصحي- الطبابة- الطرقات والمواصلات- الاتصالات...).

الإنتاج الزراعي بأسوأ حالاته

الانعكاسات السلبية بسبب عدم التمكن من العودة والاستقرار للكثيرين من أبناء البوكمال حتى الآن لم تقتصر على الجانب الاجتماعي والخدمي فقط، بل وعلى الجانب الإنتاجي والاقتصادي المعيشي أيضاً.
فالبوكمال تعتبر من مناطق الإنتاج الزراعي الهامة، بشقيه الحيواني والنباتي، واستمرار الوضع على حاله أخطر مما يتصوره البعض!
فغالبية من بقي في دمشق، أو غيرها من المدن والأماكن الأخرى، هم من ريف البوكمال، أي من الفلاحين والعمال الزراعيين المنتجين، وقد تحولت أراضيهم إلى بور نتيجة تركها وإهمالها وعدم زراعتها وهجرانها طيلة السنوات الماضية، مما انعكس بشكل سلبي على غالبية الإنتاج النباتي والحيواني، وخاصة المحاصيل الإستراتيجية، مثل القمح والشعير والقطن والشوندر السكري، إضافة إلى كل أنواع الخضروات، علماً أن إنتاج الريف من الخضروات كان يسد احتياجات سكان المنطقة وريفها، مع فائض يتم تسويقه وبيعه في الداخل السوري، ناهيك عن تراجع أعداد قطعان الأغنام والأبقار، وما نتج عنه من قلة في معروض اللحوم ومنتجات الحليب ومشتقاته، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، ليس في البوكمال فحسب، بل وفي الكثير من المدن والمناطق الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية لذلك على كامل سلاسل وحلقات الإنتاج والتسويق والبيع، التي تستقطب العمالة وتوفر لها مصادر الرزق والمعيشة، أي عوامل الاستقرار الرئيسية الهامة، بعد السكن والخدمات.
فإلى متى سيبقى هؤلاء بعيدين عن بيوتهم وأرضهم وعملهم، وإلى متى الانتظار في تنفيذ الوعود الخدمية كمقدمات أولية لا بد منها لتسهيل عوامل العودة والاستقرار؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065