بين ثلاثية الانتعاش الاقتصادي وثلاثية إنهاكه
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

بين ثلاثية الانتعاش الاقتصادي وثلاثية إنهاكه

خلال ملتقى الحوار الاقتصادي، الذي عقد بتاريخ 7/2/2022، تحت عنوان الاستثمار والمصارف والمشروعات الصغيرة «ثلاثية الانتعاش الاقتصادي»، تم تقديم الكثير من الطروحات من قبل الرسميين وغير الرسميين.

وقد شارك في الحوار الاقتصادي ممثلو الجهات الحكومية المعنية بقطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والاستثمار والتمويل، بالإضافة إلى رجال الأعمال.
ويهدف الملتقى للوصول إلى إجراءات عملية قابلة للتنفيذ لخدمة المشاريع الصناعية والاستثمارية وتوفير التمويل اللازم لها وتطوير بيئة الأعمال اللازمة من خلال التشريعات والأنظمة والإجراءات وتحديد الفرص الاستثمارية الحالية والمستقبلية.
فهل سيتمكن الملتقى من إخراج زير الاقتصاد الوطني من بئر الليبرالية والنهب والفساد؟

بعض الطروحات

فيما يلي بعض مقتطفات مما تم طرحه خلال الملتقى، نقلاً عن وكالة سانا:
لفت رئيس الحكومة إلى: «أن المرسوم المتعلق بالتعليم المهني والذي صدر مؤخراً يعد نقطة انطلاق للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر الحرفية التي يحتاجها البلد حيث تحولت الثانويات الصناعية إلى حاضنات أعمال وسيحمل خريجوها حرفة يتطلبها السوق ما يستدعي تأمين الدعم والأماكن لتمارس هذه الحرف نشاطاتها ويجب أن تكون هذه الحرف باهتمام المصارف لتقديم ما يلزمها».
أكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية «أن تعافي القطاعات الإنتاجية سبيل أساسي للانتعاش انطلاقاً من مبدأ الاعتماد على الذات ونوه عن أهمية تشجيع المشروعات الصغيرة لكونها العماد الأساسي للاقتصاد».
بين وزير الصناعة أنه: «وضعت عدة مشاريع للتشاركية مع القطاع الخاص بطريقة مرنة مع وجود قوانين تدعم مبدأ التشاركية بهدف النهوض بالمنشآت العامة أو إعادة استثمارها بمشاريع جديدة تخدم الاقتصاد مع وجود عروض من مستثمرين لا تزال قيد الدراسة».
بيّن وزير المالية: «أن هناك مقاربة لدى الوزارة خلال الفترة القادمة لتخفيض معدلات الضريبة وتخفيف الأعباء الضريبية أينما وجدت من خلال مشروع تم إنجازه يعتمد على تخفيض عدد من الدرجات المهمة في الشرائح الضريبية ما يسهم في تبسيط العمل المالي والضريبي».
أوضح حاكم مصرف سورية المركزي: «أنه تم بداية العام الجاري السماح للمصارف العاملة بمنح القروض والتمويلات لعدد من المشاريع الصناعية إضافة إلى المشاريع الخاصة بإنتاج الطاقة دون سقوف».
طالب رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية بـ: «التركيز على دعم المنتج النهائي ومخرجات الإنتاج وليس مستلزماته».

