طبقية جائرة من غير رتوش
عبير حداد عبير حداد

طبقية جائرة من غير رتوش

اشتد تسارع عجلة النَّيل من لقمة المواطن المفقر ومستوى معيشته خلال العام الحالي، لتوازي هذه السنة بقتامة مشهدها على الواقع الاقتصادي- الاجتماعي، ما صارعه السوريون خلال سنوات الحرب الماضية، حتى أصبح المواطن لا يدري من أين سيتلقى الضربات، ومتى ستُجهز عليه بشكل كامل!

استطاعت الحكومة الموقرة أن تبهر المواطن خلال العام الجاري بجملة من القرارات الظالمة، ذات المحتوى التمييزي الطبقي بكل صَلفٍ، والتي أضافت إليه المزيد من الإحساس بالغربة، حيث استهدف لديه الانتماء للوطن، الذي من المفترض أن يلقى المواطن فيه كل أشكال الدعم، المادي والمعنوي، فلم يعد متوفر له منها سوى الفتات القليل، وما زالت المسيرة الحكومية قائمة لسحب حتى هذا الفتات أيضاً!

قرارات التمييز الطبقي

قرارات عديدة صدرت سابقاً «طرحناها خلال أعداد ماضية على سبيل نقدها وتفنيد سلبياتها على الوطن والمواطن»، وما زالت تصدر على شاكلتها قرارات عدة، لتجهز على ما تبقى من القطاعات الإنتاجية، أو بمعنى آخر على ما بقي من دعمٍ للإنتاج الوطني، وبما يضمن للمواطن حداً أدنى من أمنه الغذائي، بل وتعدت تلك القرارات مبدأ ضرب الإنتاج الوطني، لتضرب على وتر كرامة المواطن البائس الذي أفقرته وجوّعته «الحكومات المتعاقبة»، بل لتعزيز الشرخ الطبقي الواضح والصارخ بين المواطنين، فخلال الفترة الماضية صدرت قرارات عدة بهذا الإطار، وما سنذكره غيض من فيض عن آلية تعزيز التفاوت والتمييز الطبقي الممنهج.
فعلى سبيل المثال: أصدرت وزارة الداخلية يوم 24 من الشهر الحالي قراراً يشترط على من يريد الحصول على جواز سفر فوري، تسديد مبلغ مالي قدره 100 ألف ليرة سورية، أسمته بدل خدمة ورسم، بغض النظر عن حجز دور سابق، ليتم استلامه باليوم ذاته!
هذا يذكرنا بقرار وزارة النقل الصارد خلال شهر أيلول الماضي الذي سمح بمنح إجازات سوق مستعجلة لقاء مبلغ 100 ألف ليرة سورية، ليمنح فوراً من يجتاز الاختبار، وثيقة يقدمها لفرع المرور ويحصل منها على إجازة السوق الخاصة به!
يبقى السؤال هنا: ما الداعي من خلق الاستثناءات حسب الملاءة المالية حتى بالقرارات ذات الصبغة الخدمية العامة، هل لذلك سوى معنى واحداً: أن من يمتلك القدرة على تسيير أعماله بالمال فليكن، وأما من لا قدرة له فليبقى على قائمة الانتظار!
أما ما يفقأ العين، أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، قد وفرت مواد التدخل الإيجابي لمادتي «السكر وزيت دوار الشمس»، بالسعر الحر للسكر 2200 ليرة سورية، وبواقع 3 كيلو شهرياً للبطاقة الذكية الواحدة، وأما زيت دوار الشمس بسعره الحر بحدود 7000 ليرة وبواقع ليتر واحدة شهرياً، مع العلم أنه في ذمة السورية للتجارة خمسة أشهر لم توزع خلالها مواد التموين المدعومة على البطاقة للمواطنين.
فهل هذه خطة تدخل إيجابي لصالح إنهاء الدعم لكن بشكل آخر؟

التمييز الكهربائي أشد وطأة

أضف إلى ذلك، التعديل الذي أجرته وزارة الكهرباء على قرار إعفاء الصناعيين من التقنين الكهربائي الصادر عام 2016، حيث أصبحت التعرفة الجديدة 300 ليرة سورية للكيلو واط الساعي، بعدما كانت التكلفة 42 ليرة سورية للكيلو واط الساعي، أما المعفيون جزئياً فيحتسب الكيلو واط بـ225 ليرة سورية، ويعفى من ذلك المستهلكون الصناعيون في المدن الصناعية في عدرا وحسياء والشيخ نجار، ومنشآت القطاع العام، ولا ننسى أن تعديل تعرفة استهلاك الكهرباء التي صدرت عن وزارة الكهرباء بداية الشهر الحالي أيضاً، حيث ارتفعت التكاليف بين ما يقارب 100 إلى 800%.
طبعاً لا محال أن لهذه القرارات التعسفية تبعات سلبية جداً، بغض النظر عن التحيّز الذي طال بعض المناطق الصناعية على منحى القطاعات الإنتاجية أولاً.
فالزيادة بتعرفة الكيلو واط للصناعيين المعفيين من التقنين، ستضاف لتكاليف إنتاجهم، وكالعادة ستطرح منتجاتهم في الأسواق متضمنة التكاليف وهامش الربح، الأمر الذي سينعكس سلباً في نهاية المطاف على جيب المواطن المستهلك نفسه، وسيزيد من انعدام قدرته الشرائية مقابل ما يتقاضاه من أجور زهيدة فعلاً لا تكفي لسد رمق جوع أيام معدودات.
ومن ناحية أخرى، إن التزويد بالطاقة الكهربائية المستمرة لمن يملك المال، في ظل استمرار واقع كم الإنتاج المحدود منها، يعني أن الجزء الإضافي الذي سيتم استهلاكه مفتوحاً من هذا الكم لمن يدفع، سوف يتم على شكل مزيد من ساعات التقنين على من لا يملك إمكانية الدفع، أي إن المفقرين من الغالبية الساحقة سوف يعانون المزيد من العتمة والبرد، وهل هناك من إجحاف وظلم طبقي أكثر من ذلك؟!
فالتمييز بالقرارات الرسمية بات على مبدأ طبقي فج لدرجة الوقاحة، مع تكريس تحويل دور الدولة من الرعاية إلى الجباية فقط، وبطرقها الخاصة الأكثر فجاجة.

عام قرارات التمييز الطبقي

ما سبق أعلاه غيض من فيض، عن الأمثلة الكثيرة التي تضيء على محاولة الحكومة الجدية لإنهاء الدعم بشكل كامل، والذي أصبح بشكل فج، بالإضافة إلى مدى طبقية قراراتها التي أصبحت أكثر حدة، حتى أصبح من الممكن تسمية هذا العام بـ «عام قرارات التمييز الطبقي»، بمعنى
أن الحكومة اليوم تعمل على مبدأ المثل القائل: «معك قرش بتسوى قرش ما معك ما بتسوى شي»، ومن الواضح أن دورها تحول إلى جباية الأموال فقط، بطرق تبتدعها على طريقتها عبر قرارات استثنائية للبعض المليء مقابل مبالغ مالية، والتي بات ضحيتها المواطن المنهوب والمفقر، الذي بات تحت درجات خط الفقر والجوع بأشواط.
فمن تهتم لهم الحكومة هم القلة الثرية والناهبة، فيما تقلص من واجباتها ومسؤولياتها تجاه الغالبية المفقرة، بل وتزيد عليهم من جرعات الجور الطبقي أكثر وأكثر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1046
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 11:58