إنهاء الدعم مسألة وقت لا أكثر
بعد أن تبنت الحكومة سياسة تخفيض الدعم كنهج عقدت العزم عليه وبدأت بتطبيقه منذ سنين عدة، كان لهذا العام الحصة الأكثر حدة وقسوة على الإطلاق.
فقد قررت الحكومة يوم 1 شباط الجاري، استبعاد مجموعة من الأسر من خانة الدعم، وتلك المجموعة تقدر بأكثر من نصف مليون أسرة كمرحلة أولى، ومن يدري بكم مرحلة ستستمر الحكومة بنهجها حتى إنهائه، ولا محال أن استكماله حتى إنهائه بشكل كامل، تبقى مسألة وقت لا أكثر!
تحرير الدعم أخطاء وعثرات
من الملفت حقاً، أن أكثر ما أولت إليه الحكومة اهتماماً، هو ملف تسعير المواد المحررة من الدعم.
فقد كان الملف الوحيد الجاهز، حتى قبل إعلان نتيجة الاستبعاد، أما ما تبقى من خطوات فقد تخللتها أخطاء كثيرة أدت لاستبعاد عدد كبير من الأسر ميسورة الحال، التي تحاول أن تبقى على حدود خط الفقر، ولا تقع في براثنه، وهذا ما يعكس ضيق أفق الحكومة وإخفاقاتها المتكرر، بدءاً من المعاير التي اعتمدتها كتصنيف للشرائح المستبعدة، دون أن تنظر إلى مآلاتها السلبية على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، وصولاً للأخطاء التقنية التي أدت لاستبعاد عدد كبير من الأسر من خانة الدعم عن طريق الخطأ، الأمر الذي أدى إلى ازدحام كبير في مؤسسات الدولة لتصحيح تلك الأخطاء الحكومية!
الأسعار محررة والآلية ذاتها
صرحت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أن آلية توزيع المواد ستبقى عبر البطاقة الذكية وبالآلية ذاتها، وأن الفارق الوحيد الذي سيلمسه المواطن المستبعد، هو الفارق السعري بين المدعوم وسعر التكلفة.
فمثلاً، أصبح سعر ربطة الخبز بـ 1300 ل. س، أما أسطوانة الغاز 30600 ل. س، والبنزين 2500 ل. س، والمازوت 1700 ل. س، أما عن الآلية فتبقى ذاتها، عبر البطاقة الذكية والدور الإلكتروني!
أما عن توزيع الغاز المنزلي، فقد صدر تعميم آلية جديدة خاصة به تخص وكلاء وموزعي أسطوانات الغاز، بحيث توزع الأسطوانات يومياً وفق النسب التالية: 75% وفق السعر المدعوم، 21% وفق السعر الحر غير المدعوم، 2% ايصالات للحالات الخاصة، 2% بدل تالف.
ووفقاً للأرقام الرسمية، يوزع يومياً 80 ألف أسطوانة غاز منزلي بالسعر المدعوم، ما يعني أن عدد الأسطوانات الموزعة شهرياً مقدر بحوالي 2,400,000 ومع استبعاد نسبة الـ 4% لصالح البدل التالف وايصالات الحالات الخاصة من إجمالي الحصة الشهرية المقدرة أعلاه، يبقى لدينا حوالي 2,304,000 اسطوانة ستوزع يومياً بين المدعوم وغير المدعوم.
وبالعودة إلى آلية التوزيع الجديدة، نجد أن نسبة الأسطوانات الموزعة للبطاقات المستبعدة من الدعم نسبتها 21% من إجمالي الحصة اليومية، مع العلم أن نسبة المستبعدين من الدعم بحسب التصريحات الرسمية تبلغ 15%.
والسؤال هنا: ما الذي يضمن للمدعومين أو للمستبعدين من الدعم أن يحصلوا على حقوقهم وحصصهم، سواء من الغاز أو أية مادة أخرى مدعومة، بعيداً عن الحجج الوفيرة التي سيتم التذرع بها، بدءاً من نقص الكميات الموزعة ونسب توزيعها، بالإضافة للاستغلال والاحتكار والتكاليف الإضافية، خصوصاً أن المستبعدين، بنظر الجهات المعنية، مدرجون تحت خانة الميسورين، ولا حاجة لتقديم الدعم إليهم.
فمما لا شك فيه، أن هؤلاء سيقعون في دوامة حلقات الفساد، في ظل الغياب الحقيقي لقدرة الحكومة على مكافحة تلك المظاهر، على مستوى قدرتها على ضبط تكاليف الاستيراد المرتفعة، وضبط الأسعار ضمن الأسواق المحلية وشبكات السوق السوداء، والتي فتحت لها الجهات الرسمية باباً أوسع للفساد عملياً.
