قطاع الدواجن.. هل من استفاقة قبل الإجهاز عليه؟!
عبير حداد عبير حداد

قطاع الدواجن.. هل من استفاقة قبل الإجهاز عليه؟!

قطاع الدواجن يعتبر أحد القطاعات الإنتاجية الوطنية الهامة، ونظراً لأهميته يجدر الإضاءة مراراً وتكراراً على ما يتعرض له من معيقات وصعوبات أدت إلى استنزافه، وخروج عدد كبير من منشآته عن الخدمة خلال سنوات مضت، وحتى الآن.

فما جرى ويجري بحق هذا القطاع هو الاستمرار الجديّ نحو تعميق استنزافه في ظل غياب أية حلول جذرية تنتشله من وضعه الكارثي، بل أدت به إلى مزيد من التراجع خلال العام الفائت، واستمرار الوضع الكارثي له على ما هو عليه خلال العام الحالي.

طرفا المعادلة الخاسرة

تراجع قطاع الدواجن ومأساته المتكررة، ترتبط بالدرجة الأولى بارتفاع تكاليف الإنتاج التي يتحملها المربي، نتيجةً لتراجع الدور الحكومي من حيث تأمين مستلزمات إنتاجه، تحديداً الأعلاف «التي تمثل 80% من تكاليف الإنتاج» بالإضافة إلى المحروقات وازدياد الحاجة إليها، وخاصة خلال موسم الشتاء.
ونتيجةً لغياب الدور الحكومي بتأمين المواد العلفية على وجه الخصوص، أخذ كبار المستوردين مهمة تأمين الأعلاف على عاتقهم، ما فتح باب الاستغلال والتسعير الربحي الاحتكاري على مصراعيه، دونما وجود رقيب لضبط عملية التسعير، التي إن وجدت قد تسهم باستقرار سعر الفروج نوعاً ما، وهذا ما أشار إليه أمين سر غرفة زراعة دمشق خلال تصريح له يوم 23 كانون الثاني: «إن الأعلاف تشكل النسبة الأكبر من تكاليف الإنتاج وأن استقرار أسعار الذرة والصويا تشكل الهامش الأكبر بالنسبة لمادة البيض والفروج، منوهاً أن الفروقات في أسعارها بين سورية والدول المجاورة مثل لبنان وصل إلى ما يعادل مليون ليرة للطن وبالتالي فإن المطلوب ضبط أسعار مادة الأعلاف واستقرار أسعارها حتى نستطيع ضبط أسعار الفروج والبيض».

الفروج والبيض والقدرة الشرائية

من البدهي أن فاتورة ارتفاع تكاليف الإنتاج على المربي ستضاف بنهاية المطاف على أسعار المنتَج للمستهلك، وهنا يحدث الخلل الكبير!
فالقدرة الشرائية للمواطن منخفضة جداً مقارنة مع تكاليف المعيشة المرتفعة، مما أدى إلى زيادة العرض مقابل الطلب في السوق المحلية، وبالتالي تصبح الأسعار الاستهلاكية، المرتفعة بكل الأحوال على جيب المواطن، أقل من أسعار التكلفة الحقيقية التي يتحملها المربي، ليتساوى حال المربي المنتِج والمواطن المستهلك، فكلاهما يقع ضمن حلقة الاستغلال معاً.
وإضافة إلى تلك المعيقات الرئيسية نشير إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والأدوية، فقد كان لموجة الصقيع الفائتة تأثير كبير على الإنتاج والتفقيس، حيث ازدادت الأمراض مع صعوبة تأمين مواد التدفئة، وأدت إلى نفوق في الفروج.

إنجازات رسمية رغم أرقام الخسائر!

رغم حجم الخسائر المهول الذي وصل إليه قطاع الدواجن، والتراجع المستمر له، لا تزال مؤسسة الأعلاف تستعرض إنجازها بالحديث عن دعمها الأكبر لقطاع الدواجن.
فقد صرح مدير مؤسسة الأعلاف مؤخراً، أنه خلال العام الماضي «قامت مؤسسة الأعلاف ببيع الأعلاف بأسعار تقل عن أسعار السوق بنسبة 25 بالمئة، مشيراً إلى أنها قامت بدعم قطاع الثروة الحيوانية وخاصة الدواجن بمبلغ مقداره 90 ملياراً بطريقة غير مباشرة من خلال بيع المواد العلفية بسعر أرخص من السوق».
إن استمرار الخسارات المتكررة على حساب المربين، تعني استمرار عزوف المزيد منهم عن العمل، وهي نتيجة طبيعية بكافة الأحوال، الأمر الذي يناقض الاستعراض الرسمي أعلاه.
فبحسب بعض الفنيين المتخصصين في القطاع، فقد تراجع عدد العاملين بقطاع الدواجن خلال العام 2019 بنسبة 30%، أما اليوم فلم يبق من الذين يعملون في هذا القطاع إلا ما تصل نسبته إلى ٣٠٪ فقط.
ومن الطبيعي أن استمرار السياسات الحكومية على ما هي عليه تجاه هذا القطاع الهام تعني الإجهاز على المتبقي منه، وبتسارع أعلى مما سبق!

