الحمضيات.. زوبعة في فنجان النهب والفساد
سمير علي سمير علي

الحمضيات.. زوبعة في فنجان النهب والفساد

كثر الحديث مؤخراً عن الاستفاقة المتأخرة للحكومة على مشكلة الحمضيات المزمنة والمدورة من عام إلى آخر، والتي دفع ويدفع ضريبتها المزارعون على شكل خسائر سنوية، أدت ببعضهم إلى قطع أشجارهم واستبدالها بزراعات أخرى، أو إلى هجرة الأرض والزراعة بشكل نهائي من قبل البعض الآخر، فقد تدنّى الإنتاج في هذا الموسم إلى حدود 770 ألف طن، بحسب بعض التصريحات الرسمية، بعد أن تجاوز مليون طن في بعض المواسم.

ذرائع كثيرة جرى تقديمها خلال السنوات السابقة لتبرير التقصير الحكومي تجاه موسم الحمضيات والمزارعين المتضررين سنوياً، اعتباراً من التسويف بموضوع إحداث معمل للعصائر لاستجرار فائض الإنتاج السنوي من الحمضيات، وصولاً إلى ذرائع معيقات التسويق الداخلي والتصدير، والتي سقطت جزءاً أو كلاً على ضوء الاستفاقة الخجولة مؤخراً.

حملة إعلامية.. ولكن!

المتتبع للاستفاقة الحكومية يلحظ حجم التغطية الإعلامية المكثفة المرافقة لها، والحديث عن الإجراءات والتسهيلات التي تم اتخاذها لتخفيف الضرر والخسائر على المزارعين، من خلال حملات التسويق الجارية على قدم وساق لما تبقّى من المحصول لهذا العام.
فهل ستستمر الاستفاقة الحكومية، وتتسع لتشمل جميع المواسم والمحاصيل السنوية، ومستلزمات الإنتاج والتسويق والتصنيع لها، بما يضمن حقوق المزارعين ومصالحهم، ولتشمل بدورها كل مستلزمات الإنتاج الصناعي، مع تذليل العقبات أمامه، بما يؤمن مصالح المنتجين الحقيقيين، والمصلحة الوطنية عموماً؟
أم أن هذه الاستفاقة الخجولة ما هي إلا زوبعة مؤقتة في فنجان ما تلبث أن تخبو لتُعلي مصالح كبار الحيتان والفاسدين مجدداً؟

الصعوبات والمعيقات بعهدة الحكومة فقط

القضية اللافتة التي لم يتم التوقف عندها بشكل كافٍ كانت بما يتعلق بالتصدير وصعوباته، والتسويق الداخلي ومعيقاته.
فقد جرى الحديث أن موضوع التصدير مرتبط بالعقوبات والحصار، والتي حالت دون إمكانية تصدير كميات من المحصول لهذا الموسم، كحال المواسم السابقة، وعن التسويق الداخلي كان يجري الحديث عن حجم الاستهلاك المحدود فيه فقط، مقابل كم الإنتاج السنوي الكبير.
بالمقابل، وعلى إثر موجة الاستفاقة الحكومية الأخيرة، توسعت عمليات التسويق الداخلي، مع قرار بتسويق كامل المحصول أيضاً، وتم الإعلان عن توقيع عقود لتصدير الحمضيات إلى دول الجوار، وبأن الشحنات التصديرية ستبدأ اعتباراً من الأسبوع الحالي باتجاه العراق.
فقد ورد عبر سانا بتاريخ 13/1/2022 عن لسان رئيس اتحاد غرف الزراعة: «أن عدة عقود وقّعت أمس لتصدير الحمضيات إلى دول الجوار، وأن الإجراءات الحكومية الأخيرة أسهمت في تذليل معظم العقبات التي كانت تعترض انسياب الحمضيات من الساحل باتجاه المحافظات الأخرى، وكذلك في تنشيط التصدير باتجاه دول الجوار، مطالباً باستمرار هذه الإجراءات بالمواسم القادمة».
فحديث رئيس اتحاد غرف الزراعة يوضح بما لا لبس فيه أن جزءاً هاماً من موضوع تصدير الحمضيات مرتبط بالحكومة وإجراءاتها، وليس محصوراً بقضية العقوبات والحصار فقط كما تم التركيز عليه مع بداية الموسم، وحتى ما قبل قرار التسويق الكلي للمحصول، وكذلك الجزء المتعلق بانسياب الحمضيات من الساحل إلى المحافظات الأخرى، والدور الحكومي الذي ساهم في تذليل العقبات أمامها، وهو ما طالب به رئيس اتحاد الغرف ليستمر بالمواسم القادمة!
على جانب آخر فإن الاستفاقة الحكومية، والحديث عن معامل العصائر والمركزات الطبيعية، فتحت قريحة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على مصانع العصائر في سورية.
فقد كتب وزير التجارة الداخلية على صفحته بتاريخ 14/1/2022 ما يلي: «بما أن استيراد مركزات ومنكهات عصائر الفواكه ممنوع، فإنّ أي مصنع عصائر في سورية لا يستخدم الحمضيات بشكل كامل يعتبر مخالفاً وفق المرسوم التشريعي رقم ٨ لعام ٢٠٢١.. وفي المقابل، فإنّ السوريّة للتجارة على استعداد لتأمين أية كمية من الحمضيات إلى تلك المصانع دون عمولات التجّار.. وستؤمن للإخوة أصحاب مصانع العصائر كافة مستلزمات الإنتاج دون استثناء».
فحديث الوزير يوضح أيضاً أن هناك إمكانات حكومية كانت مغيبة على مستوى فرض تسويق جزء من موسم الحمضيات إلى معامل العصائر الموجودة، لكن البدائل المستوردة كانت لها الأولوية على ما يبدو، بالتوازي مع غض الطرف عنها طيلة السنوات الماضية!
على جانب آخر فقد تبين أن لدى السورية للتجارة الإمكانية، ليس لتسويق جزء من المحصول من المزارعين مباشرة وإلى مختلف المحافظات، بل ولتفعيل مراكز الفرز والتوضيب للحمضيات أيضاً، ناهيك عن إمكاناتها على مستوى استثمار منشآت التبريد والحفظ.

