تكريس غياب الدولة.. والبديل المنظمات الدولية غير الحكومية
يستمر التراجع في القطاع التعليمي، مع تسجيل المزيد من الترهل في كافة جوانب العملية التعليمية، وعلى كافة المستويات، وبكافة المراحل التعليمية، مع استمرا الاستثمار بشماعة الحرب والأزمة لتبرير هذا التراجع والترهل، والمتوّج بالتخلي تباعاً عن بعض المهام المفترضة للحكومة ووزارتها المختصة والمسؤولة عن هذا القطاع الهام.
فقد ورد على صفحة الحكومية الرسمية بتاريخ 17/2/2022 ما يلي: «وقعت وزارة التربية واللجنة الخيرية المشتركة (كاريتاس سورية) مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال تأهيل المدارس وتدريب المعلمين».
وبحسب تتمة الخبر: «تنص المذكرة على التعاون في مجال تأهيل المدارس وتدريب المعلمين، وإقامة الدروس التعويضية، وتقديم الدعم النفسي، وأنشطة متنوعة تخدم العملية التربوية».
تبريرات وأخرى!
أن يتم اللجوء إلى بعض المنظمات، المحلية أو الدولية، من أجل المساعدة على تغطية بعض أو كل تكاليف عمليات الترميم والإصلاح للمدارس، التي تضررت جزئياً أو كلياً بسبب المعارك، يبدو مشروعاً، ولسنا استثناءً كدولة في ذلك، وخاصة بظل الحديث الرسمي عن ضعف الإمكانات، وعن العقوبات والحصار، وغير ذلك من المبررات الكثيرة الأخرى.
أما أن يتم اللجوء للمنظمات الدولية من أجل تدريب المعلمين، وإقامة الدروس، وغير ذلك من التفصيلات التي وردت في الخبر أعلاه، فهو لا يمكن أن يندرج ضمن سياق المبررات أعلاه!
بين الخاص والمنظمات الدولية
التخلي الحكومي لم يقتصر خلال السنوات الماضية على مستوى تعزيز الخصخصة في قطاع التعليم، بكافة أشكال هذه الخصخصة وتسمياتها، ولكافة المراحل التعليمية، وكذلك لم يقف عند حدود تعهيد ترميم وإصلاح بعض المدارس لبعض المنظمات الدولية، بل بدأ يظهر التخلي عن جزء هام ورئيسي من صلب مهام وواجبات الحكومة ووزاراتها، والمتعلق «بتدريب المعلمين، وإقامة الدروس التعويضية، وتقديم الدعم النفسي وأنشطة متنوعة تخدم العملية التربوية»، كما ورد أعلاه، بالتنسيق والتعاون مع منظمة «كاريتاس سورية»، وهي جزء من منظمة كاريتاس الدولية، الإنسانية والتنموية، التابعة للكنيسة الكاثوليكية.
بمعنى أكثر مباشرة، إن منح هذا الدور لمنظمة دولية، أيّاً كانت هذه المنظمة، ومهما كانت غاياتها وأهدافها، يعني منحها صك عبور رسمي للتدخل بصلب العملية التعليمية، وتفصيلاتها اليومية.
ما سبق، لا يعتبر تخلٍّ حكومي عن جزء من المهام الموكلة لبعض الوزارات فقط، بقدر ما هو تكريس لتغييب دور الدولة أكثر فأكثر عن هذا القطاع الحيوي والهام، ويضع الجيل الناشئ بالنتيجة إما تحت سيطرة القطاع الخاص واستغلاله، أو تحت تأثير أدوات ووسائل هيمنة المنظمات الدولية، بحسب الأدوار المرسومة لكل منها.
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا التخلي المستمر، وصولاً إلى هذه المستويات من التغييب المتعمد لدور الدولة الافتراضي: ماذا سيبقى من مسؤوليات وواجبات بعهدة الحكومة والوزارات المعنية بما يخص قطاع التعليم؟
وإلى أين يمكن أن نصل بهذا القطاع على ضوء استمرار تعزيز الخصخصة فيه، وعلى ضوء البدء بتدخل المنظمات الدولية في تفاصيل العملية التعليمية نفسها؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1058