طلاسم الطاقة الكهربائية العصية عن الحل!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

طلاسم الطاقة الكهربائية العصية عن الحل!

وعود كثيرة يسمعها المواطن بين الحين والآخر حول التحسن بالتزود بالطاقة الكهربائية، لكن الواقع لا يثبت إلّا عكس هذه الوعود، فساعات التقنين في تزايد، والاضطرار للجوء إلى البدائل المتاحة والمكلفة يتسع أكثر.

بحسب سانا بتاريخ 20/1/2022، أوضح وزير الكهرباء أمام مجلس الشعب: «أن المنظومة الكهربائية في معظمها تحتاج إلى قطع التبديل للصيانة وإعادة تأهيل بمبالغ تزيد على 400 مليون دولار ويجري العمل على توفيرها، مؤكداً أنه لا توجد إطلاقاً أية دراسة لزيادة سعر الكهرباء المنزلية.. متوقعاً أن تزداد كميات الكهرباء المنتجة في النصف الأول من العام الجاري مع دخول مجموعتين بخاريتين في محطة توليد حلب للخدمة، باستطاعة إجمالية تصل إلى 400 ميغا واط ساعي، فيما يستكمل تنفيذ محطة التوليد الكهربائية في الرستين باللاذقية.. وبيّن الوزير، أن توليد كميات إضافية من الكهرباء من قبل محطات التوليد مرتبط بتوريد كميات جديدة من الغاز إليها».
فهل ستكون وعود هذا العام مختلفة عما سبقها؟!

بيانات رسمية

التقرير الإحصائي عن عام 2020، الصادر عن المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، يوضح: أن الاستطاعة الاسمية لمحطات التوليد تبلغ /8300/ ميغا واط، بينما بلغت الاستطاعة المتاحة /4382/ ميغا واط.
والجدول التكثيفي التالي يوضح واقع المحطات من خلال بيانات التقرير الإحصائي للمؤسسة عن عام 2020:

1054

الجدول أعلاه، يوضح بداية: أن محطات التوليد العاملة تعتبر قديمة ومستهلكة، فأحدث محطة وضعت بالخدمة في عام 2013، وهي توسع دير علي.
فجميع المحطات بحاجة دائمة لعمليات الصيانة الدورية والمكلفة، بالإضافة طبعاً إلى الصيانات اللازمة بسبب ما أصابها من اعتداءات مباشرة خلال سني الحرب، والصيانات اللازمة بسبب قدمها ومعدلات استهلاكها، وهي تكاليف باهظة تقدر بملايين الدولارات على كل محطة بين الحين والآخر، وهو ما أكده وزير الكهرباء بحسب حديثه أعلاه.

توضيحات إضافية

يوضح التقرير السنوي لعام 2020 أن مجموع الإنتاج الكلي للمؤسسة خلال عام 2020 بلغ /24959,69/ مليون كيلو واط ساعي، وبعد احتساب الاستهلاك الذاتي للمحطات البالغ /1057,85/ مليون كيلو واط ساعي، فقد بلغ الإنتاج الصافي /23648,04/ مليون كيلو واط ساعي، بنسبة 69% منه على الغاز، وبنسبة 31% منه على الفيول أو المازوت.
وكذلك يتبين من التقرير: أن هناك تراجعاً في الإنتاج الإجمالي عن عام 2019، حيث كان /26001,5/ مليون كيلو واط ساعي، أي بتراجع وقدره /10,419/ مليون كيلو واط ساعي في عام 2020.
وهذا الفارق بين الاستطاعة الاسمية والفعلية وإجمالي كمية التوليد، وحتى الفارق بين عامي 2019 و2020، يبدو أن سببه استمرار تردي الحالة الفنية للمحطات، ونقص الوقود التشغيلي لها، وخاصة الغاز.
وقد سبق أن بيّن مدير عام محطات التوليد بوزارة الكهرباء، عبر سانا بتاريخ 27/6/2021، أن «كميات الغاز المتاحة يومياً تبلغ نحو /8,4/ ملايين متر مكعب وهي كافية لتوليد /1400/ ميغاواط، واستطاعة مجموعات التوليد الجاهزة للعمل على الغاز /3800/ ميغا واط، وهي بحاجة إلى نحو /19/ مليون متر مكعب يومياً».. وإن: «كمية التوليد من مجموعات التوليد العاملة على الفيول حالياً تصل إلى نحو /800/ ميغاواط، وأيّ تحسن للواقع الكهربائي من خلال مجموعات التوليد العاملة على الفيول بطيء ويحتاج إلى موارد مالية كبيرة».
أي، إن طاقة التوليد الإجمالية بتاريخ التصريح، منتصف العام الماضي، بلغت /2400/ ميغا واط، في تراجع عمّا كانت عليه بحسب التقرير عن عام 2020 بكمية /1982/ ميغا واط بحسب الاستطاعة الفعلية، و/95/ ميغا واط عن الكمية المنتجة في عام 2020، برغم كل الوعود عن تحسن التزود بالطاقة الكهربائية، وبرغم كل الحديث عن الصيانات الجارية على المحطات وتكاليفها.
وكذلك يوضح التقرير عموماً: أن عدم توفر الوقود التشغيلي (غاز- فيول) ساهم بشكل كبير في نقص التوليد، وهو ما أكده كلام الوزير أعلاه.
فجزء أساسي من مشكلة التوليد مرتبط بتوريد كميات كافية من الغاز التشغيلي للمحطات، وهي مشكلة مزمنة ومستمرة ومُجيّرة على وزارة النفط عملياً!

