قطاع الدواجن... مزيد من الخسارات وارتفاع الأسعار
ما زال قطاع الدواجن يشهد مزيداً من التراجع الحاد على المستويين الاستهلاكي المحلي، والإنتاجي، وإذا بحثنا عن المسببات الرئيسية للتراجع، نجد أن جميعها تنبع من مسبب واحد، قد ضرب بعرض الحائط كلاً من مستوى المعيشة ومستوى الإنتاج، ليس فقط لقطاع الدواجن إنما لكافة القطاعات الإنتاجية، بتنوعها واختلافها، والتي كان بعضها فيما سبق يتصدر أرقاماً وترتيباً عالمياً.
باتت الخسارة التي يتكبدها قطاع الدواجن تتالى شهراً وراء الآخر، وبتسارع مستمر، فحجم الخسارة التي تصيب المربين أدت إلى عزوف عدد كبير منهم عن العمل، وخاصة للمنشآت الصغيرة، مما أدى إلى تراجع إنتاج الفروج في الوقت الحالي لما دون الـ 30% من إجمالي العدد الممكن تربيته، وكذلك تراجع إنتاج بيض المائدة، كما يعد انخفاض الاستهلاك المحلي، المرهون بتدني القدرة الشرائية للمواطن، أحد الأسباب الثانوية التي أدت إلى تراجع الإنتاج نتيجة لانخفاض الطلب على الفروج والبيض.
معاناة مربي الدواجن... مَن وراءها؟
عوائق عدة تزيد من معاناة مربو الدواجن، فقدرتهم على تحمل أعباء تكاليف الإنتاج والتربية تتجه نحو المزيد من الانحدار، بالمقابل نجد أن الشيء الوحيد الثابت أمام تلك الكارثة هو الارتفاع المستمر لأسعار مستلزمات الإنتاج، من أدوية بيطرية إلى الأعلاف وأجور النقل، وحتى أطباق الكرتون، ولا دعمَ جدياً من قبل الجهات المعنية.
وعلى رغم من هذه العوائق الأساسية يتساءل مدير مؤسسة الأعلاف عن سبب ارتفاع أسعار الفروج، طالما أن سعر الأعلاف ثابت من أربعة أشهر!؟
لا شك أن الكلفة الأكبر لتربية الفروج مرتبطة بالأعلاف وأسعارها ومدى توفرها، وبنوعيتها أيضاً، لكن هل أسعار الأعلاف فعلاً كانت ثابتة خلال الفترة الماضية؟ اللهم إلا إن كان حديث مدير المؤسسة يتحدث عن السعر الرسمي لها فقط، وكأنه يمهد لرفع سعريّ قادم!
فأسعار الأعلاف في السوق موضوع آخر، وما تؤمنه المؤسسة من كميات للمربين لا تغطي إلا جزءاً يسيراً من الحاجة الفعلية منها، وهنا يقع المربي تحت رحمة التجار المتحكمين بالسعر والمواصفة.
كما أن معيقات الإنتاج سابقة الذكر لا تقف عند هذا الحد أيضاً، فارتفاع التكاليف السابقة بكفة، وتكاليف تدفئة المداجن أصبحت بكفة أخرى!
فسعر ليتر المازوت المدعوم ارتفع بفضل القرارات المهلكة للمواطن والإنتاج من 180 إلى 500 ليرة سورية، وعدم استجابة الجهات المعنية لمطالب مربي الدواجن بتوفير مواد التدفئة من «فحم حجري- مازوت»، تجعل المربي أمام خيار اللجوء لشراء مواد التدفئة بسعرها الحرّ، حيث وصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء لحدود 3 آلاف وما فوق، ومن البدهي أن تكاليف التدفئة هذه خارج إمكانات المربين على تأمينها، ولا ننسى دور حلقات الاستغلال الوسيطة بين مربي الدواجن والسوق الاستهلاكية، المقصود «تجار الأسواق» الذين يلعبون على وتر التسعير كما يحلو لهم في ظل غياب الرقابة.
الأعلاف قضية هامة
قضية ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة مشكلة قديمة، وما زالت مستمرة، طالما أن القائمين على عمليات الاستيراد متحكمون بتسعيرته بجملة من المبررات تجعل من فاتورة الاستيراد تحتوي تكاليف إضافية ترضي حجم النهم للمزيد من الأرباح.
وفي هذا السياق يرى عضو لجنة مربي الدواجن أن السبب الأساسي في انفلات أسعار الأعلاف هو غياب دور وزارة التجارة الداخلية بعملية التسعير والرقابة، بالإضافة إلى عدم إجبار التجار على تقديم فواتير نظامية، كما أن الأسواق مجهولة الاتجاه يحددها تجار الأعلاف.
وكل ذلك كان له وقع قاس على عملية الإنتاج نحو المزيد من الخسارات التي يتكبدها المربون أولاً، وانعكاسها على واقع الأسعار وجيب المستهلك، الذي بات يختصر الكثير من أصناف الغذائيات ثانياً.
