قرابة النسب والمصاهرة أم قرابة الفساد؟!
صدر عن الحكومة مؤخراً القرار رقم 5/م. وتاريخ 3/2/2022 الناظم للعلاقة الوظيفية بين الأقارب، وينص القرار باختصار على أنه لا يجوز إشغال الوظيفة العامة للعاملين في ذات الجهة العامة أو الوحدة التنظيمية لمن تربطه رابطة القرابة بالرئيس الإداري الأعلى للجهة العامة، وبالرئيس الإداري المباشر في ذات الوحدة التنظيمية، وبأي عامل آخر في ذات الوحدة التنظيمية ضمن الجهة العامة.
وقد تبع القرار أعلاه، قرار صادر عن وزارة التنمية الإدارية برقم 81 تاريخ 7/2/2022، يتضمن ضرورة تقديم الراغب بالتقدم لمسابقة التوظيف المركزية تصريحاً إلى لجنة استلام الطلبات في الأمانة العامة للمحافظة يشمل عدم وجود رابطة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الثانية مع الرئيس الإداري الأعلى أو الرئيس الإداري المباشر أو مع عامل آخر في ذات الوحدة التنظيمية التي يرغب المتقدم بالتقدم إليها ضمن الجهة العامة.
تبدو مبررات القرارات أعلاه، نظرياً، وكأنها من أجل الحد من بعض الآليات السائدة في الجهات العامة ومؤسسات الدولة عند اشغال بعض الوظائف العامة، والقائمة على الفساد والمحسوبية والوساطة، وعلى الولاءات على حساب الكفاءات، وللحد من هذه الأوجه في عمليات التعيين!
فهل القرارات أعلاه تعتبر دستورية وقانونية؟
وهل يحقق مضمون تلك القرارات هذه المبررات النظرية؟
وهل وجود المحسوبية والوساطة، أو اعتبار الولاءات على حساب الكفاءات في إشغال بعض الوظائف العامة، مرتبط فقط بدرجات القرابة بين العاملين في الجهات العامة؟
وهل بعض أوجه الفساد في آليات التعيين في الجهات العامة مقتصر على درجة قرابة المتقدم مع أحد العاملين في إحدى هذه الجهات؟
بعض التفاصيل الإضافية
يبدأ تطبيق القرار الحكومي أعلاه ب: العاملين الجدد المعينين أو المتعاقد معهم بعد صدور هذا القرار، وعند تعيين المرشحين لشغل مراكز عمل معاوني الوزير والمديرين العامين والمديرين المركزيين ورؤساء الدوائر وفق الأنظمة النافذة بعد صدور هذا القرار.
كما لحظ القرار الحالات الوظيفية القائمة من خلال تشكيل لجنة في كل وزارة برئاسة الوزير المختص لمعالجة الحالات الوظيفية القائمة في الجهات العامة التابعة للوزارات أو المرتبطة بها للعاملين من الفئتين الأولى والثانية ممن تربطهم القرابة مع الرئيس الإداري الأعلى أو الرئيس الإداري المباشر أو مع عامل آخر في ذات الوحدة التنظيمية.
وقد استثنى القرار العاملين في المدارس كافة، ووحدات الإدارة المحلية من مستوى بلدة وبلدية وباقي الوحدات الإدارية التابعة للجهات العامة في البلدة والبلدية.
مخالفة للدستور والقانون
بحسب بعض الأخصائيين الحقوقيين فإن الدستور نص على أن المواطنين متساوون في تولي وظائف الخدمة العامة، والدولة تكفل مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وكذلك فإن القانون هو الذي يحدد شروط تولي وإشغال الوظيفة العامة، وواجبات المكلفين بها.
فقانون العاملين الأساسي لم يشر في أية مادة منه الى عدم إشغال الوظائف العامة بسبب وجود درجة قرابة بين الموظفين (الجدد أو القائمين على رأس عملهم).
فالوظائف بحسب القانون تقسم إلى فئات، ويتم إشغالها بحسب الشهادات والمؤهلات، وهناك إجراءات لأصول التعيين محددة وناظمة، ولم تتطرق إلى القرابة ودرجاتها بين أحد المتقدمين لشغلها وبين أحد العاملين في الجهة العامة المعنية.
على ذلك فإن القرارات أعلاه تعتبر، بحسب بعض الاختصاصيين، غير دستورية وغير قانونية، ولا يمكن لأي قرار أو تعميم أن يخالف ما ورد في الدستور أو القانون.
بين النظري والعملي ودور منظومة الفساد
القرارات أعلاه، وعلى الرغم من أن بعض مضمونها يعتبر استفاقة حكومية متأخرة، بغض النظر عن قانونيتها طبعاً، إلّا أن ذلك لا يمنع من التأكيد على أهميتها وضرورتها بالمعنى العام، طبعاً بحال استكمالها على المستوى العملي بالحد فعلاً من كل أوجه الفساد والمحسوبية والوساطة في الجهات العامة، ليس عند التعيين أو عند إشغال بعض الوظائف فيها، بل الأهم على مستوى اتخاذ القرار الرسمي، وعلى كافة المستويات، بعيداً عن أوجه الفساد والمحسوبية والمحاباة والمجاملة و... لأي كان، ولأية شريحة أو طبقة اجتماعية.