العنوان العريض والنتائج المتوقعة

ما طرح، بحسب ما ورد أعلاه كأمثلة، ربما يوضح ما هي القضايا التي تم التركيز عليها، بأن يتم تحويل الثانويات الصناعية إلى حاضنات أعمال مثلاً، مع ما يعنيه ذلك من فتح بوابة الاستثمار فيها على حساب العملية التعليمية ولمصلحة بعض المنتفعين منها، وحديث وزير الاقتصاد بأن «المشروعات الصغيرة العماد الأساسي للاقتصاد»، ولا ندري مدى صوابية هذا الشعار ودقته بهذه المرحلة، وفي ظل الواقع الاقتصادي والمعيشي والخدمي المتردي!؟
أما الأهم فهو تكرار حديث وزير الصناعة عن «التشاركية»، سيئة الصيت، وحديث وزير المالية عن «تخفيض معدلات الضريبة وتخفيف الأعباء الضريبية أينما وجدت»، وكأن هناك نقصاً في المزايا والإعفاءات الضريبية التي يتمتع بها كبار أصحاب الأرباح، بالإضافة إلى حديث حاكم المصرف المركزي عن منح القروض والتمويلات دون سقوف، والتي سبق أن سلطنا عليها الضوء في أعداد سابقة من قاسيون.
أما اللافت فهو ما تم طرحه من قبل رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية بـ: «التركيز على دعم المنتج النهائي ومخرجات الإنتاج وليس مستلزماته»، وهو ما يصب بمصلحة كبار الحيتان طبعاً، على حساب مصلحة المنتجين الحقيقيين، وهو مؤشر إضافي لا لبس فيه عن التوجه العام بما يخص الإنتاج والعملية الإنتاجية ككل.
فكثرة الحديث عن المشاريع الصناعية والاستثمارية، وعن التمويل وتطوير بيئة الأعمال، وعن التشريعات، مهما جرى تحت عناوينها من ملتقيات ومن مؤتمرات، لن يصب إلا في نفس بوتقة ما هو قائم على المستوى الاقتصادي، ولمصلحة الطغم المنتفعة منه، طالما استمرت السياسات الليبرالية القائمة، بما تمثله من مصالح طبقية عملياً.

ثلاثية الإنهاك

من المعروف أن الواقع الاقتصادي الوطني يعاني ما يعانيه من صعوبات ومعيقات، ليس بسبب نتائج الحرب والأزمة والدمار فقط، ولا بسبب العقوبات والحصار أيضاً، رغم عدم نفي التأثير الكبير لهذين العاملين على المستوى الاقتصادي العام، والمعيشي والخدمي الخاص، بل بسبب استمرار السياسات الليبرالية المجحفة والظالمة، المعيقة والمعرقلة للإنتاج الحقيقي (الصناعي والزراعي والحرفي)، والمستنزفة للإمكانات، والتي تتضافر مع آليات النهب والفساد السائدة، لتحول دون التمكن من إنعاش الاقتصاد بشكل فعلي.
ولعله قبل البدء بالحديث عن ثلاثية الانتعاش أعلاه، أو أية ثلاثية أو ثنائية أخرى، وبغض النظر عن مدى صوابيتها ودقتها، أن يتم التخلص من ثلاثية الإنهاك، الاقتصادي والخدمي والمعيشي، القائمة والمستمرة، والمتمثلة بالسياسات الليبرالية المعمول بها، الممثلة لمصالح الطغم من أصحاب الأرباح على حساب الغالبية المفقرة من أصحاب الأجور، وعلى حساب المصلحة الاقتصادية، والمصلحة الوطنية عموماً، والتركيز على أولوية المشاريع الاستثمارية، سريعة الربحية وغير الإنتاجية على حساب الإنتاجية، مع الكثير من المزايا والإعفاءات أيضاً، بالإضافة إلى منظومة النهب والفساد، المستحكمة والمتحكمة بمجل العمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والخدمية و.. في البلاد.
والسؤال الذي يفرض نفسه هل الاستثمار والمصارف والمشروعات الصغيرة، كثلاثية للانتعاش الاقتصادي، بحسب عنوان الملتقى أعلاه، يمكن أن يعول عليها في ظل استمرار ثلاثية الانهاك المتمثلة بالسياسات الليبرالية، وإعاقة وضرب الإنتاج الحقيقي، وتغول منظومة النهب والفساد؟
وبكل مباشرة واختصار، لا يمكن ذلك، بل من الاستحالة أن يتم أي تحسين على الوقع الاقتصادي، أو المعيشي أو الخدمي، أو على أي مستوى آخر، إن لم يتم التخلص من ثلاثية الإنهاك العام السابقة، أي بالتغيير الجذري والعميق والشامل!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1057