200 ألف طفل وأم مرضى بسبب سوء التغذية الحاد
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

200 ألف طفل وأم مرضى بسبب سوء التغذية الحاد

ورد خبر مقتضب بتاريخ 18/11/2021 على صفحة «برنامج الأغذية العالمي الشرق الوسط وشمال إفريقيا» يقول ما يلي: «بعد 6 أشهر من العلاج، وصلت تارا أخيراً إلى مرحلتها الأخيرة من التعافي من سوء التغذية الحاد. تارا من بين 200,000 أم وطفل يتلقون علاجاً شهرياً من برنامج الأغذية العالمي لسوء التغذية في سورية. المساعدات الغذائية وحدها لن تساعد على القضاء على الجوع. فالمساعدات الغذائية تنقذ الأرواح في حالات الطوارئ، ولكن التغذية الصحيحة في الوقت المناسب يمكن أن تساهم في كسر حلقة الفقر».

الخبر أعلاه، على الرغم من جرعة مرارته الكبيرة، مرّ مرور الكرام على بعض وسائل الإعلام، وعلى الأغلب لم تعره الجهات والسلطات الرسمية محلياً أية أهمية، تماماً كحال كل المرارات التي يعيشها غالبية السوريين على أرضهم بسببها!


مقدمة لا بد منها

بحسب منظمة الصحة العالمية، ومن موقعها الرسمي: «يعرّف سوء التغذية الحاد الوخيم بانخفاض كبير في نسبة الوزن/الطول (أقلّ بثلاث درجات معيارية من متوسط معايير النمو التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية)، أو بهزال وخيم باد للعيان، أو بوجود وذمة تغذوية. والمعروف أنّ خفض معدلات وفيات الأطفال وتحسين صحة الأمهات من الأمور التي تعتمد، بشدة، على الحد من سوء التغذية التي تقف بشكل مباشر أو غير مباشر، وراء حدوث 35% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة.. ومع أنّ متوسط معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة جرّاء سوء التغذية الحاد الوخيم يتراوح، عادة، بين 30% و50%، فإنّ من الممكن خفضه بشكل كبير عندما تُؤخذ التغيّرات الفيزيولوجية والاستقلابية في الحسبان. وقد مكّن التدبير العلاجي لحالات سوء التغذية الحادة الوخيمة وفق المبادئ التوجيهية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية من خفض معدلات الوفيات بنحو 50% في المستشفيات، والدراسات التي أُجريت في الآونة الأخيرة تشير إلى إمكانية استخدام سلع من قبيل الأغذية العلاجية الجاهزة للاستعمال لتدبير حالات سوء التغذية الحادة الوخيمة على صعيد المجتمعات المحلية».
وعن التدابير العلاجية لسوء التغذية الحاد لدى الأطفال، فقد ورد التالي على موقع منظمة الصحة العالمية: «سوء التغذية الحاد الوخيم من الأمراض التي تهدّد أرواح المصابين بها وتقتضي العلاج العاجل. وتتمثّل التوصيات المعمول بها، حتى الآونة الأخيرة، في إحالة الأطفال المعنيين إلى المستشفى للاستفادة من النُظم الغذائية العلاجية والرعاية الطبية. وقد تغيّر الوضع مع مجيء الأغذية العلاجية الجاهزة للاستعمال، التي تتيح إمكانية تدبير حالات أعداد كبيرة من الأطفال المصابين بسوء التغذية الوخيم ممّن تتجاوز أعمارهم ستة أشهر، وذلك خارج المرافق الصحية».


أكثر من الجوع

المعاناة من الجوع وسوء التغذية الحاد أصبحت واقعاً معاشاً ومعمماً في الداخل السوري، ولم تعد الأرقام المتداولة أو الاحصاءات التي تعلنها المنظمات المعنية، المحلية والدولية، تكفي للتعبير عنه، أو لعكس صورته الدقيقة والحقيقية، فقد أصبحت هذه الأرقام والإحصاءات ميداناً للاستثمار السياسي والابتزاز المالي غالباً، ليبقى الواقع على ما هو عليه، بل مع تسجيل مزيد من التدهور على هذا المستوى.
فماذا يعني أن يستمر العلاج من سوء التغذية الحاد لطفلة لمدة 6 أشهر متواصلة؟
وأية حال من سوء التغذية كانت عليها تلك الطفلة، وأية معاناة كانت تعيشها مع ذويها؟
وماذا يعني الإعلان عن تسجيل 200 ألف أم وطفل ممن يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد بشكل شهري؟
وما هي حقيقة الأرقام الفعلية ممن يعانون من الجوع ومن سوء التغذية الحاد، بعيداً عن الأعين، وبعيداً عن رصد المنظمات؟
وأين الحكومة والسلطات المعنية تجاه مسؤولياتها المباشرة عن هذا الواقع المرير والمؤلم، الذي يدفع المزيد من السوريين لحافة الجوع وسوء التغذية الحاد، والذي يحتاج إلى علاج طويل الأمد؟


الأرقام المرعبة والسياسات المتوحشة

كثيرة هي الأسئلة التي قد تتبادر للذهن، ليس من وقع مرارة الخبر أعلاه، وليس من معرفة أنّ متوسط معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة جرّاء سوء التغذية الحاد الوخيم يتراوح، عادة، بين 30% و50%، بل من هول الواقع المعاش غير المنظور لا من المنظمات ولا من الحكومة، بل مع الكثير من اللامبالاة الرسمية تجاهه!
فرقم 200 ألف أم وطفل قيد العلاج طويل الأمد من سوء التغذية الحاد كنسبة وتناسب مع أعداد السوريين في الداخل ليس قليلاً، بل هو رقم مرعب وكبير، فكيف مع إضافة غير المحظوظين ممن لم تصلهم أيدي المساعدات، التغذوية والصحية، عبر المنظمات الدولية، والمهملين، المنسيين، من قبل الحكومة والسلطات الرسمية؟!
فالواقع يؤكد أننا غارقون وسنغرق أكثر في حال الفقر والجوع، مع كل احتمالات تسجيل الوفيات بالنسب الكبيرة أعلاه بين الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، بسبب استمرار السياسات المجحفة بحق الغالبية المفقرة على كافة المستويات، وبسبب زيادة معدلات الاستغلال التي تدفع بالمزيد من السوريين نحو حافة الجوع وسوء التغذية الحاد، والتي لا يمكن تجاوزها إلا من خلال «التغذية الصحيحة في الوقت المناسب، بما يساهم في كسر حلقة الفقر»، كما ورد أعلاه، وهذا لا يمكن له أن يتحقق من خلال الاعتماد على «المساعدات» التي لن تقضي على الجوع، أياً كان نوعها وتسميتها، والقائمين عليها، وغايات كل منهم، بل من خلال تغيير جملة السياسات المتبعة بشكل شامل وجذري، بما يؤمن للغالبية من السوريين الخروج من حال الفقر والعوز والجوع وسوء التغذية الحاد الذي أوصلتنا له تلك السياسات المطبقة منذ عقود وحتى الآن، والتي وصلت إلى مرحلة التوحش، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة، وعلى أيدي كبار الفاسدين وتجار الأزمة وأمراء الحرب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1045