قروض ذوي الدخل المحدود.. مخارج وحلول على حسابهم
الآليات والتعليمات الخاصة بمنح القروض لذوي الدخل المحدود من المصارف الحكومية تواجهها الكثير من الصعوبات والمعيقات، اعتباراً من قيمة مبلغ القرض، وليس انتهاءً بالكفالات المطلوبة لتغطيته، والسبب الرئيسي في ذلك هو تدني الأجر الشهري لهؤلاء.
فعلى الرغم من فتح مبلغ القرض المخصص لذوي الدخل المحدود في كل من مصرف التسليف الشعبي ومصرف التوفير، وبما لا يتجاوز 5 مليون ليرة، ولمدة 5 سنوات، إلا أن ذلك لم يساهم في زيادة استقطاب هذه الشريحة للحصول على القروض، طبعاً ليس بسبب اكتفاء هذه الشريحة، ولا بسبب عدم الرغبة في الاقتراض من قبلها، ولكن بسبب تدني قيمة القرض الممنوح بالتوازي مع الأجر الشهري الهزيل لذوي الدخل المحدود، بحيث يصبح دون جدوى حقيقية لهم، وبسبب شروط الكفالات المعتمدة.
القرض لا يغطي المصروف الشهري
بحسب سانا بتاريخ 15/1/2022 «حقق مصرف التسليف الشعبي نمواً كبيراً في قيمة القروض الممنوحة لذوي الدخل المحدود في العام الماضي، والتي قدرت بشكل إجمالي بنحو 60 مليار ليرة سورية مقارنة بالعام الذي سبقه وبنسبة تجاوزت الـ 130%. ووفقاً لمؤشرات عمل المصرف، فإن عدد المتعاملين المقترضين ازداد بشكل ملحوظ مقارنة بالعام 2020 ليزيد على 46 ألف مقترض ولاسيما بعدما اتخذ مجلس إدارة المصرف قراراً يتضمن فتح سقف قروض ذوي الدخل المحدود من العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين شريطة ألا يتجاوز القرض الـ 5 ملايين ليرة».
التفنيد الرقمي للمعطيات أعلاه، تبيّن أن وسطي مبلغ القرض الممنوح لكل طالب قرض من ذوي الدخل المحدود خلال العام الماضي يقدر بحدود 1,300,000 ليرة فقط، طبعاً تضاف إلى هذا المبلغ عند التسديد نسبة العمولة المصرفية عليه، وهذا يؤكد على أن الأجور الشهرية لذوي الدخل المحدود متدنية جداً، بحيث أنها عاجزة عن إمكانية الحصول على قرض بمبلغ مليوني ليرة، ولمدة 5 سنوات، فكيف بالوصول إلى سقف القرض، مع العلم أن مبلغ هذا القرض بالكاد يغطي المصروف الشهري لأسرة مكونة من 5 أفراد بالحدود الدنيا، ما يفقد القرض غايته وجدواه.
فالقرض عادة يتم التقدم للحصول عليه من قبل ذوي الدخل المحدود من أجل تأمين حاجة ما، مثل: السلع المعمرة، كهربائيات وتجهيزات منزلية، أو لتغطية حاجة اضطرارية كعمل جراحي لا بد منه مثلاً، وفي بعض الحالات من أجل تسديد دَينٍ مستحق، أما أن يكون الحصول على القرض بالكاد لتغطية النفقات الشهرية فهذا غير مشجع بالنسبة للغالبية، مع بعض الاستثناءات طبعاً.
بالمقابل، نشهد بوضوح مساعٍ جدية من قبل المصارف، العامة والخاصة، لزيادة آليات ومبالغ الإقراض، لذوي الدخل المحدود وسواهم من الشرائح الاجتماعية الأخرى، وذلك بسبب زيادة أرقام الودائع المصرفية بمختلف مسمياتها وأنواعها، وزيادة فائض السيولة الجاهزة للإقراض، لدى كل منها.
إبداع على حساب صاحب الدخل المحدود
بالعودة لمعيقات قروض ذوي الدخل المحدود، وخاصة ناحية التعليمات الخاصة بالكفلاء، فقد تم إبداع طريقة جديدة لتسهيل منحها، عبر غض النظر عن شرط الكفلاء، من خلال استبداله بشرط آخر يتمثل بالتأمين على الحياة لدى المؤسسة العامة السورية للتأمين، كبديل عن الكفالة الشخصية.
فقد تم الإعلان بتاريخ 13/1/2022 عن توقيع اتفاق بين مصرف التسليف الشعبي والمؤسسة العامة السورية للتأمين، «يسمح من خلاله لذوي الدخل المحدود من العاملين في الدولة بالحصول على قروضهم من المصرف بكفالة بوليصة تأمين تصدرها المؤسسة متضمنة التأمين على الحياة بدلاً من الكفالات الشخصية المطلوبة للحصول على القروض من المصرف»، وهذا الاتفاق هو الثاني من نوعه، فقد كان الأول مع مصرف التوفير بتاريخ 4/1/2022، وبنفس المضمون.
وبحسب مدير السورية للتأمين، نقلاً عن سانا بتاريخ 13/1/2022، فإن: «الاتفاق مع المصرف يسهم في توسيع تقديم الخدمات التأمينية ويحقق مصلحة كل الأطراف ويخفف الأعباء عن كاهل المقترضين عبر إعفائهم من تأمين كفلاء شخصيين، وتحقيق السرعة في إنجاز معاملات قروضهم وتسهيل حصولهم على التمويل».
لا شك أن موضوع الكفلاء يعتبر أحد الأسباب المعيقة للحصول على القرض من قبل ذوي الدخل المحدود، ولا شك أن الاتفاق أعلاه يحقق مصالح كل من السورية للتأمين ومصرفي التسليف الشعبي والتوفير، لكن ما هي مصلحة ذوي الدخل المحدود في تكبيدهم رسوم إضافية سنوية تتمثل بالتأمين على الحياة، لقاء تسهيل حصولهم على قرض، لن تتجاوز قيمته 2 مليون ليرة، لا يغني ولا يسمن من جوع؟!
فالحل المبتدع لمشكلة الكفلاء قد يستقطب المزيد من طالبي القروض المضطرين، لكنه لم يحل مشكلة القرض الأساسية المرتبطة بالأجر الشهري الهزيل الذي يتم على أساسه حساب مبلغ القرض بالنتيجة، بل وزادها مشكلة أخرى تتعلق بقيمة بوليصة التأمين على الحياة، التي ستصبح عبئاً مالياً إضافياً على المضطرين للحصول على القروض.
مع الأسف، هذا نمط من أنماط إبداع الحلول، الجزئية والمؤقتة، التي يتم اعتمادها رسمياً، ودائماً يكون في واجهتها المفقرون وباسمهم، لكن بالنتيجة على حسابهم دوماً وأبداً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1053