السورية للتجارة والتدخل الإيجابي!

نتيجة للخسائر التي يتعرض لها مربّو الدواجن خلال موسم شتاء، «استجابت» وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لرغبتهم ببيع الفروج للوزارة تفادياً لخسارتهم، وذلك حسب ما تم إعلانه من قبلها، حيث حدد سعر شراء كيلو الفروج الحي من مربي الدواجن بـ 7 آلاف ل.س، مع الحفاظ عليه بهذا السعر، مع العلم أن تكلفة كيلو الفروج الحي من أرض المدجنة تصل إلى 7800 ل.س بحسب بعض المربين، ومع ذلك فقد قبل بعض المربين بهذا الخيار المتاح أمامهم، فإن كان هذا السعر لن يحقق لهم ربحاً مضافاً إلى تكاليف إنتاجهم، فإنه بالحد الأدنى يحد من حجم خساراتهم الجسيمة.
وربما تعد هذه الخطوة إيجابية على مستوى السوق الاستهلاكي والتسويق أيضاً، لعلّ وعسى أن تعيد بعض التحكم بضبط آلية العرض والطلب، وخاصة بعد تراجع معدلات الاستهلاك، بالإضافة إلى ضبط الأسعار ومنع الاستغلال الذي يطال المُنتِج والمستهلك عبر حلقات الوساطة المتمثلة بالتجار، شريطة ألّا تكون هذه الخطوة شبيهة بسيناريو التدخل الإيجابي الذي طال مادة السكر، وغيرها من مواد التدخل الإيجابي الأخرى، والتي أدت إلى ارتفاع أسعارها في الأسواق مع ندرتها، مما أحدث أزمة أكبر مما سبق، ما يؤكد أهمية وضرورة توفر آلية جدية وفاعلة للرقابة في الأسواق.

حلقة الدعم الناقصة

بغضّ النظر عن الخطوة التي اتخذتها السورية للتجارة تحت عناوين دعم عملية التسويق والحد من احتكار واستغلال تجار الحلقة الوسيطة بين المُنتِج والمستهلك، بما لها وما عليها، تبقى حلقة الدعم ناقصة بجزئها الأهم والمتمثل بالدعم الحقيقي لمستلزمات الإنتاج كافة، بدءاً من ضبط أسعار الأعلاف وتوفيرها، وبعيداً عن مصالح التجار المستوردين.
فعلى سبيل المثال ارتفع سعر طن الصويا خلال أقل من شهر إلى نحو ٦٠٠ ألف ل.س، ليصبح سعر الطن ٣ ملايين ل.س، مروراً بأسعار الأدوية ومدى توفرها، والأهم إيجاد آلية لتقديم الدعم لمواد التدفئة «مازوت- حطب- فحم» وبأسعار مناسبة، ما يخفف من معاناة المربين في تأمين هذه المواد بأسعارها المرتفعة.
فتقديم الدعم الحقيقي والمتكامل والمستمر لحلقة الإنتاج والتسويق على حد سواء، هي المنقذ الوحيد لقطاع الدواجن من التراجع المستمر والمتسارع، بحال توفر النية الرسمية لذلك، قبل استكمال الإجهاز عليه، والذي يفسح المجال أمام الحيتان لتأمين بدائله لتلبية حاجات السوق المحلية عبر الاستيراد، وهو ما يطمحون إليه ويعملون من أجله على ما يبدو، بمباركة حكومية طبعاً، سواء عبر اللامبالاة تجاه معاناة وصعوبات القطاع المستمرة والمزمنة، أو من خلال التسهيلات الكبيرة الممنوحة لهؤلاء، وغض الطرف عن موبقاتهم!
وربما لا غرابة بعد كل ذلك أن نضطر لاستيراد الفروج والبيض وفقاً لهذا النمط من التعامل الرسمي مع هذا القطاع الهام، وأنماط التسهيلات الممنوحة لكبار حيتان الثروة والفساد؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055
آخر تعديل على الإثنين, 31 كانون2/يناير 2022 22:28