سورية واحدة من بؤر الجوع الـ20 الساخنة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

سورية واحدة من بؤر الجوع الـ20 الساخنة

وردت سورية، في تقرير أممي جديد، ضمن مجموعة من الدول (أفغانستان- جمهورية إفريقيا الوسطى- جمهورية الكونغو الديمقراطية- هايتي- هندوراس- السودان) على أنها «تظل بلداناً مثيرة للقلق بشكل خاص، كما هو الحال في الإصدار السابق من التقرير»، وذلك وفقاً لتقرير نقاط الجوع الساخنة، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي.

فتحت عنوان «انتشار انعدام الأمن الغذائي في 20 نقطة ساخنة للجوع»، على موقع الأمم المتحدة بتاريخ 28/1/2022، كانت سورية واحدة من هذه النقاط العشرين، مع التوقع بارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي الحاد فيها!

تزايد معدلات انعدام الأمن الغذائي الحاد

ورد على موقع الأمم المتحدة بالتاريخ أعلاه ما يلي: «يتصاعد انعدام الأمن الغذائي في 20 دولة ومنطقة– وهي بؤر الجوع الساخنة– حيث يعرّض الصراع والصدمات الاقتصادية والمخاطر الطبيعية وعدم الاستقرار السياسي ومحدودية وصول المساعدات الإنسانية، ملايين الأرواح للخطر».
ففي التقرير المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي، تحت عنوان: «الإنذارات المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي على انعدام الأمن الغذائي الحاد- من شباط وحتى أيار 2022»، ورد عن سورية ما يلي، حرفياً: « في الجمهورية العربية السورية، عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي من المرجح أن يزيد عن 12,4 مليون، التي تم تحديدها في نهاية 2020، والذي شمل 1,3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد. إن مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد لا يزال مدفوعاً بالأزمة الاقتصادية المستمرة والنزوح المطول والظروف الشبيهة بالجفاف التي تؤثر على الإنتاج الزراعي».

الواقع أشد قتامة.. وسيستمر

بغض النظر عما ورد في متن التقرير، وما يمكن أن يساق على مستوى الاستثمار (السياسي والاقتصادي والأمني والإنساني) لمضمونه من قبل بعض الدول، أو من قبل بعض القوى الفاعلة والمؤثرة في أزمتنا الوطنية الشاملة، بما في ذلك محلياً، حاله كحال غيره من التقارير الدولية، فالجديد فيه على مستوى الأرقام الواردة في متنه بما يخص سورية، بالمقارنة مع مضمون التقرير الصادر العام المنصرم، هو توقع الزيادة في أعداد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي، والشديد منه.
أي من المتوقع، بحسب التقرير، أن تستمر معدلات الإفقار والجوع بالتزايد خلال العام الحالي، وصولاً إلى تسجيل المزيد من أعداد الواصلين إلى ما دون حدود انعدام الأمن الغذائي الحاد.
بالمقابل فإن الواقع اليومي المعاش بالنسبة للسوريين يعتبر أكثر وضوحاً من كل التقارير، وهو أشد قتامة وقسوة مما ورد في مضمونه بما لا يقاس، والشواهد والمشاهد اليومية واللحظية على ذلك باتت أكثر من أن تُعد.
فمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي تزايدوا عملياً، وكذلك من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي الذين تجاوزوا مرحلة العوز الغذائي والجوع بأشواط، وأصبحوا بحاجة إلى رعاية صحية مباشرة وخاصة، وعلى الأغلب هي غير متوفرة للكثيرين من هؤلاء!
ومع كل الأسف فإن ذلك سيستمر، وسيتسع ويتعمق أكثر، طالما استمرت السياسات الطبقية الظالمة، وطالما استمرت أزمتنا الوطنية الشاملة دون حل!

أين الدولة والحكومة؟

التقرير يسلط الضوء بشكل مباشر على «الأزمة الاقتصادية المستمرة، والنزوح المطول، والظروف الشبيهة بالجفاف التي تؤثر على الإنتاج الزراعي»، كأسباب لتزايد معدلات انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى إشارته إلى «محدودية وصول المساعدات الإنسانية»، وإلى «عدم الاستقرار السياسي».
فإذا كان جزء من ذلك يمكن تجييره على الحرب والأزمة والعقوبات والحصار، وهو ما يتم التركيز عليه رسمياً من قبل الحكومة والقائمين على الأمر، مع التكرار الممل والممجوج لهذه الذرائع، فإن بقية الأجزاء تُجير على الدولة وعلى دور السياسات الحكومية وممارساتها، بما في ذلك الجفاف نفسه كظاهرة طبيعية، حيث لم يتم العمل على الحد من آثاره ونتائجه الكارثية بالشكل المطلوب!
فأين دور الدولة عموماً من جملة ما يرد في التقارير الأممية حول الوضع المزري الذي وصلت إليه سورية بحسب بعض المعايير الدولية؟
وأين الدور الحكومي تجاه الواقع الاقتصادي المعيشي الذي يزج بالمزيد من المفقرين في أتّون العوز والجوع الحاد يومياً؟