زراعة الوهم وحصاد السراب

إذا كانت حاجات الاستهلاك الفعلية حالياً تقدر بـ 7000 ميغا واط بالحد الأدنى (منزلي وصناعي ولمختلف الفعاليات الأخرى) بحسب بعض الفنيين، فإن الفارق مع إمكانات التوليد الفعلية الحالية، والبالغة بحدود /2400/ ميغا واط بحسب البيانات والتصريحات، يبلغ بحدود /4600/ ميغا واط.
وهذه الكمية الكبيرة من فارق الاحتياج الحالي لا تغطيها عمليات الصيانة الجارية والمشاريع المزمعة التي يجري الحديث عنها رسمياً، والتي تصل بذروتها مجتمعة إلى إنتاج/1000/ ميغا واط في أحسن الأحوال، بعد إضافة كل مشاريع الطاقة المتجددة المعلن عنها بمختلف المناطق، ومن مختلف القطاعات (عام- خاص)، ليبقى نقص الحاجات مستمراً بما لا يقل عن/3600/ ميغا واط، وليستمر تجيير جزء من المشكلة على وزارة النفط طبعاً.
فالواقع الكهربائي، الذي تثبته البيانات الرسمية، يبين أن كل ما يصدر من وعود عن تحسن بواقع التزود بالطاقة الكهربائية ما هي إلا أوهام مكررة ومعادة يتم تصديرها للمواطنين، ليحصد هؤلاء سرابها بالنتيجة، مضطرين للخضوع إلى نظام التقنين الجائر، وإلى اللجوء إلى البدائل المتاحة، والتي أصبح بعضها مفروضاً عليهم خارج القوننة، مثل: الأمبيرات في بعض المدن والمناطق، التي انتزعت شرعيتها بحكم الأمر الواقع، وفرضت شروطها الاستغلالية على المواطنين، أو عبر البدائل الكهربائية المكلفة الأخرى، وكذلك يتم استثمار هذا الواقع المزري للترويج والتسويق لخصخصة قطاع الطاقة الكهربائية، والذي بدأت مسيرة قوننته عملياً تحت عنوان تشجيع الاستثمار في الطاقات المتجددة.
أما الطامة الكبرى، فهي من خلال ما يجري على مستوى تخفيض الدعم تباعاً على أسعار حوامل الطاقة عموماً، بما في ذلك الطاقة الكهربائية، مع الخشية المشروعة أن نكون أمام الجديد منها خلال الفترة القريبة القادمة.
فعلى الرغم من تأكيد الوزير بعدم وجود أية دراسة لزيادة سعر الكهرباء المنزلية كما ورد أعلاه، إلا أن ذلك لا ينفي الاستراتيجية المعمول بها رسمياً على مستوى الاستمرار في تخفيض الدعم وصولاً لإنهائه عبر استبداله بالدعم النقدي، والتي أكدها رئيس الحكومة أمام مجلس الشعب خلال الأسبوع الماضي أيضاً، والتي يدفع ضريبتها المواطنون بالنتيجة على حساب معيشتهم وخدماتهم.
تزايد الطلب

على الطاقة لا يحله الترقيع!

