رمز التحقق الإلكتروني للفواتير بعيداً عن كبار المكلفين
كثر الحديث واللغط مؤخراً حول قرار وزارة المالية الذي فرض بموجبه على جميع منشآت الإطعام ومطاعم الوجبات السريعة باستخدام تطبيق رمز التحقق الإلكتروني للفواتير المصدرة من تاريخ تبليغهم اعتماد التطبيق لديها، المرتبط مع الإدارة الضريبية.
اللغط الذي جرى بعد تداول الخبر أعلاه ظهر وكأن هناك مطارح ضريبية جديدة يجري الحديث عنها من قبل وزارة المالية، بينما في واقع الأمر أن مضمون القرار هو أحد الأشكال التنفيذية لمشروع الآلية الإلكترونية للتحقق من إصدار الفواتير، المقتصر حالياً على صغار المكلفين فقط دون الكبار، والذي جرى الحديث عنه منذ شهر شباط 2021.
تأخر رسمي
بحسب الموقع الحكومي بتاريخ 10/2/2021: «أنجزت وزارة المالية آلية إلكترونية للتحقق من إصدار الفواتير تعد بمثابة خطوة مهمة لتحقيق العدالة الضريبية والتحول الرقمي في عمل الإدارة الضريبية».
وفي التفاصيل الإضافية بحسب الموقع الحكومي: «تضمن الآلية الجديدة حقوق الزبائن والباعة ومزودي الخدمات من خلال توثيق عمليات البيع والشراء، وتجنب عمليات التلاعب في الحسابات، وضمان حصول كل طرف في العملية التجارية على مستحقاته، بما في ذلك الخزينة العامة للدولة». وبأن: «الوزارة ألزمت بعض المكلفين الخاضعين للضريبة على الدخل باستخدام آلية التحقق الإلكتروني للفواتير المصدرة ووضع الرمز التعريفي الناتج عن آلية التحقق الإلكتروني على كل فاتورة صادرة من قبلهم».
وبينت وزارة المالية أنه «بموجب القرار رقم 273 الصادر عنها العام الجاري (2021) يُحدد بقرار من مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم المهن والمنشآت والمكلفون الملزمون بتطبيق الآلية المذكورة وتاريخ اعتمادها وفترات الاختبار، على ألّا تتجاوز 30 يوماً، إضافة إلى تحديد المكلفين والمنشآت الملزمين بتطبيق أحكام القرار، والذين يحل الرمز التعريفي الناتج عن آلية التحقق الإلكتروني محل ختم دائرة رسم الانفاق الاستهلاكي بمديريات المالية على الفواتير المصدرة من قبلهم».
ومنذ ذلك التاريخ، وبحسب تصريح مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم، كان من المقرر أن: «بداية تطبيق آلية التحقق الإلكتروني للفواتير سوف تكون من القطاع السياحي، إذ يتم العمل حالياً بالتعاون مع وزارة السياحة على تحديد النطاق المستهدف، مبيناً أن المشروع سوف يخضع للتوسيع والتطوير بشكل مستمر».
أي إن مشروع آلية التحقق الإلكتروني للفواتير، المنجز والمعلن عنه من قبل وزارة المالية، جرى التأخر بتنفيذه لمدة عام كامل حتى الآن، وقد تم اختصاره على مستوى منشآت الإطعام ومطاعم الوجبات السريعة فقط لا غير!
التأخر المضاعف
التأخر لم يكن فقط في البدء بنظام التحقق الإلكتروني للفواتير، بل أيضاً في تعديل منظومة النظام والتشريعات الضريبية ككل، والتي جرى الحديث عنها مراراً وتكراراً بأن هناك مشاريع قانونية للضريبة الموحدة على الدخل وضريبة المبيعات، التي ستحل محل ضريبة الانفاق الاستهلاكي، وهذا وذاك سيعتمدان على نظامي الفوترة والدفع الإلكتروني.
