حوادث مؤلمة.. بمسؤولية السياسات الطبقية الظالمة
كثيرة هي الأخبار، المؤلمة والمؤسفة، المتداولة عبر وسائل الاعلام عن حالات الانتحار أو الشروع فيه، وعن عمليات القتل أو الشروع بها، وعن المشاجرات، وعن ممارسات العنف والتعنيف، وغيرها من الحوادث المؤسفة التي تندرج بهذا السياق، والتي تزايدت بشكل لافت خلال السنين القريبة الماضية.
فالمتابع لتصريحات الطبابة الشرعية وبياناتها، وللمعلومات التي تقدمها وزارة الداخلية عما يتم ضبطه من قبلها من جرائم وحوادث تبعاً لمسؤولياتها، وللأخبار المتداولة عن بعضها مع تفاصيلها، يلحظ أن هناك تزايداً في كم هذه الحوادث، مع تباينات في شكلها ونوعها وتوصيفها، مع الاختلاف في ملابسات وظروف كل منها طبعاً.
أما الملفت في كل ذلك، فهو أن التعاطي مع هذه الحوادث ما زال يتم على اعتبارها ذات طابع فردي محض، وغالباً مع تحميل المجتمع جزءاً من المسؤولية حيالها، بالجانب الأخلاقي والتربوي الأسري، بعيداً عن كل الظروف الموضوعية الأخرى، المحيطة والضاغطة على الجميع دون استثناء، وعن مسؤولية الدولة والسياسات الحكومية وواجباتها المفترضة حيالها!
أمثلة مؤلمة
بحسب إذاعة شام إف إم بتاريخ 16/2/2022 «سجلت العاصمة دمشق في الأيام الأخيرة خمس حالات انتحار، واحدة منها أدت إلى الوفاة.. وأكد مصدر طبي خاص لـ «شام إف إم» تسجيل 5 محاولات انتـحار في دمشق خلال الأيام الأخيرة، مبيناً أن 3 من الحالات ناجمة عن أخذ جرعة دوائية زائدة (سيدة 56 عاماً- فتاة 19 عاماً- طفلة 14 عاماً).. وأضاف: أن الحالة الرابعة هي محاولة انتـحار لشاب (19 عاماً) تسبب لنفسه بجرح قاطع في رقبته (ذبح).. وأوضح المصدر الطبي أن الحالة الخامسة كانت لرجل أقدم على الانتحار شنـقاً، حيث وصل إلى المشفى متوفياً».
وكان قد كشف مدير عام هيئة الطب الشرعي زاهر حجو، لصحيفة الوطن، عن «تسجيل 13 حالة انتحار خلال شهر كانون الثاني الفائت. وأشار إلى 10 حالات انتحار للذكور و3 نساء. أما عن أعداد ضحايا جرائم القتل المرتكبة خلال الشهر نفسه فقد بلغت 40 ضحية».
وهناك الكثير من الأخبار المتداولة عن حوادث شبيهة مع كل أسف.
مسؤولية الدولة والحكومة والسياسات
بعيداً عن الخوض في الجانب النفسي للضحايا الذي يوصلهم لاتخاذ قرار إنهاء الحياة عبر الانتحار، باعتبار له الاختصاصين الذين لن يوفروا جهداً بهذا الإطار، سبراً وتحليلاً لما قد يعتمل في نفس الضحية من اضطرابات، فإن ظروف الحرب والأزمة، مع نتائجها وتبعاتها السلبية تشرداً ونزوحاً، بالتوازي مع الواقع الاقتصادي والمعيشي الضاغط والمستمر، والمترجم عملياً بمستويات متزايدة البطالة، وبدرجات أعلى من الإفقار، وصولاً للعوز والجوع، مع غض الطرف عن كل موبقات الاستغلال والنهب والفساد الجارية على كافة المستويات، جميعها مع غيرها الكثير من الأسباب الموضوعية الأخرى، تلقي بأعبائها الثقيلة على السوريين، وعلى الغالبية المفقرة بشكل أقسى وأعنف، مع كل تداعيات وآثار ذلك السلبية على تفاصيل الحياة اليومية لهؤلاء، بما في ذلك وخاصة على المستوى النفسي، وصولاً إلى حال انسداد الأفق والإحباط واليأس، الذي لم يعد مقتصراً على فئة عمرية بعينها، أو على جنس دون الآخر، أو على شريحة اجتماعية دون أخرى!
فالأرقام المؤسفة أعلاه، مع تنوع ضحاياها (ذكوراً وإناثاً، أطفالاً وشباباً وكباراً في السن) تعني أن مروحة الظروف الفردية الخاصة، على الرغم من أهميتها، إلا أنها ليست كافية لوحدها لتبرير هذا السلوك «الفردي» للضحايا، أو لتزايد أعدادها من كل بد!
ولا يجدي التذرع هنا بالجانب الأخلاقي المجتمعي لتحميله أوزار المسؤولية حيال الضحايا، أو لتجيير المسؤولية على أسرة كل منهم، كما يحلو للبعض من أجل تكريس تغييب الدولة عن واجباتها بهذا الصدد، ولعدم تحميل الحكومة لمسؤولياتها تجاه المواطنين، وخاصة على مستوى ضمان أمنهم الغذائي بالحد الأدنى!
فجزء أساسي من أسباب معاناة المواطنين وأزماتهم تتحملها السياسات الحكومية الطبقية، الظالمة والمجحفة، وحدها، وبالتالي، فإنها تتحمل كل أوزار ما تصل إليه حال المواطنين من فقر وجوع وبؤس وإحباط واكتئاب ويأس.
وبكل اختصار، طالما بقيت هذه السياسات الطبقية على حالها، فهذا يعني تسجيل المزيد من التردي الاقتصادي والمعيشي، ولا غرابة بعد ذلك من استمرار تسجيل المزيد من حوادث الانتحار والعنف المؤسفة، أي: المزيد من الضحايا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1059