الدولة المغيبة والحكومة الظالمة

بعد أن تم تغييب الدور المفترض للدولة على مستوى واجباتها تجاه السوريين بشكل عام، بل وابتلاع هذا الدور أو تشويهه، تأتي السياسات الليبرالية الظالمة لدرجة التوحش لتزيد من وطأة هذا التغييب والتشويه، والذي تدفع ضريبته الغالبية المفقرة على شكل المزيد من الإفقار لدرجة الجوع، بينما تزيد ثروات البعض على حساب هؤلاء، كما على حساب الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية، مع الاستفادة القصوى من ذرائع الأزمة والعقوبات والحصار طبعاً.
فجزء هام مما جرى ويجري بحق الغالبية المفقرة تتحمله السياسات الليبرالية المتبعة، والإجراءات الحكومية الظالمة والمستمرة بحق هذه الغالبية، والتي أدت وتؤدي إلى مزيد من الإفقار والجوع عملياً.
وليس أدل على ذلك ما جرى ويجري بما يخص ملف الدعم، وخاصة خلال السنة الماضية وحتى الآن، وما جرى ويجري بما يخص ملف الإنتاج (الصناعي والزراعي والحرفي)، وما يجري بخصوص ملف النازحين، والصعوبات والعراقيل التي تواجههم لعودة استقرارهم في مدنهم وبلداتهم وقراهم، وما يجري بخصوص ملف الخدمات أو الصحة أو التعليم أو..، وغيرها من الملفات الكثيرة الأخرى، التي لا تقل أهمية عن كل الملفات السابقة!

سياسات تُعرّض ملايين الأرواح للخطر

من الواضح أن السياسات الليبرالية المتبعة، الظالمة والمتوحشة، بما تمثله من مصالح طبقية عميقة، لا يمكن لها أن تحل مشكلة أي ملف من الملفات الساخنة التي يعاني منها السوريون، مهما صغرت وعلى كافة المستويات، ليس ذلك فقط، بل إن تلك السياسات المجحفة، التمييزية والحامية للمصالح الطبقية، غير قادرة أن تقدم الحلول الحقيقية والناجزة لأي من الملفات، ليس بسبب ضعف أو عجز الإمكانات كما يروّج، للاستمرار في ممارسة الضغط على المفقرين، ولتبرير عمليات النهب الكبيرة الجارية على قدم وساق، وللتغطية على ابتلاع دور الدولة، بل لأن البنية المصلحية للقوى المهيمنة والمسيطرة، طغمة كبار الأثرياء والناهبين والفاسدين، التي تُسخر من أجلهم هذه السياسات الطبقية، لا تسمح بذلك، مع كل التشدد والإعاقة من قبل هذه القوى بوجه أيّ حل لأي ملف، مهما كان جزئياً وبسيطاً!
ولعل ما يرد في بعض التقارير الدولية بما يخص سورية، كحال التقرير آنف الذكر، يعتبر فرصة إضافية للنهب والتكسب ليس إلا بالنسبة لهذه القوى، طبعاً على حساب المزيد من العوز والجوع عملياً، بل والمزيد من «تعريض ملايين الأرواح للخطر»، كما ورد في متن التقرير أعلاه.
فكيف مثلاً بدور هذه القوى على مستوى حل الأزمة الوطنية الشاملة، وبشكل نهائي؟!

البنية الميؤوس منها وحياة السوريين

إن استمرار الأزمة الوطنية يعني بكل بساطة استمراراً لنفوذ قوى النهب والفساد، ولمكاسبها ولتسلطها، ولو كان ذلك على حساب الغالبية من السوريين، وعلى حساب استمرار تقسيم الأمر الواقع القائم حالياً، والمصلحة والسيادة الوطنية عموماً بالنتيجة.
فطبيعة البنية الطبقية المشوهة لهذه القوى، بما تمثله بالواقع العملي من مصالح، مع ارتباطاتها الإقليمية والدولية، هي بنية ميؤوس منها على مستوى كافة الحلول، صغيرها وكبيرها، وبالتالي هي بالضد من مصالح غالبية السوريين، وبالضد من المصلحة الوطنية، بل وتعتبر هي نفسها أحد أهم المبررات الموضوعية لضرورة التغيير الجذري والعميق والشامل المنشود، كطموح ورغبة مشروعة لدى السوريين عموماً، بالحد الأدنى إن لم يكن من أجل استعادة وحدة وسيادة الشعب والبلاد، والمضي بالحل السياسي المنشود كبوابة وحيدة متاحة لذلك، فمن أجل استمرار السوريين على قيد الحياة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1056