من المفروغ منه، أن الطلب على الطاقة الكهربائية في تزايد دائم ومستمر، سواء على مستوى الاستهلاك الفردي المنزلي، أو على مستوى الاحتياجات اللازمة للإنتاج والخدمات.
وفي ظل استمرار العجز في التوليد، سواء بسبب نقص الوقود التشغيلي، أو بسبب الحالة الفنية لمحطات التوليد، بالإضافة للشبكة عموماً، فإن هذا التزايد في الطلب على الطاقة الكهربائية لن تحله عمليات الصيانة للمحطات العاملة بواقعها الفني الراهن وبسبب عمرها الطويل، ولا من خلال المحطات الصغيرة المتنقلة التي يجري الحديث عنها، ولا من خلال مشاريع الطاقات المتجددة، المحدودة والصغيرة، من قبل القطاع الخاص!
فكل الإجراءات السابقة تعتبر جزئية ومحدودة وترقيعية، ولا تحل المشكلة من الناحية العملية وبشكل نهائي، ناهيك عن عوامل الفساد التي ترفع الكلفة الإجمالية للإنفاق على قطاع الطاقة بواقعه المتردي الراهن، وعوامل الاستغلال التي يرضخ لها المواطن لتلبية جزء من احتياجه من الطاقة عملياً.

الحاجات المتنامية وضرورات الحل

الحاجة تفرض أن تكون هناك استثمارات جدية وكبيرة في قطاع الطاقة لتسد نقص الحاجة الحالي، والطلب المتزايد عليها مستقبلاً.
أي: إن الضرورة تفرض إنشاء محطات توليد كبيرة جديدة لتفي بهذه الحاجات المتزايدة، مع ضمان ديمومة تزودها بالوقود التشغيلي لها طبعاً، بغض النظر عن نوعية الوقود المرتبطة بطبيعة عمل المحطات فنياً، بما في ذلك محطات الطاقة النووية، ولعله الخيار الأفضل والأجدى اقتصادياً، رغم تكاليفه التأسيسية المرتفعة.
وكل الحديث عن إمكانية زج القطاع الخاص في مثل هذه الاستثمارات الكبيرة في قطاع الطاقة، بما يكفي لسد الحاجة المتنامية منها، هو شكل إضافي من الأوهام ليس إلّا!
فالاستثمار الخاص في مشاريع إنتاج الطاقة، كما غيره من الاستثمارات في بقية القطاعات، وخاصة الإنتاجية منها، يحتاج إلى جملة من الظروف غير المتوفرة من الناحية العملية في ظروفنا الراهنة، وخاصة بسبب عدم الاستقرار السياسي الاقتصادي، وبسبب تغوّل وتفشي الفساد، والحديث هنا عن الفساد الكبير طبعاً، بالإضافة إلى جملة السياسات المعمول بها.
فمثل هذه الاستثمارات الكبيرة لا يمكن أن تتم إلّا من خلال الدولة نفسها، وعبر جهاز دولة متمكن وقوي، ووفقاً لسياسات استراتيجية مختلفة عن طبيعة السياسات الليبرالية المعمول بها، فطبيعة استثمارات المستفيدين من هذه السياسات الليبرالية، بحسب التاريخ الحافل لهذه الاستثمارات على أرض الواقع خلال العقود الماضية وحتى الآن، ذات طبيعة ربحية نهبوية سريعة وغير منتجة، وليست استراتيجية، بل وبعيدة عن المصلحة الوطنية في كثير من الأحيان.
وكذلك فإن ضمان ديمومة التزود بالوقود التشغيلي للمحطات، الموجودة أو التي قد تُحدث مستقبلاً، يعني أن تستعيد الدولة سيادتها على كامل حقول النفط والغاز الخارجة عن سيطرتها حالياً، لإعادة استثمارها وطنياً، ولتحويل جزء من إنتاجها لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.
أما الحديث عن محطات التوليد بالطاقة النووية، وربما يكون الاستثمار الأمثل والأهم لحل مشكلة الطاقة الكهربائية بشكل نهائي، فهو ذو بعد دولي في أحد جوانبه، يفرض بدوره حال من الاستقرار السياسي المطلوب، غير متوفر حالياً كما أسلفنا.
وهذه وتلك من الخيارات والاحتمالات، وبكل تكثيف واختصار، لا يمكن لها أن تتم بمعزل عن الوصول للحل السياسي المنشود، الذي سيكون بوابة استعادة الدولة لسيادتها على كامل أرضها ومقدراتها وثرواتها، ومقدمة للتغير الجذري والشامل المطلوب.
وكل ما عدا ذلك هو ضرب من الوهم، ولعب نهبوي فاسد في الوقت الضائع على حساب المواطنين والوطن، وتأجيل للاستحقاقات ليس إلّا!

 

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1054
آخر تعديل على الجمعة, 04 شباط/فبراير 2022 17:00