الخبز.. سياسات تعجيزية وسوق سوداء
نادين عيد نادين عيد

الخبز.. سياسات تعجيزية وسوق سوداء

تستمر المنغصات الحكومية التطفيشية بجزئها الجديد مع بداية العام الحالي، مكملة سلسلة إنجازاتها التي طالت احتياجات المواطن وقوت يومه المبدد رغماً عنه خلال العام الفائت.

فلا تزال التجارب الحكومية مسلطة على رغيف الخبز، خط الدفاع الأول للمواطنين المفقرين على مستوى أمنهم الغذائي المنعدم، بعدما أطلقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سلسلة تعليمات وشروط لاعتماد نظام جديد لآلية توزيع الخبز في دمشق وريفها، حيث سيدخل حيز التنفيذ مع بداية شهر شباط المقبل، ثم لتعمم التجربة على رغيف الخبز في باقي المحافظات مع بداية نيسان المقبل!

آلية التوزيع الجديدة!

وفقاً للقرار الصادر «سيتم اختيار المعتمدين شريطة أن يكونوا بقاليات ومحلات بيع للمواد الغذائية يحسب عددها على أساس تقسيم عدد البطاقات التي تنتجها الأفران في كل من المحافظتين على عدد بطاقات كل محافظة وألّا تكون مخصصات أي معتمد أكثر من 250 ربطة تحت أي ظرف، أما ألية توزيع المعتمدين ستكون بناءً على الخرائط وعدد السكان في كل حي من الأحياء وتربط كل مجموعة منهم بفرن حسب طاقته الإنتاجية».
بعبارة أخرى سيتم توزيع الكمية المباعة عبر الأفران على المعتمدين، بحيث لا تتعدى الكمية الموزعة من كل معتمد 250 ربطة، مع استمرار البيع عبر المخابز بحصة لا تتجاوز 500 ربطة يومياً.

تعجيز!

لا تقف الشروط عند هذا الحد بل تتعدى ذلك، لتضع المواطن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التواجد ضمن الوقت المحدد، من الثامنة صباحاً وحتى الساعة 12 ظهراً لاستلام مخصصاته، وإلا فلن يأكل المواطن خبز يومه!
لا شك أن الحكومة تعمل فعلاً، وأنها تصدر القرارات وتعيد صياغتها مراراً وتكراراً، لتبدو تلك الخطوات كمحاولة جدية منها لإيجاد حلول تنتشل المواطن من مأزقه الذي وضعته به سابقاً، وليتبين أنها قد انتشلت المواطن نحو مأزق آخر، وعمقت مأساته بشكل أكبر!
فغالبية المواطنين يعملون ضمن الأوقات الصباحية، ما يعني أن شريحة كبرى لن تقدر على استلام مخصصاتها ضمن التوقيت الذي حددته وزارة التجارة وحماية المستهلك!
فما الجدوى من تلك الخطوة الحكومية إن كان الهدف الأساسي من طرحها هو زيادة عدد منافذ البيع، وتخفيف الازدحام على الأفران، إن كانت لن تقدم حلولاً جذرية لمشكلة كثرت الإبداعات الخلبية بها، باسم حلها؟

شروط قديمة مستحدثة...
وهل من رقيب!

ولضمان جودة الخبز الموزع عبر المعتمدين الجدد «البقاليات»، تم التنويه من قبل الوزارة أنه سيتم تبريد الخبز ضمن الفرن من قبل موظفين مخصصين لتلك العملية، إضافة إلى إلزام المعتمدين بوضع الخبز في صناديق مناسبة يتسع كل منها لست ربطات فقط!
إن آلية التبريد المذكورة أعلاه، مع ما تحمله من شروط، بما في ذلك ما تتطلبه من زيادة العاملين في كل مخبز، ليست بجديدة، فقد تم طرحها سابقاً كشرط لإيصال الخبز طازجاً إلى مستحقيه، ولكنه بقي شرطاً مع وقف التنفيذ، وهذا ما شهده كافة المواطنين ممن يستلمون الخبز عبر المعتمدين الموزعين ضمن الأحياء، إضافة إلى ذلك فإن الأفران التي تقدم الخبز بجودة مقبولة تُعدّ على الأصابع ضمن محافظة دمشق وريفها، وما ذكر أعلاه من شروط لا يمكن أن يطبق على أرض الواقع بلا رقابة حقيقية تشرف على كامل عمليات التبريد والتعبئة والتوزيع والبيع، من بدايتها وحتى نهايتها، وبشكل يومي ودائم.