الصراع على حدود الفقر والمزيد من البؤس
ربما يكون من تم استبعادهم من الدعم أفضل حالاً من باقي الأسر، ممن يعانون من انعدام أمنهم الغذائي، ولكنهم ليسوا أفضل بكثير.
المستبعدون يحاولون الحفاظ على القليل من العيش الكريم، بعيداً عن السقوط تحت خط الفقر، ومع تلك المحاولات الجهيدة، قررت الحكومة اليوم وفقاً لتصنيفاتها العشوائية ولسياساتها الاقتصادية الفاشلة أن تسقط تلك الفئات ضمن هاوية الفقر المدقع.
فالنتائج السلبية لاعتماد أسعار التكلفة، والمضي بمسيرة التحرير السعري للسلع والخدمات، ستؤدي إلى رفع الأسعار من قبل التجار، وخاصة في السوق السوداء، وما سيرافق ذلك من تكاليف إضافية سيدفع ثمنها المواطن المدعوم وغير المدعوم على السواء.
فما تقدمه الحكومة من سلع مدعومة لا يغطي الحاجة الفعلية للأسر، من الغاز للمازوت والبنزين، وصولاً إلى ربطة الخبز، فالسكر والرز...إلخ، فتحرير الأسعار عن فئة معينة لن يزيد من حجم الدعم المقدم على التأكيد، لكنه سيزيد من بؤس السوريين.
الدعم والتمنين الحكومي
صرح معاون وزير النفط والثروة المعدنية يوم 31 كانون الثاني، «أن للمشتقات النفطية الحصة الأكبر من الدعم، حيث أن فاتورة النفط تبلغ نحو 6 آلاف مليار سنوياً».
وقيمة الدعم اليومي المقدم للمحروقات تبلغ 19,6ملياراً موزعة كما يلي:
6 مليارات لتر مازوت توزع يومياً بدعم 2000 ل. س للتر، 4 ملايين لتر بنزين توزع يومياً بدعم 1400 ليرة للتر، 80 ألف أسطوانة غاز منزلي توزع يومياً بدعم 25 ألف ليرة للأسطوانة الواحدة، بمجموع 2 مليار ليرة.
وكذلك عكفت بعض الوزارات على استعراض أرقام الدعم الحكومي المقدم لها من أجل استمرار القيام بمهامها، مثل: وزارة التربية ووزارة الصحة وغيرها.
إن تلك الأرقام التي تزاود الحكومة علينا بها، ليست إلّا تحميل «منية» للمواطن الذي لا يصله من تلك الأرقام إلا جزء يسير، وكأن ذلك المواطن لا تتم جباية الضرائب منه، وكأن تلك الأرقام تدفع من جيب الحكومة الخاص ليضرب بها تلك «المنية».
فتلك الأرقام الإجمالية ليست موجهة لدعم الأسر ممن يحملون البطاقة الذكية فقط، إنما رقم الدعم الحكومي مقسم على كافة مؤسسات الدولة بالإضافة إلى أصحاب الفعاليات الاقتصادية، ولا ننسى طبعاً حصص الفساد الكبير الذي يتطاول على أجزاء هامة من هذا الدعم، ناهيك عن دور شبكات السوق السوداء التي تتاجر على حساب الدولة والمواطن.
وفي الوقت ذاته، يبقى الإعلان الرسمي عن تلك الأرقام الكبيرة التي تغطيها الدولة، مبرراً لسياسات تخفيض الدعم الجارية، سواء عبر رفع الأسعار أو تخفيض الكميات، وصولاً إلى استبعاد فئات من المواطنين منه، بغاية الإجهاز عليه بشكل كلي ونهائي!
الكارثة الأسوأ
الكارثة بهذا السياق، أن إجراءات إنهاء الدعم، وفقاً للمسيرة الحكومية الظالمة والمجحفة، قد لا تقف عند حدود المواد المدعومة فقط، بل قد تتبعها الطاقة الكهربائية والمياه والصحة والتعليم أيضاً، وربما غيرها من الخدمات الأخرى، خاصة وأن الوزارات المعنية بهذه الخدمات بدأت حملات الترويج والتسويق لمقدار ما تقدمه كل منها كدعم، وما تتحمله الخزينة من أعباء جراء ذلك!
فالقادم، بحسب السيناريوهات الحكومية المعمول بها حتى الآن، سيكون أسوأ على كافة المستويات، وطبعاً كل ذلك على حساب ومن جيوب المفقرين فقط لا غير!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1056