علماً أن الحديث عن تعديل التشريعات الضريبية تكرر مطلع العام الحالي أيضاً، بما في ذلك القرار الذي صدر عن وزير المالية بتشكيل لجنة لهذه الغاية، بعد أن تم تشكيل الكثير من اللجان لنفس هذه الغاية خلال السنين الماضية، دون أن يتمخّض عنها أي إنجاز ملموس حتى الآن!
فأين هذه القوانين الضريبية الموحدة، ولماذا كل هذا التأخير والمماطلة فيها؟
دور قوى المال والفساد
لا شك أن النظام الضريبي المعمول به بحاجة للتعديل، وخاصة على مستوى «تحقيق العدالة الضريبية»، وهو العنوان الأبرز مع كل حديث عن التعديلات المزمعة من قبل المسؤولين طيلة السنوات السابقة وحتى الآن.
لكن على ما يبدو أن تلك العدالة الضريبية غير مرغوب بها، أو بالحد الأدنى هناك قوى فاعلة، ووازنة ومؤثرة، ليس لها مصلحة بالعدالة الضريبية، لا عبر قوننتها، ولا عبر تنفيذها، وتحديداً كبار حيتان الثروة والفساد، أصحاب الباع الكبير في التهرب الضريبي.
ولعل الدور المعيق لهذه القوى هو أحد أسباب التأخر في استكمال إنجاز التعديلات على التشريعات الضريبية التي مضى على الحديث عنها سنين طويلة، وكذلك في البدء بتنفيذ كل ما له علاقة بالاستحقاقات الضريبية واقتطاعاتها، وتحويل الجزء الخاص بخزينة الدولة منها، بما في ذلك الحديث حالياً عن آلية التحقق من إصدار الفواتير إلكترونياً!
أما الإعاقة الأخرى فقد تكون لها علاقة بالبنية التحتية الواجب توفرها كي تُستكمل عمليات الدفع الإلكتروني والفوترة بكافة القطاعات التجارية والخدمية، كبيرها وصغيرها على السواء، وهذه لا شك أن لها علاقة أيضاً بوزن ودور هؤلاء الحيتان من أصحاب الثروة والفاسدين على مستوى الإعاقة والمماطلة أيضاً.
ولعل المثال على ذلك أن المستهدف حالياً من قرار وزارة المالية هم صغار المكلفين وليس الكبار، مع العلم أن البنية التحتية أصبحت جاهزة ومستكملة للبدء بالعملية، بدليل صدور القرار أعلاه.
فلماذا إذاً لم يتم تعميمها على كافة المكلفين، وخاصة الكبار منهم، وعلى كافة القطاعات؟
صغار وكبار المكلّفين
إنّ بدء العمل بالآلية أعلاه، على مستوى منشآت الإطعام ومطاعم الوجبات السريعة حالياً، وبحال تم تنفيذها فعلاً، لن يطال كبار الحيتان من المكلفين، ولن تتحقق العدالة الضريبية من خلالها، وكذلك ربما لن يصل إلى خزينة الدولة إلا الجزء اليسير من اقتطاعاتها المسحوبة عملياً من جيوب المستهلكين، الذين أصبحوا بواجهة الحدث، مع تحميلهم جزءاً من المسؤولية في ذلك أيضاً، ومع ذلك فإنها خطوة أولى ضرورية، شريطة استكمالها بسرعة لتشمل كافة القطاعات وكبار المكلفين، مع أهمية سرعة إنجاز التعديلات على التشريعات الضريبية، بما يحقق العدالة المنشودة منها طبعاً.
بمعنى أكثر مباشرة فإن الآلية التنفيذية بموجب قرار وزارة المالية أعلاه يضع صغار المكلفين فقط تحت مجهر الرقابة الضريبية، مع أهمية ذلك طبعاً، بينما ما زال الكبار من هؤلاء المكلّفين بعيدين عن هذا المجهر، وبالتالي ما زالوا متحررين مما عليهم افتراضاً من اقتطاعات ضريبية لصالح الخزينة العامة.
فهل سيستمر هؤلاء الحيتان في تهرّبهم الضريبي، على حساب المواطنين، كما على حساب الخزينة العامة للدولة، والاقتصاد الوطني ككل؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1055