الخبز بملعب السوق السوداء!

حسب التصريحات فإن سعر ربطة الخبز المدعوم سيتراوح بين 225 و250 ل.س وذلك وفقاً لاختلاف أجور النقل بين منطقة وأخرى، والعازبين يحق لهم الحصول على ربطة الخبز من دون بطاقة الذكية، وذلك من خلال الحصول على ورقة من مختار الحي ترسل للبلدية ومن ثم لمديرية التموين، ما يمكنهم من الحصول على ربطة الخبز بالسعر المدعوم، وبأي وقت.. وأي متاهة وروتين طويل!
أما الشق الأخر من القرار فقد نوّه أن الخبز المباع سيكون «بسعر التكلفة» لمن يريد، أو من يستبعد من الدعم، عبر البقاليّات، وبدون تحديد سقف للكمية التي يريد الحصول عليها، مع التنويه أن سعر الربطة الحر سيحدد خلال وقت لاحق، بالإضافة إلى أن الحصة الموزعة لن تتجاوز الـ20 ربطة لكل بقالية!
إن ما يجب التنويه إليه فعلاً، إمكانية التلاعب بالمخصصات التي ستباع بسعر التكلفة «الحر» لمن يريد، أو ممن سيسحب عنهم غطاء الدعم الحكومي، أو حتى مخصصات الأشخاص العازبين، مما سيفتح باباً متسعاً وجديداً أمام السوق السوداء للتلاعب والإتجار بتلك المخصصات على حساب حاجات الناس، وستكون الكرة، كما جرت العادة، بملعب القائمين على عمليات التوزيع والبيع، فلا رقابة واضحة على تلك المخصصات، وسيجري التلاعب بها كما جرى التلاعب بمخصصات المسافرين من مادة البنزين... والكرة بالنتيجة دائماً بملعب شبكات السوق السوداء، ولمصلحتها!

اعتراض رسمي على الآلية الوزارية

تجدر الإشارة إلى أن محافظة دمشق سجلت اعتراضها على الآلية المزمع تنفيذها من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بما يخص الخبز التمويني المدعوم.
فقد أكد أحد أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة «سمير جزائرلي»، خلال جلسة مجلس المحافظة الأسبوع الماضي، على أنه «لا يمكن أن تنفذ خطة توزيع الخبز المزمعة في بداية الشهر في دمشق لوجود خصوصية لدمشق، وهناك تداخل بينها وبين الريف، لذلك نؤكد على التوطين ضمن المحافظة، وهذا ما أكده محافظ ريف دمشق الذي طالب بالتوطين، والسؤال لماذا الإصرار على هذه الخطة ونحن نعرف أن المعتمدين غير قادرين على تحقيق الشروط التي حددتها الوزارة؟».
في نهاية المطاف نجد أن أزمة تأمين مادة الخبز ستبقى قائمة طالما أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تطل علينا بين الحين والآخر بتغذية راجعة لآلية التوزيع مع ما حملته من أخطاء، لتضيف إليها المزيد من التضيق والتأزيم بدلاً من إيجاد حل لمأساة المواطن، الذي أنهكه الانقضاض الحكومي المستمر على حقوقه، نحو المزيد من تخفيض الدعم وتطفيش العباد عن استهلاك حاجاتهم، المدعومة بالاسم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1053
آخر تعديل على الخميس, 20 كانون2/يناير 2022 18:38