معمل العصائر والمتضررون

لا شك أن مساعي تسويق إنتاج موسم الحمضيات الجارية مؤخراً تعتبر أمراً إيجابياً بالنسبة للمزارعين المتضررين من فائض الإنتاج السنوي من هذا المحصول، والذي يتم التحكم به عادة من قبل بعض الحيتان ولمصلحتهم.
لكن ما يلفت النظر هو إعادة الاعتبار لموضوع إحداث معمل العصائر، حيث جرى التأكيد على ضرورته وأهميته رسمياً مجدداً، بعد كل المماطلة والتسويف به خلال السنوات الماضية، بل والمساعي الجدية لوأد هذا المشروع سابقاً، وبشكل رسمي أيضاً!
ولا ندري إن كان كلام الليل سيمحوه النهار بهذا الصدد مجدداً، بعد انتهاء الموسم الحالي، والزخم الرسمي المرافق له!
فمن غير المستبعد أن المتضررين من إحداث مثل هذا المعمل، أو المستفيدين من فائض الإنتاج غير المسوق، سيسعون جاهدين إلى إجهاض المشروع مجدداً!

الإمكانية والإرادة والسياسات

برغم كل ما يمكن أن يساق من ملاحظات على عمليات التسويق الجارية لموسم الحمضيات الحالي، فقد ظهر جلياً أن إمكانات الدولة، حكومة ومؤسسات، متوفرة عندما تتوفر الإرادة والقرار لاستثمارها بشكل إيجابي، وبما يؤمّن بعض مصالح الشرائح المفقرة والمظلومة اقتصادياً واجتماعياً، وكذلك ظهرت إمكانية الدولة حيال كبح بعض مصالح قوى الاستغلال والنهب والفساد، المستفيدة من كل الكوارث التي يعيشها المواطنون، وعلى كل المستويات، ولو بشكل جزئي ومحدود ومؤقت، وهنا الحديث عن المزارعين المتضررين من تراكم الخسارات بموسم الحمضيات كل عام، حيث تم التخفيف نوعاً ما من خسارتهم لهذا الموسم عبر زيادة تسويق محصولهم، وبسعر مقبول، عبر المؤسسات الحكومية وبإمكاناتها، مع الحد من دور التجار والمستغلين ولو بشكل محدود ومؤقت.
فمن المعلوم أن كل إمكانات الدولة مُسخرة ومُجيرة لمصلحة أصحاب الثروة (كبار حيتان الاستيراد والتصدير والتهريب والنهب والفساد والاستغلال وتجار الحرب والأزمة وأمرائها) والذين يستقوون عملياً بمجمل السياسات الطبقية والتمييزية، المعتمدة والمطبقة حكومياً لمصلحتهم، على حساب الغالبية المفقرة، كما على حساب المصلحة الوطنية.
وبالتالي، وبعيداً عن الحملات الإعلامية والدعائية، والبهرجة والمزاودة على المفقرين، ولكي يتم استثمار وتسخير إمكانات الدولة فعلاً بما يحقق مصالح الغالبية المفقرة، بشكل دائم ومستمر وليس بشكل عابر ومؤقت وخجول، لا بد بداية من تغيير جملة السياسات التمييزية والطبقية المعمول بها.
فمن دون ذلك فإن الوضع سيستمر على ما هو عليه من إجحاف وتمييز بحق الغالبية المفقرة والمهمشة، وعلى حساب مصالحها، كما على حساب الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1053
آخر تعديل على الجمعة, 21 كانون2/يناير 2022 21:22