فمن المعروف أن الفساد والمحسوبية والوساطة، والتركيز على الولاء على حساب الكفاءة، عند التعيين أو عند إشغال الوظائف العامة الشاغرة، وكذلك عند اتخاذ القرار، أي قرار، يتجاوز عامل درجة القرابة بالنسب أو بالمصاهرة، فهو أكبر وأوسع منه بكثير، كما ويتداخل فيه الكثير من الاعتبارات الأخرى، نفوذاً وفساداً.
بل لعلنا لا نبالغ القول إن الفساد، والذي أصبح منظومة متكاملة، هو الذي يشكل القرابة الحقيقية بين الفاسدين بعلاقاتهم المصلحية القائمة فيما بينهم، فالمصلحة والمنفعة المتبادلة هي التي تشكل درجات القرابة بين هؤلاء، ولا شيء سواها.
على ذلك فإن القرارات أعلاه على المستوى الشكلي، بالإضافة إلى مخالفتها للدستور والقانون، ما هي إلّا لذر الرماد في العيون، أما على المستوى العملي فلن تكون إلّا فرصة إضافية متاحة أمام منظومة الفساد القائمة لتكريس العلاقة المصلحية بين أفرادها، وبالتالي لتكريس المنظومة بآلياتها المتبعة والقائمة على المحسوبية والوساطة، وعلى الولاءات على حساب الكفاءات.
مسابقة معلنة وشرط متأخر إضافي عليها
من المفترض، بحسب الإعلان الرسمي للمسابقة المركزية، والتي تشمل 100 ألف وظيفة شاغرة، وبحسب الترويج والتسويق والتهليل لها، أنها مركزية ومؤتمتة، ومقترنة بتوصيف وظيفي ارتباطاً بالشهادة، بالإضافة إلى بعض الشروط الأخرى لشغل الوظائف المعلن عنها، أي إنه من المفترض أنّ الآليات الموضوعة للتحكم بمجمل العملية مستكملة مسبقاً، وتكفل إبعاد كل ما له علاقة بالوساطة والمحسوبية والفساد فيها، وهو ما تم الإعلان عنه والتصريح به رسمياً!
لكن ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو، ليضاف إلى كل ذلك الشرط الأخير المتعلق بدرجة القرابة بحسب مضمون قرار وزارة التنمية الإدارية أعلاه، بعد البدء بقبول الطلبات والوثائق.
وننقل فيما يلي بعض تعليقات المواطنين:
«ليش ما طلع هاد القرار قبل تقديم الطلبات؟».
«يعني لازم يكون الواحد مقطوع من شجرة ليحقلّه يقدم؟».
«على أساس الوظائف متوفرة بس نقي واشتهي وين بدك تتوظف!».
التعليقات أعلاه بعض يسير مما تم تداوله على صفحة الحكومة الرسمية تعقيباً على القرار.
فمن المستغرب، ومن غير القانوني أيضاً، أن يصدر قرار وزارة التنمية الإدارية، حول المسابقة المركزية المعلن عنها منذ العام الماضي، بعد البدء بالتقدم إليها من قبل المواطنين في بعض المحافظات، وبعد أن سلم بعض المتقدمين وثائقهم وثبوتيّاتهم بحسب ما هو مطلوب بموجب الإعلان الرسمي عنها!
كتلة جانبية
قلة الشغل شغل!
بموجب القرار الحكومي أعلاه، وبحسب المادة التي فرضت تشكيل لجنة لبحث واقع درجات القرابة القائمة فيما بين العاملين في الجهة العامة الواحدة لاتخاذ ما يلزم بشأنها بحسب مضمون القرار، فإن الواقع العملي سيفرض أعباء جديدة على الجهاز الإداري في كل جهة عامة، أولاً من أجل سبر الحالات التي فيها درجات قرابة، وثانياً من أجل إتمام عمليات النقل أو الندب، حسب الحال، لأحدها إلى خارج هذه الجهة، وإلى جهة عامة أخرى.
ولكم أن تخيلوا الآن، ليس حجم العبء الجديد على الجهاز الإداري فقط، وكأنه لا شغل ينشغل به، بل كيف سيتم هذا الإجراء، أي كيف سيتم انتقاء من يُبقى عليه في جهته العامة، ومن سيتم نقله أو ندبه، وإلى أية جهة عامة أخرى سيتم ذلك؟!
فهناك الكثير من الحالات في إشغال الوظائف في الجهات العامة والتي تندرج ضمن إطار درجات القرابة، ولا شك أن غالبية معالجاتها ستتم استناداً إلى درجات القرابة الفعلية القائمة على الفساد والمحسوبية والوساطة، بل وسيكرسها أكثر، وكأنك يا بو زيد ما غزيت!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1057