على سبيل المثال فقد وصل سعر صحن البيض إلى 10500 ليرة من صالات السورية للتجارة، أما سعر الفروج المذبوح والمنظف فقد وصل إلى 9500 ليرة، وأسعار السوق أعلى طبعاً.
على الطرف المقابل نسمع تصريحات المدير العام للمؤسسة العامة للأعلاف لصحيفة الوطن يوم 2 من الشهر الحالي، حيث قال: «إننا كمؤسسة لدينا رصيد من هذه المواد موجودة في مستودعاتنا ونسعى إلى عدم توزيع هذا الرصيد دفعة واحدة وذلك من أجل أن تتحكم المؤسسة بأسعار السوق وخصوصاً أن التاجر عندما يعرف أنه لا يوجد مواد علفية لدى المؤسسة يقوم فوراً برفع سعر مبيع الأعلاف بشكل كبير، مضيفاً أن المؤسسة توزع أعلافاً لما يقارب 27 مليون طير خلال دورة تربية الدواجن».
فحسب تصريحات المدير، هناك ضبط في عملية التوزيع، منعاً للاحتكار ورفع الأسعار، مع العلم أن الفارق بين تسعيرة المؤسسة للمواد العلفية وبين تسعيرتها في السوق الحرة أصبحت متقاربة، وهذا ما عبر عنه عضو لجنة مربي الدواجن حيث يرى أن «المؤسسة العامة للأعلاف تحولت حالياً إلى تاجر باعتبارها تبيع المقنن العلفي بأسعار متقاربة مع أسعار التجار».
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأعلاف المستوردة لصالح المؤسسة يقوم بتأمينها التجار أيضاً، أي إن المؤسسة تقوم بدور الوسيط ليس إلا!
في ذات الوقت يتغنّى مدير مؤسسة الأعلاف بالدعم غير المباشر الذي قدمته المؤسسة لقطاع الثروة الحيوانية بسبب فارق الأسعار بينها وبين الأسواق الحرة المقدر بنحو 30% بحسب قوله.
أما عن التبرير الذي قدمه مدير مؤسسة الأعلاف لتقارب الأسعار، فقد عزا ذلك إلى شراء مربي الدواجن الذرة الصفراء البلدية التي يعتبر سعرها قريباً من سعر الذرة التي توزعها المؤسسة، حيث إن البلدية سعرها بحدود 1200 ليرة ودرجة رطوبتها 22 درجة، على حين أن درجة رطوبة الذرة التي توزعها المؤسسة 11 درجة، منوهاً أنه لا يمكن المقارنة بين هذين الصنفين، خصوصاً أن الصنف البلدي لا يمكن تخزينه على عكس الصنف الذي تستورده المؤسسة، مشيراً إلى أن البلدية أفضل كقيمة غذائية.
المقنن العلفي لا يكفي ليوم واحد!
عدلت المؤسسة العامة للأعلاف خلال الأسبوع الأخير من الشهر الفائت كمية المقنن العلفي، بزيادة 100 غرام من مادة النخالة إلى الكمية المخصصة لكل طير لتصبح 1300 غرام من المواد العلفية، بدلاً من الكمية السابقة التي حددت خلال الدورة العلفية التي افتتحت يوم 31 تشرين الأول الماضي والمستمرة حتى يوم 30 كانون الأول، كمية المقنن العلفي كانت بمعدل 1200 غرام ولشهرين موزعة على الشكل التالي «1000غرام ذرة صفراء بالإضافة إلى 200 غرام كسبة فول الصويا»، لتعاود المؤسسة يوم 12 من الشهر الجاري رفع المقنن العلفي لصغار مربي الدواجن ممن يملكون 5 آلاف طير وما دون ليصبح بكمية 1600 غرام.
يؤكد مربو الدواجن أن المقنن العلفي الموزع من قبل المؤسسة العامة للأعلاف «وفق معدل 1200 غرام لكل شهرين» لا يكفي لإطعام الطير ليوم واحد!
فهل أحدثت الزيادات الأخيرة والطفيفة ذلك التغيير الملحوظ بحيث ينعكس إيجاباً على واقع الإنتاج الذي أصبح متردياً؟
وهل هذه هي الحلول التي ينتظرها المربي، والتي تخفف من وطأة أعباء تكاليف الإنتاج، بدءاً من الأدوية البيطرية إلى المحروقات اللازمة لعملية تدفئة المداجن وصولاً إلى الأعلاف وهي الأهم، والتي تحتاج إلى خطة بديلة عن عمليات الاستيراد المكلفة التي يقوم بها التجار، ألا وهي إعادة الاعتبار بشكل جدي لإنتاج الأعلاف محلياً، لما ستخففه من أعباء وتكاليف على المربين.
من الواضح أن مصالح حيتان الاستيراد والفساد أكثر أهمية، لذلك سيستمر الوضع على ما هو عليه من استمرار تراجع وانحسار قطاع الدواجن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1049